قال تعالى :” وَأَنكِحُوا الْأَيَامَىٰ مِنكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ ۚإِن يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ ۗ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ”.
تُعَرف المجامع اللغوية العربية “اﻷيامى” بأنهم كل رجل أو إمرأة غير متزوجين سواء أكان/ كانت بكرا أم ثيبا ، متزوجة من ذي قبل ثم ترملت أو طلقت أم أنها لم تتزوج أصلا ، وما يصدق على المرأة في ذلك يصدق على الرجل تماما ، في العراق وبحسب نتائج مسح الأمن الغذائي الذي نفذه الجهاز المركزي للإحصاء هناك ما يقرب من مليوني أرملة ومطلقة ، تعيش 300 الف أرملة منهن في العاصمة بغداد لوحدها ، معظمهن في مقتبل العمر ، يضاف لهن ملايين العوانس (العانس هي كل إمرأة تجاوز سنها الـ 35 عاما ولم تتزوج ) حيث يشغل العراق المركز الثاني عربيا بعد لبنان بنسبة العنوسة المرتفعة جدا بمعدل 70% ،فيما كشفت رئاسة لجنة المرأة والاسرة النيابية في الدورة البرلمانية السابقة عن وجود مليوني أرملة و 4ملايين مطلقة، وشاءت اﻷقدار أن أتعرف في حياتي وأمر بتجارب كثيرة مع الفريقين تابعت خلالها عن كثب معاناة كل منهم والاطلاع على حياتهم المضطربة وسط مجتمع لايرحم ضعفاءه وﻻيتحرك لحل مشاكلهم ولو بالحد اﻷدنى ، بل على العكس من ذلك تراه دائم اللوم ، التوبيخ ، الإستهانة ، التعريض بهم ، وكثيرا ما تسمع في المجالس العامة والخاصة عبارات تقطر إزدراء وﻻ إنسانية باللهجة العامية الدارجة نحو “عوفها هذه إمرأة مطلقة ..عمي هاي شيجرعها ، هذي إمرأة عانس ..ﻻ تدخله الى بيتك تره هذا رجل أعزب يدَور نسوان ..لك تريد تزوج أرملة عدها أطفال من رجل ثان ، ليش شبيك ناقصك إيد ، رجل ؟ ” عبارات في منتهى القسوة عادة ما تسبب جرحا غائرا للمطلقات ، اﻷرامل ، العوانس ، العزاب لتضاف الى قائمة طويلة من الجراحات المتراكمة عندهم والتي درج المجتمع على فتقها كلما إندملت أو تماثلت للشفاء ما يستدعي وقفة موضوعية جادة تناقش المأساة من جميع جوانبها وﻻ تقتصر على جانب منها دون آخر .
والى اﻷيامى – غير المتزوجين – جميعا ومن كلا الجنسين لتصبيرهم على بلواهم ولرفع معنوياتهم من جهة ، والى كل الشامتين بهم ، الناقدين لهم لا لمساعدتهم وإنما للتعريض بهم من جهة أخرى ليكفوا هراءهم ، أقول بما عرف عني من صراحة متناهية أزعمها ﻻ أحابي فيها أحدا وﻻ أجامله ، ومن خلال تجاربي الشخصية الطويلة في هذا المضمار ، إن احجام الكثير من – اﻷيامى- عن الزواج إما أن يكون عارضا أو متأصلا ،فبعضهم لايقدم على خطوة الزواج لضيق ذات اليد ومعاناته من فقر مدقع ، بعضهم لايتزوج لعاهة مستديمة أو لعوق ظاهري أو مرض مزمن ألم به طويلا يحول بينه وبين الإقدام على تلكم الخطوة ، بعضهم لدمامة خلقته – بشاعته / بشاعتها – بعضهم لظروف التهجير والنزوح ، اﻷسر والسجن والاعتقال السياسي والملاحقات اﻷمنية التي تعرض لها في حقبة ما بتهمة معارضة الانظمة الحاكمة ، بعضهم لزجه في الحروب المتعاقبة التي لاتنتهي في بلاده أبدا وما ترتب عليها من دمار وخراب ، بعضهم بسبب البطالة الخانقة التي عانى منها اﻷمرين في زهرة شبابه ، بعضهم بسبب ما عاناه صغيرا من خصام متواصل بين أمه وأبيه ، طلاق ، أو عنف أسري وتفكك عائلي من جرائها ما سبب له عقدا نفسية متجذرة جعلته بمنأى عن تكرار التجربة المريرة على وفق تصوره ، بعضهم لإنكبابه على التعلم والتعليم ، التأليف والتصنيف ،العمل الاغاثي والانساني ، بعضهم لبخله ،وآخر لعيشه وسط مجتمع يخالفه دينيا ، مذهبيا ، عرقيا ، لونيا ، طبقيا وربما أيدولوجيا ايضا ، إضافة الى غوص بعض الرجال بالملذات الجنسية والعلاقات المشبوهة خارج إطار الزوجية ما يغنيهم عن الزواج وحتى مجرد التفكير به بما له شواهد كثيرة جدا لامجال للخوض فيها .
