بون شاسع بين ان تكون انسانا بكل ما تعنيه الكلمة تلك من قيم ومعان ، وبين ان تتصف بالوحشية مجسدا للأنا العرقية والشخصية وما ترغب به من تحقيق لاحلامك المريضة .
فارق كبير بين من يجسد الاله برحمته التي تتمظهر بسلوكياته وبين من يجسد الشيطان بفعل الشر ؟ ..
فالانسانية من وجهة نظر الفلاسفة تعني: (الحياة، والنُّطْق، والموت).
يعبر الفيلسوف الالماني ايمانويل كانط بمفهومة للانسانية بالقول ” هي ما يُعبِّر عن هدف الأخلاق، كما أنّها أساس فكرة الواجب عند الإنسان ” . في حين يرى أوجست كونت ، أنّ الإنسانيّة هي “مجموع الصفات التي تُكوِّن كائناً اجتماعيّاً يتطوَّر مع مرور الزمن”.
واذن فالانسانية هي : ” المعنى الذي تقوم عليه ماهيّة الإنسان، فهو لا يبلغُ أعلى المراتب إلّا إذا تحوّلت قوّته إلى أفعال تتماهى مع طبيعته في صنع الخير والاقتراب منه ولفظ الشر والابتعاد عنه ، وبه يكون الانسان يجري الى نحو ما الى نسق من الانسنة المتكاملة ” .
وازاء تلك المقدمة سأعرض لكم حالتين عبرتا عن مقدار الهوة الشاسعة بين من جسّد الانسانية بتلاوين معناها الحقيقي وبين من جسّدها بجشع الأنا والرغبات السلطوية والشخصية .
اليهودي (( ستيف مامان )) الذي يعيش في كندا والمؤسس لمنظمة انسانية هدفها تحرير اطفال ونساء مسيحيين وأيزيديين ومسلمين عراقيين وقعوا بقبضة داعش الإجرامية ، استطاعت منظمته تلك ، من ايصال مساعدات للاجئين السوريين والعراقيين وصلت الى 1.3 مليون دولار قدمتها كمساعدات للفارين من جحيم الحروب والاسر ، حيث بلغ عدد المستفيدين من العراقيين من تلك المنظمة زهاء 25000 شخص بينما بلغ عدد السوريين المستفيدين حوالي 5000 معظمهم تلققوها في اليونان !! .
سئل اليهودي مامان : لم قمت بمساعدة الايزيديين وانقذتهم ودفعت لهم فدية كلفتك مئات الآلاف من الدولارات ومن حر مالك ؟
أجاب : ” يقول التلمود اليهودي ، من انقذ حياة واحده كأنما أنقذ العالم بأسره ، فالتلمود يتحدث عن الحياة بصورة عامة ولم يقل من ينقذ حياة يهودي او مسلم او مسيحي ” . ويضيف ” إننا جميعا خلقنا الله من نفس واحدة لنكون أمة واحدة أيضا يساعد بعضها البعض وتتراحم فيما بينها ” – راجعوا ، ((ستيف مامان .. الدرس والرسالة )).
واذن استطاع “مامان” من بلورة انسانيته في ان يعكس رحمة الرب بسلوكه هذا متوخيا ملازمة فعل الخير وهو اذن يجري باتساق ما ليتكامل مع ذاته ويدلل من كونه لم يلتفت الى نزعة العرق او العقيدة ، مبتعدا عن الديماغوجية الفاعلة المبنية على المخاوف والتوقعات وبافكار مسبقة ، وعن التباين في الاديلوجيات والاثنيات وما حملت من معتقد ديني ، كذلك استطاع من ردم الخلاف في اصل النزاع القائم على فوبيا حمم التقارب الاسرائيلي من بقية شعوب الارض وتلك مزية حسبت له من حيث يعلم ام لا يعلم .
