دائماً ما يحتاج شبابنا إلى ركيزة أساسية يتخذونها نقطة الانطلاق المهمة و بداية ناجحة نحو بلوغ مراتب التقدم العلمي و التطور الفكري و صولاً إلى تحقيق الدرجات العليا في التكاملات الإنسانية، وهذه الركيزة يمكن أن تكون أيضاً لهم بمثابة الأنموذج المثالي في بناء الشخصية الإنسانية و المجتمع الفاضل من خلال التطبيق الصحيح الناجح لكل التجارب التي مرت بها تلك الركيزة و القاعدة المثالية طِوال سني عمرها وقد جسدتها في الخارج على أحسن وجهٍ، ولهل التاريخ قد سطر في سفره الخالد الكثير من تلك النماذج الحسنة ومنهم الإمام محمد الجواد ( عليه السلام ) الذي لمع نجمه في سماء العلم و التقوى و الأخلاق و الأدب الرفيع، فكان أعجوبة أهل زمانه رغم صغر سنه الشريف، فقد تولى قيادة المجتمع و إدارة شؤونه بمختلف أشكالها وهو صغير السن عندما آلت إليه مقاليد إمامة الناس بعد رحيل والده غريب طوس علي بن موسى ( عليهما السلام ) فكان أشبه بمنارة العلم و مدرسة عالية المضامين في نشر الفكر الإسلامي الراقي، و يُد واحد من صروح الأخلاق الفاضلة و صاحب السير و التعامل الحسن مع الرعية، وهو أيضاً واحد من مؤسسي فقه أهل البيت فقد تتلمذ على يديه الكثير من العلماء و جهابذة العلم و المعرفة فتخرجت الحشود الكثيرة من حملة العلم و الفكر و الأخلاق السامية، فالجواد ضرب أروع أمثلة التكاملات الإنسانية و حريٌ بشبابنا أن يتخلقوا بأخلاق هذه الجوهرة النفيسة، و أن يأخذوا العلم من منابعه الصافية لا التي يشوبها الكدر و تفوح منها رائحة الجهل و التخلف و التكفير الإجرامي الدموي، ونحن نعيش هذه الأيام العصيبة على قلوب البشرية جمعاء و المشحونة بالحزن و عظيم المُصاب بذكرى شهادة إمامنا الجواد ( عليه السلام ) في أخر ذي القعدة فنحن نقف على أعتاب جامعة العلم و التقوى و الإيمان و صاحب الرسالة الصادقة التي سطرت فيها الأيادي النزيهة السيرة الشريفة لمختلف مجريات الأحداث التي عاشها الجواد، فما عسانا نقول غير أن نسطر من الكلمات المجسدة لهذه الذكرى الأليمة على قلوبنا سوى عبارات الحزن و الأسى، و الألم و الشجون و بعيون تقطر بدل الدموع دماً، فبقلوب ثكلى تملئها العبارات نستقبل استشهاد الجواد في شهر من الأشهر الحُرم، إمام تقي نقي زكي طاهر، هو قدوة حسنة للشباب في العلم و التقوى و الأخلاق و الأدب و بكل ما تعنيه الكلمة من معاني قيمة و قيم و مبادئ تستمد جذورها من وحي رسالة السماء الخالدة، فنشأته في بيت زُقَّ أهله العلم زقا، كرس حياته لخدمة الدين و الإنسانية جمعاء كانت جُل معطياتها في دفع عجلة الإسلام و العلم و الأخلاق إلى الأمام، وعلى تلك المعاني السامية فارق الحياة، بنفس راضية مرضية بما قسم لها الله تعالى من القضاء و القدر .