المفكر الكبير عباس محمود العقاد، صاحب ” سلسلة العبقريات” لم يتزوج معللا ذلك بـ” أصبت بمرض شغلني عن فكرة الزواج ، وبعد الشفاء منه وجدت فى السياسة والتأليف ما شغلني عن الزواج”، العلامة سعيد النورسي صاحب ” رسائل النور ” لم يتزوج ﻷنه قضى عمره كله في صراع مع الاتاتوركيين الحاكمين في تركيا ، الامام الزمخشري صاحب كتاب ” الكشاف في تفسير القرآن ” لم يتزوج ﻷنه كان مبتور القدم يمشي على ساق خشبية ،” الموسيقار اﻷشهر بتهوفن لم يتزوج ﻷنه كان من عامة الشعب فيما كانت حبيبته الارملة الأم ﻷربعة اطفال جوزفين برانسفيك ، من طبقة النبلاء وزواجها منه يعني حرمانها من الميراث وفقدان حضانتها ﻷيتامها وكذلك خسارتها لقب البارونة ما سبب للموسيقار عقدة نفسية ، فضلا عن اصابته بالصمم وهو بعمر 26 عاما ،الإمام النووي صاحب كتاب ” رياض الصالحين ” و ” الاربعون النووية ” لم يتزوج وذلك لإنشغاله بالتصنيف والتأليف طوال سني حياته وﻷنه كان خشن العيش ، بسيط الثياب ، ينام في المدرسة التي يتعلم فيها وكان يأكل وجبة واحدة في اليوم والليلة ومات وهو لما يزل كهلا بعمر 46 عاما ، الامام ابن جرير الطبري صاحب تفسير ” جامع البيان عن تأويل آي القرآن” وكتاب ” تأريخ الأمم والملوك” الشهير بتأريخ الطبري ، لم يتزوج لكونه كان زاهدا متفرغا للعلم ، شديد الورع ، رافضا لهدايا الملوك والامراء والسلاطين ، ابن تيمية الحراني كذلك صاحب الـ 500 مجلد لم يتزوج لإنشغاله بالتأليف وطلب العلم ولعيشه في زمن كثرت فيه الفتن حيث عاصر غزوات المغول والتتار لبلاد الشام ، وكذلك بسبب سجنه وإعتقاله أكثر من 6 مرات على خلفية فتاوى أغضبت السلاطين عليه بتحريض من مخالفيه وفي آخرها توفي في محبسه بقلعة دمشق مريضا، كذلك العلامة الموسوعي” ابن النفيس ” مكتشف الدورة الدموية الصغرى لم يتزوج لإنشغاله بعلاج المرضى والتصنيف في مجال الطب ، مكتشف قانون الجاذبية اسحاق نيوتن لم يتزوج، الشاعر والرسام جبران خليل جبران لم يتزوج ﻷنه عاش طفولة معذبة وذاق طعم التشرد وﻷن أمه كانت متعددة الازواج وﻷن والده كان مقامرا أغرقته الديون حتى تم سجنه ، و ﻷن جبران توفي مبكرا بعمر 48 عاماً، بمرض السل وتليف الكبد في اميركا ، الشاعر والفيلسوف ابو العلاء المعري الملقب بـ” رهين المحبسين ” لم يتزوج ﻷنه كان ضريرا بعد اصابته بالجدري في سن الرابعة وكان خشن الملبس والمأكل لم يذق طعم اللحم لعقود ، والقائمة طويلة قد أبدع العلامة عبد الفتاح ابو غدة في كتابه ” العلماء العزاب الذين آثروا العلم على الزواج” بسرد سير بعض أبطالها وخلاصتها هي أن لكل رجل لم يتزوج عذره بصرف النظر إن كان منطقيا بالعزوف عن الزواج برأي