خاص : ترجمة – سعد عبدالعزيز :
لقد أدى إنهيار تنظيم (داعش) الإرهابي إلى إزاحة خطر كبير عن المنطقة، لكنه فتح في الوقت نفسه، ممرًا بريًا أمام “إيران” لنقل أسلحتها إلى التنظيمات الموالية لها في “العراق” و”سوريا” و”لبنان”.
ومن شأن التفجيرات الغامضة، التي يشهدها “العراق” في الآونة الأخيرة، أن تجعل الميليشيات الشيعية العراقية أمام تحدٍ جديدٍ؛ ألا وهو الإنتقام ردًا على الهجمات المنسوبة لـ”إسرائيل”.
العراق يواجه عدوًا جديدًا !
يقول المحلل الإسرائيلي، “جي ألستر”، إنه بعد مرور خمس سنوات على سقوط ثلث مساحة البلاد في قبضة تنظيم (داعش)، يجد “العراق” نفسه وكأنه في بداية مرحلة جديدة يواجه فيها عدو جديد، لا يشبه هذه المرة التنظيم السُني المتطرف، الذي سعى جاهدًا لفرض تطبيق الشريعة الإسلامية على البلاد.
وربما ذلك العدو الجديد أقوى بكثير؛ لأنه عاد من جديد ليعربد في سماء “العراق” بعد أن غاب عنها، منذ عام 1981.
صواريخ العراق تهدد إسرائيل…
يضيف “ألستر”؛ أن اسم “العراق” أخذ يتردد كثيرًا، خلال الفترة الأخيرة، على ألسنة كبار المسؤولين في “تل أبيب”، الذين حذروا من أن الجهود العسكرية الإسرائيلية، المبذولة لمنع ترسيخ الوجود الإيراني في المنطقة، لن تقتصر فقط على “سوريا” و”لبنان”.
وصحيح أن “العراق” ليس بلدًا مجاورًا للدولة العبرية، لكن الصواريخ بعيدة المدى، التي تم نشرها في “العراق” مؤخرًا، يمكن أن تضرب عُمق “إسرائيل”. والآن فإن تلك الصواريخ ومستودعات الذخيرة التابعة للميليشيات الشيعية العراقية الموالية لـ”إيران”، تتعرض لغارات غامضة، ربما تكون “إسرائيل” هي المنفذ لها.
طهران عززت نفوذها على نظام بغداد..
لقد كانت “بغداد”، حتى عام 2017، مشغولة بالقضاء على تنظيم (داعش) وإعادة السيطرة على كامل أراضي الدولة الممزقة. وكانت الميليشيات الشيعية على رأس القوى التي حاربت بشراسة الجهاديين المنتمين لتنظيم (داعش).
ولقد تشكلت تلك الميليشيات الشيعية، في صيف عام 2014، بعد إنهيار الجيش العراقي والدعوة العاجلة التي أطلقها المرجع الشيعي الأعلى في البلاد، آية الله “علي السيستاني”، للتطوع الشعبي لإنقاذ “العراق”.
وتم إنشاء الميليشيات؛ ضمن الهيئة العليا التي تسمى، (الحشد الشعبي)، فكانت هناك ميليشيات شيعية ومسيحية وغير ذلك. وكان بعضها مرتبطًا بـ”إيران” المجاورة منذ أيام القتال المسلح ضد الأميركيين بعد الإطاحة بـ”صدام حسين”، عام 2003، ومن خلال تلك الميليشيات عززت “طهران” نفوذها وسيطرتها على نظام “بغداد”.
الميليشيات بجوار القوات الأميركية !
يضيف المحلل الإسرائيلي؛ أن “الولايات المتحدة” قد اضطرت للعودة إلى معترك الساحة العراقية – وإن كان على نطاق ضيق للغاية – بعد أن سبق لها الانسحاب من “العراق”، في عام 2011.
