الكتابة محاولة لإثارة التفكير وليست تنظيرا أو فلسفة, فالنظريات تعتقل العقل وتمنع التفكير وتضع الأنسان في نفق رؤيتها وحسب
وعلى سبيل المثال – أُلْصِقَت وصمة الإزدواجية بالعراقي ومنذ بدايات النصف الثاني من القرن الماضي , وما هي إلا تطبيق مجحف على المجتمع لنظرية التنافر الذهني (كوكنتف دسوننس)* التي جاء بها (ليون فستنجر) لتفسيرتحقيق التوافق الداخلي ما بين المتنافرات أو المتناقضات عند الشخص في المجتمع الأمريكي , وقد طغت على التفكير العراقي وشلته ومنعته من أية نظرة مغايرة!!
والنظريات الأخرى كنظرية (الهوية الإجتماعية)* لتاجفل وترنر , ليست فيزيائية أو رياضية , إنما هي تحاول أن تفسر ديناميكية التفاعل الحاصلة في مجتمعاتها , فالنظريات المترشحة من المجتمعات الغربية ليست بالضرورة يمكنها تفسير وفهم ما يحصل في المجتمعات الشرقية , فالنظرية تنتمي لبيئتها التي ولدت فيها أكثر من إنتمائها لبيئة أخرى , وتتأثر بعوامل المكان والزمان والظروف التي تتحقق خلالهما.
فلماذا لا نكتشف نظريات وقوانين العلل السلوكية السارية في مجتمعاتنا؟
ولماذا نحن مأخوذون ومبهورون بنظريات الآخرين ونحاول فرضها على واقعنا ونعجز عن إيجاد نظرياتنا؟
المجتمعات لن ترتقي إذا عجزت عن إنجاب مُنظريها ومُفكريها!!
والغاية من الكتابة النفسية هو الغوص في بحر وأكوان الإنسان , وجني ما يمكن من جزر أعماقه وضفاف رؤيته وما يعتمل فيه , فهو مصدر العلوم والنظريات المتفاعلة معه.
والقراءة الإنسانية ممارسة ومجاهدة ورياضة عنيفة وصعبة قد تأخذ عقودا من التأمل والنظر والبحث والدراسة والتجربة والمقاساة.
فلنكتب بمداد ما فيه , أي الإنسان!!
فالفكرة طاقة هائلة والتفكير مشروعها الأكبر!!
ومشكلة مجتمعاتنا أنها أغفلت الأفكار وتجاهلت التفكير , فما تعلمنا في مدارسنا ولأجيال متعاقبة كيف نفكر, لأن ذلك من الممنوعات , وما علينا إلا أن نوضع في قوالب جامدة متوارثة عبر عصور الخيبات.
وبخصوص الشخصية , ليس صحيحا الإتفاق مع مسميات الشخصية العربية والعراقية والمصرية والتونسية وغيرها , وإنما الأصح التقيد بما جاء في التصانيف المتعارف عليها للأمراض النفسية , فالبشر هو البشر , وما يجعله يختلف بسلوكه , ما يحيطه من ظروف مكانية بيئية وإجتماعية وغيرها, فلا يجوز فصل سلوك البشر عن المكان والزمان والعوامل المتصلة بهما.
فالنرجسي سيتصرف في بغداد بطريقة مغايرة عما في واشنطن لتباين العوامل المكانية والزمانية؟!!
ولا يمكن الحكم العلمي الصائب على البشر في مجتمعات لا يوجد فيها قانون يضبط السلوك ويهذبه , ويتساوى الجميع أمامه , فالقانون ركن أساسي في معادلات السلوك البشري.
فالسلوك يختلف والشخصية بتوصيفاتها لا تتغير؟!!ا
وبخصوص التطبيق , فأن المعضلة التي إستفحلت في مجتمعاتنا ومنذ أواخر القرن التاسع عشر وحتى اليوم , هي إشكالية تحويل الأفكار إلى مناهج عمل واضحة المعالم في الحياة , وقد أطلقنا عليها مصطلح (النظرية والتطبيق) , و (الفكر والممارسة) , ولا نزال نعيش هذه الإشكالية التي تتسبب بتداعيات واقعنا المعاصر.
فالمسافة شاسعة بين الفكرة وقدرتنا على تحويلها إلى طاقة إيجابية , وبقصر هذه المسافة أو إنعدامها يمكن قياس درجة القوة والتقدم والرقاء.
فالإنسان في المجتمعات المتنورة يمتلك مهارات تصنيع الأفكار(أي تحويلها إلى موجودات فاعلة في الحياة) , وفي مجتمعاتنا نجيد تخييب الأفكار أو تخريبها ونكرانها ومعاداتها.
وهذا يستدعي منا جميعا أن نجد حلا لهذه العاهة المتفاقمة , التي يلخصها سؤال: لماذا نعجز عن تصنيع الأفكار؟!!
*Social Idintity Theory-Henri Tajfel & John Turner, 1970s
*Theory of Cognitive Dissonanace –Leon Festinger 1957