يبدو ان الاتجاه الوحيد الذي تتخذه أزمة العلاقات الايرانية – الامريكية هو التصعيد ، ولكن الى متى ؟!
مازالت بريطانيا تحتجز ناقلة النفط ( غريس ١ ) المحملة بنفط إيراني كانت متجهة الى سوريا وتم احتجازها من قبل قوة كوماندوس بريطانية في المياه الاقليمية الاسپانية بناءاً على طلب امريكي ، ومن غير المتوقع إطلاق سراحها بعد ان مددت محكمة في جبل طارق احتجازها لمدة شهر . في المقابل احتجزت قوات الحرس الثوري الايراني ناقلة النفط البريطانية ( ستينا امپيرو ) ، حديثة الصنع وذات المواصفات التقنية العالية ( التي يفترض ان تقلل او تلغي آية امكانية لارتكابها اخطاء ملاحية ) بذريعة انتهاكها لقواعد الملاحة ، وأبحارها في مضيق هرمز باتجاه خاطئ يعرض الملاحة في المضيق للخطر ، مع التأكيد بان ذلك لم يكن رداً على احتجاز الناقلة الايرانية ، وفق مااعلنته المصادر الايرانية ؛ كذلك تمت احالة ملف احتجازها الى القضاء الايراني .
من الواضح ان الجانبين يقفان على ارضية غير سليمة من وجهة نظر قانونية . تم احتجاز الناقلة الايرانية استناداً لقرارات تبناها الاتحاد الاوروپي بفرض عقوبات على النظام السوري ، وهي ذريعة قانونية ضعيفة لان هذه العقوبات تلزم دول الاتحاد ولاتعتبر جزءاً من القانون الدولي ، كما ان احتجاز الناقلة البريطانية لايقل خطأً عن ذلك من الناحية القانونية ، اذ يتعين في حالات مخالفة قواعد الملاحة فرض غرامات او السماح لها باكمال طريقها بعد تصحيح المسار ويجوزايقافها وتثبيت المخالفة امام رُبَّانِها كإجراء وقائي لضمان سلامة الملاحة ، لكن الامر لايستوجب حجزها او مصادرتها . من الملفت ايضاً ان عمليتي الحجز قد تم تنفيذهما من قبل قوات عسكرية وليس من قبل الشرطة البحرية او خفر السواحل لان السفينتين كانتا مدنيتان وترفعان اعلام وإشارات تعريف نظامية ؛ هنا ينبغي الإشارة الى وجود نوع من الغموض في قضية الناقلة البريطانية !! اذ كيف يمكن لسفينة مجهزة باحدث تقنيات الملاحة ان تبحر بشكل مخالف لقواعد المرور في المضيق ، خاصة وانها تعمل على خط ملاحي ثابت منذ وقت طويل ، فهل كانت عملية متعمدة لغرض استدراج لايران وإظهارها بصفة دولة تهدد سلامة الملاحة النفطية في المنطقة ؟! وكيف يمكن تفسير عدم تدخل مدمرة بريطانية كانت قريبة من موقع الاحتجاز لحماية السفينة ، وقد اتبت الحرس الثوري الايراني ذلك من خلال تسجيلات صوتية لمكالمات قاموا بتبادلها مع طاقم المدمرة ؟! .
من هنا يمكن القول ان الموضوع برمته يقع في اطار التصعيد رغم الإعلانات المتكررة الصادرة عن جميع الاطراف بالدعوة الى تخفيف التوتر وضبط النفس .
في ذات الاطار الغامض الذي يلف عمليات التصعيد منذ بداية الأزمة هو تعرض موقع تابع للحشد الشعبي العراقي الى الشمال من بغداد ، يضم كما يبدو مخزناً لصواريخ بالستية إيرانية ، الى غارة جوية مجهولة المصدر في التاسع عشر من هذا الشهر ، ونجم عنها مقتل عناصر من حزب الله اللبناني ؛ اكد البنتاغون عدم مسؤوليته رغم معرفته بالأمر ، وهنالك تقديربان العملية كانت إسرائيلية ، وفقاً لموقع ستراتفورد الاستخباري الامريكي .
في ذات الوقت اعلنت السعودية ان الملك سلمان وافق على ” استضافة ” قوات امريكية على الاراضي السعودية ، وهي قوات قد بدأت بالتدفق فعلاً ، ويبدو ان الدفعة الاولى تتألف من ٥٠٠ عنصر تقول بعض المصادر انهم جنود متخصصون بالحرب الالكترونية والسبرانية وتشغيل منظومات الصواريخ المضادة للاهداف الجوية ، وليس واضحاً ماهو الحجم النهائي المتوقع للقوات الامريكية التي ستستضيفها السعودية ؛ تبع ذلك اعلان الجانب الايراني عن كشف شبكة تجسس امريكية من سبعة عشر شخصاً جميعهم من الايرانيين . وفقاً للمصادر الايرانية فان السفارة الامريكية في ابوظبي هي من قامت بتجنيد أعضاء الشبكة وانه تمت متابعة نشاطهم من قبل الاستخبارات الايرانية في الامارات وتايلند والنمسا وتم إلقاء القبض عليهم ليصار الى اعادة استخدام بعضهم ، ممن قبل طائعاً ان يعمل ، في نشاطات تجسس مضادة . لكن الرواية الايرانية التي كذبها ترامپ وپومپيو تقول ايضاً ان كشف الشبكة قد تم في وقت مضى ، ولم تقدم تفسيراً حول كيفية استمرار من قبل منهم العمل كعميل مزدوج في وقت ألقي فيه القبض على البقية وتمت محاكمتهم وينتظر تنفيذ عقوبات بالإعدام صدرت بحقهم .
