16 نوفمبر، 2024 7:52 ص
Search
Close this search box.

كامل الخلعي.. تعدد في إبداعاته وأرخ للموسيقيين

كامل الخلعي.. تعدد في إبداعاته وأرخ للموسيقيين

 

خاص: إعداد- سماح عادل

“كامل الخلعي” موسيقي وملحن مصري، اسمه “محمد كامل الخلعي”، وهو من أعلام الموسيقى البازرين في مصر في بدايات القرن العشرين، كان له اهتمام كبير بالموسيقى العربية وتطورها، كما كان متابعا لأثر الموسيقى التركية فيها.

حياته..

ولد “كامل الخلعي” في عام 1881 بمدينة كوم الشقافة بمحافظة الإسكندرية، قضى بالإسكندرية سنوات صباه الأولى، إلى أن انتقل مع والده “محمد سليمان الخلعي” إلى القاهرة. وكان والده ضابطا بحامية الإسكندرية يهوى القراءة وأنشأ في منزله مكتبة ضمت الكثير من الكتب التي تعلق بها وحفظ الكثير من الشعر العربي.

اضطر “كامل الخلعي” إلى العمل في كتابة اليفط في شارع محمد علي، وأثناء إقامته هناك تعامل مع أعلام الموسيقى البارزين في تلك الفترة، مما دفعه إلى تعلم العزف على الآلات الموسيقية. التقى بالشيخ “محمد توفيق” البكري، الذي كان يهوى الفن، فقدمه في ندواته التي كان يقيمها في قصره بالخرنفش. ثم تصادف أن جاء من دمشق إلى مصر “أبو خليل القباني”، فأعجب بموهبة “كامل الخلعي”، في الموسيقى والتلحين، واصطحبه معه إلى الشام، وهناك تنقل بين المدن السورية المختلفة، وزار بغداد واستانبول وتونس، ودرس الموشحات الأندلسية، ولكنه في الوقت نفسه كان شديد التمسك بالموسيقى الشرقية وتراثها. سافر في بعثة علمية إلى فرنسا وعاد إلى مصر بعد عامين تعرف خلالهما إلى الآداب والفنون الفرنسية.

ذهب “كامل الخلعي” إلى الشيخ “سلامة حجازي” في 1905، وانضم إلى أول فرقة له للمسرح الغنائي، ووضع له الكثير من الألحان لمسرحياته. كان “الخلعي” أديبا ينظم الشعر، ويكتب المقالات في الأدب والموسيقى، ووضع أحد الكتب في التأريخ الموسيقي، وقد تتلمذ على يديه العديد من كبار الملحنين منهم “محمد القصبجي”.

كان “كامل الخلعي” موهبة موسوعية لم تقتصر على الموسيقى بل امتدت إلى الشعر والرسم والخط العربي، ومن أشعاره غنت “أم كلثوم” أغان لحنها زميله “داود حسني”. عاصر “كامل الخلعي” أسماء كبيرة من الفنانين الرواد مثل “محمد عثمان”، “عبده الحامولي”، “سلامة حجازي”، “سيد درويش”، “داود حسني”، “محمد القصبجي”، “زكريا أحمد” و”محمد عبد الوهاب”، لكنه زامل في أوج نشاطه الفني “داود حسني” لسنوات عديدة وكانا ينتميان لنفس المدرسة الموسيقية تقريبا، وتنافس الاثنان في الإبداع الموسيقى كما عاصرا “سيد درويش” عن قرب وأعجبا بفنه وكانا، خاصة “الخلعي”، يحضران مسرحياته بل وبروفاته.

عرف عن “كامل الخلعي” إتقانه التام لفن الموشحات التي ألف منها العشرات، كما قدم العديد من الأعمال الموسيقية المسرحية في قالبي الأوبريت والأوبرا، وألف عدة كتب في الفنون الموسيقية جمع فيها بين التأريخ والتعليم والنقد الفني.

كان “كامل الخلعي” على قدر عال من الثقافة العامة والموسيقية، فهو يسترشد في كتاباته بقراءاته ل(إسحق الموصلى، وشاعر المعتصم عبادة القزاز، وشاعر المأمون ابن ذى النون، والشيخ شهاب) كما يذكر الكتاب الغربيين مثل “فيكتور هوجو” وغيره ويشجع الكتاب والمترجمين على تعريب الآداب الأوربية.