اﻻخرين أم لا ، اما عن النساء فالقضية أكبر ودوافعها أكثر وأبعادها أخطر ولعل انصراف الرجال عن بعض النساء يكون لقلة جمالها ، لمرضها ، لعقمها ، لسوء خلقها ، لفقرها ، لسمعة أهلها ، ﻷميتها وقلة تعليمها ، لتشدد اهلها ، لغلاء مهرها ، لتمنعها عن قبول الخاطبين ، لتكبرها ،ﻷنشغالها بالعلم أو العمل أو التدريس أو رعاية أبويها أحدهما أو كليهما ، رعاية اشقائها وشقيقاتها صغارا بعد وفاة اﻷبوين ولعب دور اﻷم معهم ، إنتظارها فارس اﻷحلام الوسيم الذي رسمته في مخيلتها والذي لن يأتي على حصانه اﻷبيض وﻻ حتى في المنام ، فكلها أسباب صارفة قد تدفع الى العنوسة ، أما عن الارامل والمطلقات فإنصراف الرجال عن أغلبهن مرده في الغالب الى أن الرجل يبحث عادة عن البكر لا الثيب ، عن التي لم تنجب من قبل وليس لديها أطفال صغار ترعاهم من زوج سابق وهذه واحدة من آفات المجتمع الخطيرة .
وفي فضل اﻷرامل قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ، (السَّاعِي عَلَى الأَرْمَلَةِ وَالمِسْكِينِ، كَالْمُجَاهِدِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ و كَالقَائِمِ لاَ يَفْتُرُ، وَكَالصَّائِمِ لاَ يُفْطِرُ) ، وقال صلى الله عليه وسلم في فضل النساء بضمنهن الارامل والمطلقات والعوانس ” اللهم إني أُحَرِّج حق الضعيفين، اليتيم والمرأة” ومعنى أحرج أي الحق الإثم بمن ضيع حقهما، وقال صلى الله عليه وسلم : ” أكملُ المؤمنين إيمانًا أحسنُهم خُلقًا، وخيارُكم خيارُكم لنسائهم” وجاء في حجة الوداع ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (..إنَّ لَكُم مِن نسائِكُم حقًّا ولنسائِكُم عليكُم حقًّا فأمَّا حقُّكم على نسائِكُم فلا يُوطِئْنَ فرُشَكُم من تَكْرَهونَ ولا يأذَنَّ في بيوتِكُم لمن تَكْرَهونَ ألا وحقُّهنَّ عليكم أن تُحسِنوا إليهنَّ في كسوتِهِنَّ وطعامِهِنَّ).
وعودا على بدء ومن خلال الاحصاءات شبه الرسمية فإن العراق يشهد 10 حالات طلاق تقريبا كل ساعة ما أسفر عن تسجيل 800 الف حالة طلاق ، 70% منها تجري خارج أروقة المحاكم مع عزوف الشباب عن الزواج بنسبة 50 % ﻷسباب كثيرة أهمها أزمة السكن ، البطالة ، غلاء المهور ، الهجرة ، النزوح ، اضافة الى الانشغال بـ – المكسرات والفاينات – ، فيما تؤكد الاحصاءات أنه وفي كل يوم هناك عشرات الارامل يلحقنَّ بالقوائم نتيجة الحوادث المرورية ، الدكات العشائرية ، العمليات الارهابية ، المواجهات المسلحة ، جرائم الخطف والاغتيال ، انتشار الامراض السرطانية والمزمنة ونحوها والنتيجة هي بلد يغص بالارامل والمطلقات والعوانس والعزاب بما خلف مئات المشاكل الاجتماعية والاخلاقة والنفسية العالقة وعلى الصعد كافة .