فقام سلاح الطيران الأميركي، بمشاركة طائرات التحالف، بوقف زحف تنظيم (داعش)، ثم بدأ بعد ذلك في تحرير المدن والبلدات والقرى التي سيطر عليها التنظيم الإرهابي. فيما كان الجيش العراقي، وكذلك الميليشيات الشيعية، من بين القوات المشاركة للأميركيين في الحرب على (داعش)، وهكذا وجد الأعداء أنفسهم يقاتلون ضد عدو آخر مشترك.
واعتبر “ألستر” أن أقوى الميليشيات التابعة لـ”الحشد الشعبي”، الموالي لـ”إيران”، هي “كتائب حزب الله” العراقية و”حركة النجباء” و”عصائب أهل الحق” و”فيلق بدر”. لدرجة أن بعض تلك الميليشيات أرسلت مقاتليها إلى ساحة المعركة السورية، وفيها قاتلوا جنبًا إلى جنب مع المحاربين الشيعة الذين أتوا إلى “سوريا” من كل حدب وصوب.
ولقد هدد زعيم “حزب الله” اللبناني، “حسن نصرالله”، في أكثر من مرة، بأن الحرب القادمة ضد “إسرائيل” ستشهد سيناريو مشابهًا.
الهجمات الأخيرة في العراق بموافقة روسية !
إن الساحة العراقية تُعد أكثر تعقيدًا وحساسية من الساحة السورية، لكن البيانات الصادرة بشأن إغلاق المجال الجوي العراقي أمام الطائرات الأجنبية تذكرنا – بحسب “ألستر” – بما حدث مع نظام “بشار الأسد”.
فعلى النقيض من نظام “الأسد”، الذي يحظى بدعم روسي في ساحات القتال، فإن صاحبة السيادة في “العراق” هي “الولايات المتحدة”، التي تمنح “إسرائيل” ميزة معينة.
ووفقًا لتقرير نشرته صحيفة (الشرق الأوسط) السعودية – التي تحولت إلى قناة خلفية لتوجيه رسائل ضد “إيران” – فإن الهجمات الأخيرة في “العراق” تمت أيضًا بموافقة “روسيا”.
بغداد بين فكي واشنطن وطهران..
إذا كانت “إسرائيل” قد فتحت بالفعل جبهة جديدة ضد “إيران” داخل “العراق”، فهذا من شأنه أن يحول دون مواصلة الجهود الدولية لمحاربة تنظيم (داعش)؛ الذي لم يتم القضاء عليه بعد.
وإذا استمرت التفجيرات الغامضة في “العراق”، فإن الميليشيات الشيعية، الممثلة ضمن ائتلاف (الفتح) في “البرلمان العراقي”، ستضغط بقوة لسن مشروع قرار يقضي بطرد القوات الأميركية.
ومع ذلك، فإن “بغداد” في حاجة ماسة إلى “الولايات المتحدة”، وصعوبة الموازنة بين احتياجها لـ”واشنطن” والحفاظ على علاقاتها بـ”طهران”، تجعل من الصعب على “العراق” التخلص من تداعيات سنوات الحرب ضد تنظيم (داعش).
العراق مختلف عن سوريا..
ختامًا؛ يوضح “ألستر” أن مشكلة “إسرائيل”، مع “العراق”، تختلف في كل الأحوال عن مشكلتها مع “سوريا”.
فإذا كانت الحكومة السورية هي ذاتها التي تتلقى الأسلحة الإيرانية أو هي التي تتوسط في إرسالها، فإن الذي يفعل ذلك في “العراق” جهات لا تنتمي لمؤسسات الدولة.
وبخلاف الرئيس السوري، “بشار الأسد”، الذي يُعدُّ عاجزًا عن شن أي مواجهة حتى لو كانت محدودة ضد “إسرائيل”، فإن الميليشيات الشيعية في “العراق” قادرة على الإنتقام بشكل أو بآخر، وهذا بالطبع يشكل خطورة؛ لأنه قد يؤدي إلى رد فعل أميركي، مما يجعل الوضع مرشح لمزيد من التصعيد.
ومن هنا يصعب القول إن ما تحقق لـ”إسرائيل” من إنجاز في “سوريا” سوف يتحقق أيضًا في “العراق”، أو في أي ساحة أخرى تحاول “إسرائيل” وقف النفوذ الإيراني فيها.