يقول “كامل الخلعي” في الموشحات: “لو كان أرباب هذه الصناعة ممن درسوا العلوم العربية لما كسدت، لأنها العماد المتين والأساس الذي يشيد فوقه جميع طرق الغناء العربي، وفن الموشح سواء من حيث نظمه أو نغمه آية من آي الإبداع فلا يجوز بأي وجه من الوجوه أن نهمله أو ننزله منزلة القديم المهجور ونحبذ سفاسف الأمور”.

ول”لخلعي” أكثر من مائة موشح، منها “دع عنك هجري”، “زارني المحبوب ليلا”، “يا راعي الضبا”، “ياغزالا مالك”، “اهوا الغزال”، “أكواب المدام” ، “جل من بالحسن صور”، “مشرقات الوجود”، “أصوات شجيا”، “حبي مليك الفؤاد”، “الماء والخضرا”، “ياقوام البان”، “غرام الحبيب”، “هبت رياح المحبة”، وغيرها.

كما لحن “الخلعي” أوبريتات عديدة وردت نصوص تسع منها في كتابه “الأغاني للخلعي”، واحتوت كل منها على 10 ألحان في المتوسط، ومنها أوبريتات اشترك فيها “كامل الخلعي” و”سيد درويش” معا كل بألحانه.

يقول “الخلعى” عن الفنون الموسيقية الغربية” “وإلا فتعلم الصناعة الإفرنجية أثمن، وأعنى بها طريقة صياغة أنغام الأوبرا بدلا من كثير من الألحان التمثيلية المحشوة بالأغاني الركيكة البعيدة عن الطرب والذوق المسرحي معا، واني وأيم الله لا أعلم أي نوع هي من أنواع الموسيقى!”. وقد  لحن “الخلعي” عدة أوبرات منها: (كارمن- ناييـــس روزينـا- كرمنينا- لويس الرابع عشر- روى بـــلاس- قيصر وكليوبـاترا) وهى روايات غنائية كبيرة مقتبسة عن الأدب العالمي قام بتعريبها معظمها الكاتب “فرح أنطون”، وقد قرر “الخلعى” أن يفرد لها كتابا خاصا، حيث أراد نشرها مع النوت الموسيقية لألحانها.

من مميزات “الخلعي” الذي وصف في وقته بالعلامة أنه كان كاتبا جامعا وأكاديميا فكتب عدة مؤلفات منها (الموسيقى الشرقي-  نيل الأماني في ضروب الأغاني- الأغاني للخلعي- أصداف الطرب). وتميز في كتاباته بعناصر هامة: (الموضـوعية- الميل لتعليم طلاب العلم- التحليل الدقيق-التصنيف والتبويب- ذكر القدماء ومآثرهم- النظرة المستقبلية والاتجاه للتطوير- الأسلوب الأدبي في الكتابة- حب الفن والفنانين).

ومن اللافت للنظر  تلك الحيادية التي قدم بها منافسيه من الفنانين، فقد جمع في أكثر من كتاب إلى جانب أعماله من الموشحات والأوبريتات قوائم لفنانين من مختلف الطوائف، جمع أعمالهم ونشر صورهم وحرص على الإشادة بهم في كتابه، كما أظهر تشجيعا كبيرا للفنانين الجدد في ذلك الوقت، وهذا مما يحسب لأخلاقه العالية دون شك.

أوزان جديدة..

ابتكر “كامل الخلعي” بعض الأوزان منها:

  • العجيــب – ميزان 17 / 4
  • المفـــرح – ميزان 19 / 4
  • العويـص – مركب من خمسة أوزان:
  • الورشان، الفاخت، المحجر، النوخت الهندى والسربند

ويقول “الخلعي” عن سبب قيامه بوضع هذه الأوزان الجديدة، طريقته التي ابتكرها في التلحين، وهى العمل على مطابقة الميزان الشعري بالميزان الموسيقى، فلا يكون في الغناء قصر فيما يجب مده من الحروف ولا مد فيما يجب قصره منها، كما يطالب الأجيال الجديدة من الفنانين بأن يخترعوا أوزانا تنطبق على الأوزان الشعرية أو يضعوا أوزانا حديثة.

كان “الخلعى” أول من نبه إلى ضرورة توافق كتابة النوت الموسيقية للألحان العربية مع النوتة الغربية التي توافق الطبقات الحقيقية للأصوات، وكان الفرق خمس درجات كاملة أعلى في كتابة الأسماء التي يقصد بها نفس الأصوات، مما يجعل الغناء مستحيلا في بعض الأحيان، وقد ذكر هذه الملحوظة في كتاباته ثم أقر مؤتمر الموسيقى العربية الأول بالقاهرة العمل بها عام 1932 حين اعتمد توحيد كتابة النوتة وربطها بدرجة الصوت الحقيقية واستمر الحال كذلك حتى الآن.