من الواضح ايضاً ان الوساطات الفرنسية وقبلها اليابانية قد وصلت الى طريق مسدود بسبب تمسك ايران والولايات المتحدة بموقفيهما والسقوف العالية التي وضعها كل طرف لموقفه ، فضلاً عن ذلك فقد اصبح من المؤكد ان اوروپا المتمسكة بالاتفاق النووي قد عجزت ، او ربما تراجعت ، عن الوفاء بوعودها الخاصة بتفعيل آلية خاصة لتعويض ايران عن بعض خسائرها جراء العقوبات الامريكية ، بل يمكن ملاحظة تحول تدريجي في بعض المواقف الاوروپية باتجاه التشدد تجاه ايران على خلفية مواقفها وإجراءاتها الاخيرة ، سواء مايتعلق منها بتخفيف التزامها بضوابط التخصيب النووي او بالتعقيدات التي اثارها موضوع احتجاز ناقلة النفط البريطانية ، وهنالك الان أنباء تفيد بان قوة بحرية اوروپية تتألف من بريطانيا وفرنسا وإيطاليا وهولندا والدنمارك لغرض توفير الحماية للسفن المارة عبر مضيق هرمز ، وهذا يضع اوروپا في موقع مواجهة عسكرية مباشرة مع ايران ، خاصة وان القوة المقترحة ستكون تحت قيادة بريطانية فرنسية مشتركة ؛ ينبغي ان لاننسى ان نقطة الخلاف الوحيدة بين الموقفين الامريكي والاوروپي تجاه ايران هو الملف النووي حصراً ، فيما يتقارب الموقفان ازاء ملفي التسلّح الصاروخي والسياسات الاقليمية لايران ، وهذا الامر دعى المراقبين للتساؤل عما اذا كانت ايران تتخلى بالفعل عن حكمتها المعهودة ، وتجازف بدفع الاوروپيين الى الاصطفاف خلف الموقف الامريكي ، وهنا لاينبغي ان ننسى ان قضية حرية الملاحة النفطية عبر مضيق هرمز تثير حساسية خاصة لدى الاوروپيين الذين يشكلون اصحاب حصة رئيسية في النفوط التي تمر عبر المضيق ، فضلاً عن التضامن التقليدي الذي يبدوه عادة تجاه بعضهم في الأزمات التي يكون احد اطرافها دولة غير غربية .
مما ينبغي ملاحظته ايضاً هو ازدياد لغة الخطاب السياسي المتبادل بين ايران والولايات المتحدة حدة ؛ بدأ الرئيس ترامپ يشدد من تحذيراته لايران ويعلن صراحة انها امام خيارين : المفاوضات او الصدام ، ونعلم ان المفاوضات وفق ترامپ هو التسليم بالطلبات الامريكية التي سبق إعلانها بواسطة الوزير پومپيو ، ولكن الولايات المتحدة ووفقاً للرئيس ترامپ تتوقع الاسوء من ايران ، ولذلك بدأت عملياً بحشد قواتها في المنطقة كما توقعنا منذ بدايات الأزمة ، وهذا سلوك نمطي للولايات المتحدة في الأزمات التي تنتهي عادة بالحرب ، هذا الى جانب مساعيها لبناء تحالف دولي وهو امر اصبح اكثر احتمالاً مع فوز بوريس جونسون برئاسة الحكومة البريطانية الذي يعرف عنه قربه من الجناح اليميني في ادارة ترامپ ومعه شخصياً .
تتزايد نقاط الاحتكاك بين اطراف الأزمة كما هو واضح ، وهذا يوفر فرصاً اكبر لانفلات الامور وخروجها عن السيطرة نتيجة اخطاء غير مقصودة او نتيجة تقديرات خاطئة للموقف ؛ وهذا في اطار الاحتمالات ، ولكن المؤكد كما تشير معطيات الموقف بان كلا الطرفين يستعدان لمواجهة شاملة ، ولكن السؤال هو : هل ستكون المواجهة شاملة وفق القياسات الامريكية ، ومعطيات الموقف تشير الى ان الولايات المتحدة لم تستكمل استعداداتها لها بعد ؟! ام انها ستكون شاملة وفقاً للقياسات الايرانية ، والوقت ليس في صالح ايران بهذا الخصوص ، وسيكون من صالحها لو وقعت المواجهة امس وليس غداً ، اذ يتآكل الموقف الايراني على المستوى الدبلوماسي كما لاحظنا ، وتتراجع مزاياها العسكرية مع تزايد الوجود العسكري الامريكي كماً ونوعاً الى جانب القوات الغربية في المنطقة بشكل عام .
لقد قامت ايران بتشييد امبراطورية خلال العقدين الماضيين ، والامبراطوريات تعني توسعاً للنفوذ قد يمس بنفوذ الإمبراطوريات الاخرى ، وهذا مايبدو انه حاصل الان ، وفي مثل هذه الحالات تواجه الإمبراطوريات خيارات محدودة وغالباً ماتدخل مضطرة في نزاعات مسلحة من اجل الحفاظ على الامر الواقع الذي صنعته ؛ حروب الإمبراطوريات تكون في العادة شاملة ، ولاتتوقف الا بنهاية احد اطرافها .. فهل سنشهد نهاية للنفوذ الانريكي وربما نهاية اسرائيل كما بشرنا السيد حسن نصر الله في اكثر من مرة ، ام ان الحظ السيء سيكون من نصيب الطرف الاخر ؟!!!