ولحل مشكلة العنوسة وكثرة الارامل والمطلقات لابد من :
– تثقيف المجتمع ضد إرتفاع المهور والإمتناع عن تصديق عقود الزواج التي تتضمن مهورا عاليا وﻻعبرة بتصديقها خارج أروقة المحاكم .
– توفير فرص عمل للعاطلين عبر فتح أبواب الاستثمار وإعادة تأهيل وتشغيل المصانع الحكومية ودعم اﻷهلية منها وإطلاق حملة كبرى لإعادة الاعمار بغية تشغيل الايدي العاملة المحلية وإلزام الشركات الاجنبية العاملة بتوظيف الايدي العراقية العاطلة حصرا .
– إطلاق حملة كبرى لبناء الوحدات السكنية العمودية واطئة الكلفة في جميع المحافظات للقضاء على أزمة السكن الخانقة وهي الحائل شبه الرئيس عن الزواج .
-الحد من أنواع الزواج الدائمي غير المصدق ” عرفي ، مسفار ، مسيار ، فريند ، وناسة ، الزواج بنية الطلاق ” وكذلك الزواج المؤقت ” المتعة ” لدورها في ضياع الحقوق وإثارة الشبهات ما تمخض عن العزوف عن الزواج الموثق مكتمل الاركان والشروط وإختلاط الانساب وأزمات الميراث والصداق والنفقة وأخوة الرضاعة وغيرها .
– تبني المشاريع والمقترحات القاضية بمد يد العون ماديا ومعنويا للراغبين بالزواج من المطلقات والعوانس والارامل وقد سبق ان طرحت بعض النائبات هكذا مقترحات تتضمن دفع منح مالية و منح اراض سكنية وبدلات ايجار لمن يرغب بهكذا زيجات .
– تشريع قانون يبيح تعدد الزوجات سواء بموافقة الزوجة الاولى أم عدم موافقتها اذ لاحل لمعضلة الارامل والمطلقات بغير ذلك .
– اقامة حفلات الزواج الجماعي وتحمل كافة تكاليفها مع مساعدة الزوجين ماديا وتجهيزهم بأنواع الاثاث اللازمة لبدء حياة جديدة وانشاء أسرة كريمة .
– تخصيص رواتب شهرية مجزية تعين الارامل والمطلقات على إعالة أطفالهن بغياب المعيل ، فضلا عن تزويدهن وأبنائهن بكسوتي الصيف والشتاء ، وحصص تموينية اضافية شهريا وجميع المستلزمات المدرسية بداية كل عام دراسي ، وإعانتهن على دفع بدلات الايجار والعلاج والمواصلات والتعليم ، ادخالهن بدورات مجانية لتعليمهن فنون الخياطة والتطريز واعمال السيراميك والطبخ وتنسيق الزهور ونحوها وتزويدهن بمستلزماتها كافة لتكون بمثابة مهن حرة ومشاريع صغيرة يعشن بريعها وإن كان قليلا .
-تثقيف المجتمع بالابتعاد الكلي عن إقامة حفلات الزواج الباذخة الشكلية وتبديد اﻷموال أثناء العرس والزفة بما يثقل كاهل الزوجين ويغرقهم بالديون في بداية حياتهم الزوجية .
– تشكيل فرق بحث اجتماعية ونفسية ثابتة وجوالة تعمل على تقريب وجهات النظر واصلاح ذات البين بين الزوجين في حال نشوب الخلافات المستمرة بينهما ما أمكن .
– تغليظ العقوبات على الخيانات الزوجية والتحرش الجنسي والابتزاز الالكتروني والتشهير ، والطعن في الاعراض وقذف المحصنات الغافلات المؤمنات وكلها أسباب تفضي الى الطلاق المبكر.
– اغلاق جميع الملاهي الليلية ودور البغاء والرذيلة السرية والعلنية وحظر المواقع الاباحية فورا ومن دون ابطاء وعدم الالتفات الى صيحات – الحثلكية – بعدم الاقدام على هكذا خطوات بزعم انها ضد الحريات الشخصية اذ ان ما يعانيه المجتمع العراقي اليوم من تفكك اسري وانحلال اجتماعي وانحطاط أخلاقي يتطلب وقفات جادة لامحاباة فيها ﻷحد . اودعناكم اغاتي.