هل أن الإعلام السائد في مجتمعنا , إنساني التوجهات والتطلعات , أم أنه شخصاني؟!
يحضر السؤال في وعي المتأمل والمطلع على إعلام الدول الديمقراطية , وتبدو أمامه , أن المسافة ما بين الإعلامَيْن تكاد تكون شاسعة.
وأهم ما يميز الإعلام الآخر , إنه يمتلك كثيرا من الموضوعات الإنسانية , التي تؤكد على أن الإنسان قيمة كبيرة ومهمة في صناعة الحياة , ولا يمكن إغفال حقوقه وحاجاته وتساؤلاته , وما يتعلق به ويرتبط بوجوده في الحياة.
فالإنسان يتصدر النشاطات الإعلامية , ويظهر أصحاب السياسة وفقا لمتطلبات الحالة والمواقف والمستجدات القائمة.
فعلى سبيل المثال , لا تجد فيه الرئيس دائما على شاشة التلفاز أو في الصحف , ولا الوزراء والمسؤولين , بقدر ما تزدحم الصحف ووسائل الإعلام بنشاطات الإنسان المتنوعة وحاجاته التي تريد التحقق لتتواءم وطروحات القوى الهادفة إلى تقديم الأفضل والتنافس من أجل هذه الغاية السامية.
وعندنا كل شيئ مشخصن , الصحافة والتلفزة ووسائل الإعلام الأخرى , ولا تخلو صحيفة أو محطة تلفازية من صور الساسة بمختلف مستوياتهم وتوجهاتهم.
وكتاباتنا تنقل عنهم وتتناول أقوالهم وأحاديثهم وما يرونه , وكأنها تصف مشاجرات أو صراعات خارج عن عصرنا , ومنعزلة عن الإنسان وحاجاته وتطلعاته.
وتتردد أسماؤهم مئات المرات وأكثر بوسائل إعلامنا , الذي تحول إلى محطات لوصف سعادة فلان وفلانة , وحضرة السيد والسيدة , والأستاذ والأستاذة , وهكذا لا غير.
وعندما تتساءل عن الإنسان وهمومه , يصعب عليك أن تجد مقالا أو موضوعا إعلاميا يشير لذلك.
فهل هذا إعلام إنساني؟
أم أنه إعلام ترويج لهذا وذاك , ولغيرها من النوايا والخفايا والغايات, وعزل الإنسان عن قيمته وتحويله إلى رقم مجرد من المعاني والحاجات والمعايير.
فإعلامنا , جيد جدا في ذكر الأرقام , وينأى تماما عن الحالة الإنسانية الكامنة فيها.
فيذكر , قتل عشرة , أو عشرون , وثلاثون وحسب!!
ولا يوجد مثل هكذا إعلام في الدنيا كلها , فلو سقط بضعة أشخاص في أية دولة , لقامت الدنيا ولم تقعد , أما عندنا فالإعلام قد جعلها حالة عادية وروتينية.
فأية قيمة للإنسان في إعلامنا؟!!
إن الإعلام الذي لا يتفاعل مع الحاجات الإنسانية لا يمكن تسميته بذلك على الإطلاق , فلا تقولوا إعلاما وقولوا إظلاما!!