في إحدى قصائده قام “الخلعي” بالهجوم الشديد على دخلاء الفن في هجاء لاذع ، يقول مطلعها:

ومغن أن تغنى أوسع الندمان غما     صوته سـوط عـذاب ليتنى كنت أصما

كفه والدف عكس يبدل التكات تما    دفه يدوى كصوت الرعد للآذان أصما

أحسن الجلاس حظا كل من كان أصما  جاء في التنزيل عنه أنكر الأصوات حتما.

في أواخر حياته اشتد الزمان على ” كامل الخلعي” فعمد إلى صورة غاية في السخرية للتعبير عن سخطه واحتجاجه على قيم المجتمع المقلوبة التي أغنت الدجالين والجهلاء وأفقرت أهل العلم والعلماء، فماذا فعل؟ لقد قرر العمل كماسح أحذية! ويحكى أنه دخل إلى أحد مقاهي القاهرة ذات مرة حاملا صندوقه, فأشار إليه أحد الجالسين يطلب مسح الحذاء، لكن المفاجأة أذهلته فقد عرف فيه صديقا وزميلا وفنانا، وتنبه كامل إلى صديقه القديم “محمد العقاد” أشهر عازفي القانون, الذي قام ليعانقه متأثرا إلى حد البكاء، ثم دار بينهما حديث أراد بعده العقاد أن يقدم إليه بعض المال فلم يقبل “الخلعى” وأبى أن يأخذ أكثر من أجرة مسح الحذاء، دليلا على أنه كان يعبر عن احتجاجه أكثر منه عن احتياجه!…

لا يعرف على وجه التحديد كيف انقلب الحال بكامل الخلعى من موسيقى ميسور الحال بحكم اشتغاله بالتلحين للفرق المسرحية، وتمكنه من نشر عدة كتب تتكلف الكثير من المال نظرا لاحتوائها على العديد من الصور والنوتات الموسيقية، ولو أنه يبدو أنه كان يستعين بأحد الأمراء أو الوجهاء لتمويل نشر تلك الكتب، إلا أن أحواله المادية تدهورت في أواخر حياته بينما ازدهرت حياة العديد من الفنانين المعاصرين له، ويرجح أنه صرف الكثير على أبحاثه وكتبه التي لم تجد جمهورا إلا بين المتعلمين وهواة الموسيقى وهم قلة، كما يبدو أن هناك سببا أهم من ذلك وهو عزوفه عن مسايرة تجارة شركات الاسطوانات التي لم يكن يهمها كثيرا نشر الأعمال الجادة كأعمال “الخلعى”، ومن المعروف أن “سيد درويش” أيضا تعرض لضائقة مالية خطيرة لأسباب مشابهة، وكذلك “بديع خيري”، وهى أسباب تحسب لهؤلاء الرجال على أي حال في أوقات لم تعرف فيها حفلات التكريم ولا تقليد الفنانين الأوسمة والنياشين.

 توفيق الحكيم..

وفي مقال للكاتب الكبير “توفيق الحكيم”، يقول عن علاقته ب”كامل الخلعي”: “أما أنا، فقد عرفته 1923، إذ كلّفته فرقة عكاشة أن يلحّن رواية لي، وهي أوبريت (خاتم سليمان)،  فكان من الضروري أن ألقاه من حينٍ إلى حين، وأن أصغي إليه، وقد وضع على رأسه كلبوشًا من الصوف، وارتدي معطفًا قصيرًا مرتفعًا فوق سروال ينتهي بقبقاب في قدمه من خشب، وفي صدره العود يضرب عليه بأنغام رائعة لا يفسده إلّا صوته الأجش الذي لا يقطعه سعال التبغ الرخيص يخرج من حنجرته كأنه خارج من ماسورةٍ خربة في ماكينة طحين”.

ويتحدث “الحكيم” عن صوت “الخلعي” الأجش وعبقرية ألحانه، راصدًا المستوى المعيشي الذي كان يحياه، قائلًا: “إذا انتهى من بعض الألحان، طرح العود، وهبّ واقفًا ليذهب معي إلى التياترو لتحفيظ الجوقة، ونهبط ذلك من السلم من منزله حتى القلعة الذي كان يخيّل إليّ في كل مرة أنه سينهار بنا في أثناء النزول لرقة خشبه، وطقطقته تحت أقدامنا، ألتفت إلى صديقي الموسيقي، فألاحظ العجب أنه ينزل بثياب المنزل، ويسير إلى التياترو في أهم شوارع القاهرة، ولكني لم أنزعج، ولم أخجل من مصاحبته.. إنه كامل الخلعي وكفى، يقف سي كامل بائع كيزان صفيح لزوم المطبخ أو الزير، ويشتري بكل ما معه نحو عشرة كيزان، وربطها له البائع، ووضعها فوق كتفه، واستأنفنا السير وأنا أقول له: أنذهب بها إلى التياترو؟، فيقول على الفور: وماله هو أنا سارقها”.

