لو جمعنا ماكتب عن مسؤولي البلد وساسته السابقين واللاحقين، وتقصيراتهم المتعمدة وغير المتعمدة، ما أظن أن مكتبة بحجم قصر شعشوع بإمكانها احتواء كل تلك الكتابات. ولكن لو نظرنا الى الحالة بمنظار أوسع، ونعيد توجيه أصابع الاتهام بشكل أكثر شمولية وإنصافا، سنكتشف ان للمواطن أيضا دورا في تردي جوانب كثيرة في البلد.
وبمقارنة مع باقي بلدان العالم، نرى ان هناك مناسبات تهتم بها الشعوب والحكومات على حد سواء، كمناسبات إحياء ذكرى شخصية لها وقع في تاريخ ذاك البلد، كذكرى وفاة او ميلاد عالم او أديب او رجل دين، ممن لهم بصمة وأثر يقفو على أثره اللاحقون من الأجيال، ومنها مناسبات وطنية ودينية وتاريخية واجتماعية، ومنها مناسبات استجدتها واصطنعتها الشعوب او الحكومات على مر الزمن، منها أسبوع النظافة، اسبوع المرور، اسبوع الأرض، اسبوع الشجرة. وفي كل اسبوع من هذه الأسابيع تشترك مؤسسات الدولة والمؤسسات المدنية في تطبيق طقوس وشعائر هذا الاسبوع، وبذا يترسخ مفهوم الوطنية والإلتزام به. وما اختيار اسبوع واحد لمثل هذه المناسبات إلا تذكير بأهمية هذه الممارسة لتمتد وتستمر باقي أيام السنة بنفس الهمّة والإهتمام.
هنا في عراقنا؛ لنا من تنوع التضاريس الأرضية بين سهول ووديان وجبال وصحارى وأهوار، مالايحده بصر ولا يقف على نهايته نظر، وفيه من فصول المناخ أربعتها. أليس من الأولى بنا جميعا؛ شيبا وشبابا ومسؤولين وقيادات حكومية ومدنية، الاحتفاء به وإدامة أرضه ومائه وسمائه لتدوم خيراته لنا وللأجيال بعدنا؟ أوليس الأجدر بنا أن نتعلل الأسباب لخلق المناسبات التي تزيدنا التصاقا بتربة عراقنا، وتطبيق طقوس محبتنا بين الحين والآخر لنتذكر ان السلام والأخاء والحب لن يرحِّله عن أرضنا ساسة وأنظمة، يجيئون ويروحون بسياسات وممارسات يهدفون منها تشتيت اللحمة بين النسيج الوطني الممتد في عمق التاريخ أكثر من أربعة آلاف عام في أرض وادي الرافدين. ولاأظن من بين الساسة والمسؤولين من لايدرك أبعاد مايفعله من سلبيات تعود بالضرر على منصبه ومؤسسته، وبالتالي على المواطن والبلد بشكل عام، فجميعهم لم يكونوا قليلي خبرة حين تسنموا مناصبهم، كما أنهم من غير المعقول ان يعبثوا في أرضية سفينة هم من ركابها، كما لايعقل ان (يهجم) إنسان سوي بيته بيده، كذلك لايعقل ان يسعى الى إضرام النيران في بيته.
لكن واقع الحال فيما يجري في العقد ونصف العقد الأخير في بلدنا يعكس غير هذا تماما، إذ مامن مفصل من مفاصل الدولة إلا ويمخر به الإهمال والتقاعس والخراب، والعجب -كل العجب- أن هناك مفتشية في كل مؤسسة حكومية وظيفتها متابعة السلبيات التي تستجد فيها، ومعالجتها داخل الوزارة، فإن كان تقصير من موظف او إهمال من مدير فهناك قانون ينص على عقوبات ردعية، بين إلفات نظر وقطع راتب وتوبيخ وغيرها من العقوبات. فهل هذا يحدث بحق المسيئين؟
وإذا كان العامل مسيئا والموظف مسيئا والمدير مسيئا والمفتش العام مسيئا والوزير مسيئا، وقبل هذا وذاك المواطن مسيء، فمن هم ياترى أبناء الوطن؟!