بينما نجد العراقي المسلم والزعيم الكردي كاك مسعود البرزاني قد ابتعد كثيرا في سلوكياته كسياسي محنك عن الفعل الانساني تحقيقا لرغباته الشخصية واحلامه في قيام دولة كردستان بمفاضلة العرق القومي على جميع المثل والاعراف الوضعية منها والسماوية بحد سواء ، فكان ان خذل انسانيته بتخليه عن حماية الطائفة الايزيدية وتركهم لقمة سائغة بيد دواعش الشر يواجهون مصيرهم المر ، فكان ما كان من نكبتهم ومأساتهم التي اضيفت لحملات ابادة جرت على تلك الامة ومنذ العهد العثماني وحتى آخر مذبحة وابادة جماعية لهم على يد الدواعش .
نشرت صحيفة ” مورننغ ستار Morning Star ” البريطانية في الذكرى الخامسة للإبادة الجماعية تقريرا مفصلا بعنوان عريض ” برزاني سلم النساء الايزيديات لداعش مقابل كركوك ” ، وقد جاء في متن تقريرها : ” إن الفترة التي شهدت هجوم تنظيم داعش الارهابي على القرى الأيزيدية ، كان أبناء تلك القرى يوجهون النداء تلو النداء الى البارزاني طلباً للمساعدة التي كانوا قد وعدوا بها إبان سيطرة قوات البيشمركة على مناطقهم ، إلا أنهم شهدوا لحظة وقوع الهجوم الداعشي على سنجار في 3 آب ، الإنسحاب الكامل لقوات البيشمركة بدون أي قتال بحجة إنها لم تتلق أي تعليمات للإشتباك مع داعش ، مما أجبرهم في نهاية المطاف الى النزوح بالآلاف الى الجبال حيث تركوا ليواجهوا مصيرهم هناك دون غذاء أو ماء ، مشيرةً في سياق التقرير الى أن البارزاني حينها كان قد وضع نصب عينيه ما وصفتها الصحيفة بـ “الجائزة الذهبية” المتمثلة بمحافظة كركوك الغنية بالنفط والتي يعتقد أنها ستضع الأسس لدولة كردية مستقلة في شمال العراق ، وهو ما كان يشغل بال البارزاني أكثر من أي شيء آخر ” ،
ثم لتتهم الصحيفة في سياق تقريرها بارزاني بـ “خيانة” سنجار ، مستشهدةً بتساؤل العديد من المحللين ووكالات الأنباء عن كيفية ترك تنظيم داعش الارهابي لمحافظة كركوك المليئة بحقول بالنفط وغير المستقرة أمنياً الى حد كبير حينها والتوجه بدلا من ذلك إلى مدينة الموصل ، بالإضافة الى ما ذكرته صحيفة “دير شبيغل” الألمانية عبر مقالة نشرتها مؤخراً ، في أن إرهابيي داعش لم يجدوا أي مشكلة في عقد صفقات “براغماتية” مع حكومة البرزاني تتضمن إحتلال داعش للموصل مقابل ترك كركوك للأكراد.
ومن خلال هذا التقرير يتضح لنا حجم مسؤولية السيد البرزاني عن تلك المذبحة التي ابادت ماناهز ال 5000 من الايزيديين ، على اننا لا ننح بجميع اللائمة على السيد مسعود ، فالحكومة حينها تتحمل هي الاخرى وزر ما حدث من ابادة وكذلك القيادات العسكرية التي هربت من الموصل تاركة كامل عدتها العسكرية في تلك الارض المغدورة .
من هذا نجد الفارق الكبير بين من حمل انسانيته كأولوية له في سلوكياته اليهودي ” ستيف مامان ” وبين من أرجأها إن لم نقل اعدمها مقدما مصالحه الشخصية وتصرفه كزعيم سياسي أراد تحقيق حلم امته بدولة عرقية مستقلة كما اصلها الزعيم الكردي ” مسعود البرزاني .