ذكراه الأولى..

في مقالة بعنوان (بمناسبة ذكراه الأولى) نشرت في مجلة الرسالة/العدد 311 يقول “الأستاذ محمد يوسف دخيل” عن “كامل الخلعي”: “ينقضي العام الأول على مغادرته الدنيا، ومع ذلك فهو لا يزال مجهولاً، وسيبقى مجهولاً إلى الأمد البعيد، لا لأنه كان شخصية تافهة ضئيلة الأثر في نفوس الجماهير، ولا لأنه كان غامضاً يمز على إفهام الناس كشف حقيقته، بل لأنه ظهر في عصر من الغموض والركود، بحيث لا يعني الجماهير بغير مظاهر الحياة وأشباحها البارزة للأبصار المجردة. ولو كانت الحياة الفكرية ذات وضع يمكن أن يحسه الناس في مصر لحفلوا بحياة (كامل الخلعي) لا من الجانب الموسيقي، فحسب، بل من جانب لم يعن به القوم في حياة هذا الفنان: وهو الجانب الفلسفي.. لقد كان (كامل الخلعي) صاحب رسالة خاصة في الفلسفة، لا أدري أكانت في كنهها فوق متناول العقلية المعاصرة، أم أن الناس لم يحفلوا بها عامدين لانصرافهم إلى حياة المادة الهينة بعيدة عن الفكر، وما يحيط الفلسفة من غموض، وما يستلزمه بحثها من تكاليف”.

ويواصل: “استطاع (كامل الخلعي) أن يفهم الدنيا فهماً صحيحاً في دقة وإمعان، واستطاع أن يستوعب المجتمع ويتفهم نواحي التقارب والتباعد من حياة الأفراد في بيئاتهم المختلفة، وأن يندمج في الجماعات اندماجاً كاملاً. ومع ذلك لم تستأثر به بيئة دون أخرى، لأن العقلية الشاذة التي تهيأت لهذا الفنان العبقري كفلت له أن يهتضم البيئات دون أن تجتذبه إلى صميمها واحدة منها، ولهذا كان له عديد من الشخصيات التي لو وجد صاحبها في غير مصر لانصرف لدراستها علماء النفس والفلاسفة.. إذا أثيرت في مجلس ذكرى (كامل الخلعي) انطلق المتحدثون في تناول ذكراه بشتى أنواع الحديث وليس فيهم من يضع إصبعه على نقطة الصواب من أحاديث المجلس. . . وأغلب ما يجتمع عنده حديثهم أن الرجل كان مخبول العقل! وهي كلمة طالما ترامت إلى سمع (كامل) وهو حي يرزق، فكان يبتسم لها في اطمئنان غير مبال بما يذهب إليه الناس في شأنه من مذاهب. ذلك لأنهم ما كانوا يجدون لأنفسهم مخرجاً من التفكير في عقلية (كامل الخلعي) إلا أنه مخبول ذلك الذي يطوف الحارات والأزقة باحثاً عن الكلاب الضالة والقطط المشردة ليدفع إليها من الطعام ما يباعد بينها وبين الجوع.. كان (كامل الخلعي) مخلوقاً غريب الأطوار في حياته وعقليته. لم يضع كيانه في بيئة خاصة ولم يلتزم جماعة معينة في المجتمع. فبينا تراه نديم العظماء في سهراتم الخاصة وسمرهم الطروب، إذا بك تشهد له في نفس اليوم مجلساً متواضعا بين جوقة من (أولاد البلد) في حي (العشماوي) أو غيره من الأحياء الوطنية في القاهرة، يلقنهم أغانيه الشعبية المرحة التي احتكرها جماعة (الصهبجية) وجوقات الطرب في الأفراح الشعبية. وفي نفس الوقت تكون إحدى درره الفنية ساطعة الضوء على مسرح من مسارح التمثيل الغنائي تجتذب بروعتها لب الجماهير”.

وفاته..

توفي “كامل الخلعي” في عام 1938، توفي عن 68 عاما شيعت جنازته من منزله الكائن بإحدى حارات شارع محمد علي بالقلعة.

 

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة