18 نوفمبر، 2024 6:36 ص
Search
Close this search box.

السنة ….. ومحور الشيطان !

السنة ….. ومحور الشيطان !

مخطىء من يقول ان الطائفية امر مستجد في مجتمعاتنا لاننا بذلك نتجاوز على واقع الامور … فالطائفية موجودة دائما ، والشعوب تتعدد انتماءاتها.. .. لكن بعد تاريخ من التناحر والصراعات انبثق واقع جديد فرضته اولويات المصالح والحاجة الى الانتماء الى وطن واحد كبير اعلى من مصالح الطائفيات مع الحفاظ على الخصوصيات في نطاق شخصي .
   الا ان خطر تسونامي الطائفية الذي يغرق عالمنا العربي اليوم يتاتى من كونه مصطنع ويتم تسييسه بعد ان تم اكتشاف انه الوسيلة الانجع لشحن العواطف على السريع وتكوين رأي عام سريع باتجاه قضية سياسية معينة ، لذا يتمنفخ الروح فيها نفخا ان حقا او باطلا من خلال التلاعب الحقير بهذه الاختلافات لخدمة مصالح مشبوهة واستثمارها السيء لغايات انانية ضيقة ، او تسويقها لخدمة اجندات في لعبة مصالح اقليمية ودولية قذرة … نتيجتها الوحيدة تدمير الاوطان وتمزيق نسيجها الاجتماعي وايقاعها في حالىة من الشلل والتخلف الدائم .
   الفكر التكفيري- الطائفي اخترق مجتمعاتنا بشكل يشوه ديننا ومعتقداتنا ويلوث حياتنا العامة والخاصة ويرجعنا عقودا(ان لم يكن قرونا ) الى الوراء . فالصراع بين الوطن العربي واعدائه من صهاينة وغرب استعماري منافق قد تم تظهيره بغير حقيقيته ونقله الى زواريب طائفية ومذهبية وتكفيرية … فالمشاريع الطائفية… سنية ام شيعية اثبتت انها مشاريع فاشلة لا تستطيع بناء دولة ديمقراطية حديثة …. لذا بات لزاما تظهير الصراع على حقيقته وازالة الغشاوة خاصة عن السنة العرب (انا لا اتكلم عن الطرف الاخر الذي يخطأ في ممارساته ويساهم في تاجيج الوضع ) عما يراد لهم من تحويل نضالهم ضد اعدائهم الحقيقيين الى نضال ضد اخوانهم في القومية والدين والوطن ، ونحن نمعن في ممارسة الخطأ مع أن تجارب التاريخ اثبتت عقم الصراعات والحروب المذهبية التي لن تؤدي لا الى ابادة مذهب ولا الى تغيير عقيدة اتباعه نحو مذهب اخر ، والسؤال : لم اذن العبثية في تأجيج ما ليس من فائدة؟
   ومن يقول ان الفكر الديني هو البديل الصالح عن الفكر القومي او اليساري الذين اثبتا فشلهما ، اقول ان الفكر القوميواليساري لم يفشلا فقط لفشل تجاربهما او لانهماافكارا خاملة … وانما جرى اسقاطهما لان الغرب أوقعهما بفخ من الحروب والصراعاتلم تترك لهذه القوى ان تراكم وتبني تجربتها بصورة صحيحةفقادها ذلك الى الانحراف عن الهدف الرئيس بحجة التحديات الخارجية لتتحول الى ديكتاتوريات مستبدة …وكان البديل له( ورغم التضحيات الجسام ديكتاتوريات حجديدة معلبة باغطية جديدة )من خلالتلميع التيارات الدينية كبديل بصفقة مشبوهة بانت ملامحها جيدا .
   الهجمة التكفيرية تقوم على شيطنة وتكفير الغير تحت شتى المسميات والحجج ..واخر همروجة تمثلت بمحور الشياطين الذي انعقد في القاهرة في 13 حزيران … وتمخض اجتماع 107 من ذوي الذقون الطويلة ووعاظ السلاطين باستضافة مرسي الاخواني الذي كان بجدارة راقص الحفل ، باعلان الجهاد المقدس ..لكن ضد من ؟ ضد سوريا شعبا ونظاما ودولة . لسنا متعاطفين مع اي نظام عربي ، لكن هذاالتحمس والتحشد ضد نظام عربي أمر غريب وكأن عالم العرب خلي من انظمة مستبدة .انه ضياع لبوصلة الاتجاه والتخبط في عالم الفوضى التي يعيشها العرب اليوم ويؤشر ذلك الى أزمة حكم وازمة مجتمع وازمة هوية .
   هذا المؤتمر كان له عنوان رئيس واحد هو التركيز على”خطر ” طائفة معينة على العرب ، وشيطنة رموزها وتصوير ان الامر معها وصل الى مرحلة الحرب المقدسة ( بالقفز عن كل الاسباب السياسية والاستراتيجية وحصر الموضوع في نطاقه الطائفي فقط )… بمعنى : ياقاتل لو مقتول . وطلب عدم وصف جبهة النصرة التي ثبت اجرامها الوحشي بانها فصيل ارهابي ( ولا ادري كيف يكون الذباح وقاطع الرؤوس غير ارهابي ؟ فقد تكون الملائكة هي الارهابية ) …ولم ينس المؤتمر البائس ان يدعو للجهاد في سوريا بالمال والسلاح والنصرة وتشكيل الوية مقاتلة والاشادة بتركيا وقطر ( راعيتا ديمقراطية والحرية الجديدة ) ، وقطع التعامل مع ايران وروسيا والصين ( وابقائه طبعا مع اسرائيل واميركا ). وفي نفس وقت انعقاد المؤتمر كان التكفيريون بقيادة ” شيخ ” كويتي مجاهد يعلن على شريط مسجل سروره بـ ” نحر ” 60 شيعيامن الاطفال والنساء والرجال في بلدة (حطلة) بدير الزور وذلك “انتصارا للاسلام ” الذي بات لا يشبع من دماء اتباعه . لا ادري ماهي مصلحة العرب السنة وهم الاغلبية المطلقة في اقصاء الشيعة العرب والحاقهم بايران او المبالغة في تصوير خطر التشيع في مجتمع سني راسخ القيم … ابحثوا عن الجواب خلف الكلام المرسل الذي يتفوه به القرضاوي والعريفي ومن هم بدرجتهم في ضحالة العلم ودناءة التفكير .. واجندة من يدفع لهم ويجندهم .
فبينما كان القرضاوي يطلب من اميركا ” ان تقف موقفا لله في الله ” باحتلال سوريا ويطمأنها ان من سيخلف بشار من الاسلاميين سوف لا يهدد أمن اسرائيل ويعمل على حفاظ امنها … ويبشر المؤمنين ” أن الجهاد ضد النظام النصيري في سوريا هو اولى من الجهاد ضد الصهاينة ، كان مرسي الخفيف يهز خصره الملفوف بعلم ” الثورة ” السورية ( علم الانتداب ) قاطعا العلاقة مع الدولة السورية وغالقا سفارتها وطاردا للسفير ، داعيا المجتمع الدولي (ممثلة طبعا باميركا وحلفائها ) الى فرض حظر جوي كامل على سوريا ، الا انه ومن باب الضمير القومي الاخواني الرفيع رفض” اي تدخل عسكري خارجي في سوريا “، وهو موقف يحسب للاخوان لكن فاته أن الحظر جوي لا يمكن في المفهوم العسكري فرضه الا بعد ضرب وتدمير كل المطارات والطائرات الحربية السورية وقواعد وصواريخ الدفاع الجوي ومراكز القيادة والاتصال والسيطرة على طول وعرض الارض السورية ( وبالطبع هذا لا يعتبر تدخلا خارجيا فقد تقوم به ملائكة السماء التي يحلف الشيخ السعودي محمد العريفي انه رآها تقاتل في سوريا مع الجيش الحر- لانه ببركة من الله يرى ملا نراه -وبعد ان دعى وصرخ للجهاد في سوريا والحرب ضد الشيعة… غادر الى لندن مستصحبا زوجته الثانية الشابة ليمارس معها جهاد النكاح .. وليس السلاح الاميركي والاسرائيلي ). فاذا كان النظام السوري بهذه القباحة … فاين كنتم ياعرب وعائلة الاسد تحكم سوريا من اكثر من 40 سنة … فان كنتم قد اكتشفتم فضاعته وشيعيته توا فانتم اذا مغفلون .. وان كنتم تعرفونه وسكتم عن ديكتاتوريته سابقا … فانتم اذن منافقون لا صدقية لكلامكم ولدعاويكم .
   القرضاوي يحارب الله في دينه وينصب نفسه الناطق بلسان المسلمين وماكفاه دمار العراق وليبيا وانحدار مصر وخراب سوريا واستنجاده باميركا قمة الخنوع والسقوط وفق الاوامر الصادرة اليه من اولياء الامرالمعروفين (لا يتخذ المؤمنون الكافرين اولياء من دون المؤمنين ومن يفعل ذلك فليس من الله بشىء ) ،.
   محور الشيطان الجديد الذي تقوده ظاهريا وتموله وتسلحه السعودية  وقطر وتوجهه ومن ورائهما اميركا والغرب يريد اشعال حربا طائفية تلغي تراث المشرق العربي المعروف بالتعددية والوحدة والتعايش السلمي … وفي هذه الحرب يقحمون الاسلام والله في كل زاروب وزاوية … لن يؤدي الا الى التصدع الستراتيجي بالمنطقة يمهد للتقسيم وفشل التنمية وتصاعد الصراعات الدموية الجهوية والمذهبية والطائفية .
    في ظل هذا الهوس لرجال الدين والمدّعين وولعهم بالفتنة البعيدة عن كل تعقل وبالاجرام الذي يزيده وحشية منظر دماء المسلمين الريئة المسفوكة بلا ذنب … وهوس المصفقين لمجازرهم  والسائرين خلفهم دونما تفكير ، نسأل : ماهي المخارج العقلانية لهذا الهوس التكفيري الاجرامي ؟
   ان الكتلة الكبيرة من السنة العرب لم تزل تحافظ على توازنها ولم تنساق وراء دعوات الحرب و” الجهاد ” رغم ان الطرف الاخر ( الشيعي ) فيه من ائمة الفتنة من ذات النوع والوزن والاجندات التي للتكفيريين السنة الذين بممارساتهم وخطاباتهم الخاطئة يعطون الذريعة للحرب الطائفية …. مع ذلك على الكتلة السنية الكبيرة ان تعي ان المشروع الوهابي التكفيري هو مجرد عزوة ممنهجة ومسيسة لا علاقة للدين ومبادئه بها … ومن العار علينا ان نرى شعوب العالم المتعددة المذاهب والاعراق وبعد أن كانت في اخر قائمة العالم الثالث ، تكسر قيودها وتنطلق لتتحول الى عملاق اقتصادي ومجتمع مدني مزدهر فيما شعوبنا يقتلها الجهل والتجهيل والافقار والاستبداد يحكمها ويجرها حكام وشيوخ فتنة ووعاظ سلاطين وتجار اديان ومرضى نفسيون ومقتنصو فرص وصوليون ومنافقون الى الحضيض .
وهكذا لم يعد الغرب ولا الكيان الصيوني يعترف بنا كقومية او شعب واحد ..وانما يعاملنا حسب مكوناتنا المذهبية والطائفية … وبدقة اكبر ، يعاملنا كشراذم متنافرة من القبائل والطوائف المتناحرة ..وهي لغة استعمارية لاستعبادنا مجددا واجبارنا على الاعتراف بيهودية اسرائيل مادمنا نؤسس دولنا على نفس القاعدة. فان كنا نؤسس للفرقة والتقسيم في اوطاننا بين شيعة وسنة واقباط ومسلمون …فلا ادري ايها التكفيريون كيف ستحققون شعاراتكم باقامة ” دولة الخلافة ” وامارات الاسلام من اندونيسيا الى المغرب؟ فمشاريعكم السلفية والاخوانية بلا رؤية ستراتيجية وهي مشاريع دول غير قابلة للحياة ولا علاقة لها بمسيرة العصر .

   ختاما أتذكر سؤال احد الصحفيين البريطانيين للرئيس الراحل ناصر : لماذا لا تقل بأنك تطبق التجربة الاسلامية في الحكم مادمت تؤمن بالاشتراكية التي تستند الى الاسلام ؟ فاجاب ناصر : أن الحكم والسياسة مجرد تجربة انسانية لا تخلو من النجاح والخطأ .. وانا أريد تحمّل مسؤولية الخطا وحدي لو حدث ، ولا أقبل التجني على الاسلام فيما لو فشلت .. فما حاجتي بتعريض الاسلام لمثل هذا النقد الذي ينال منه .
  هذه هي لغة العقل والمسؤولية … فأين منها بياعو الوهم من الطائفيين من كل الالوان والانتماءات؟ فلولا الجهل لما اصابنا ما اصابنا … لولا الجهل لما وصل الطائفيون الى الحكم في العراق ولما وصل الاخوان الى حكم مصر ولما سيطر التكفيريون على الثورة السورية ..
   المشكلة في وطني العربي وفي بلدي العراق خاصة انه يوجد مسلمون سنة وشيعة … لكن بعضهم بصفات يخجل منها الكفار ويترفع عنها الشيطان … ويعافها الزنادقة والمارقون والفاسقون . فان كان فريق يكفّر فريقا ، فهذا يعني أن احد الفريقين كافر … أو يكون الاسلام خاطئا ….وهذا ما ارفضه بشدة .

أحدث المقالات