23 نوفمبر، 2024 6:17 ص
Search
Close this search box.

الشك التجريبي وعلم المناظر عند ابن الهيثم

الشك التجريبي وعلم المناظر عند ابن الهيثم

” إذا كان لدينا مصدر ضوء ومرآة كروية، فكيف نحدد النقطة التي ينعكس عليها الضوء لعين الناظر؟”

تراوحت حياة الحسن ابن الهيثم بين البصرة في العراق من حيث هي أرض المولد سنة965 ميلادي والقاهرة في مصر مكان الوفاة سنة1040 ميلادي وعرفت عدة رحلات علمية مهمة إلى الشام والأندلس.

حاز ابن الهيثم على فكر موسوعي جمع بين الفلسفة والأدب وبين الرياضيات وعلم الطبيعة وبين الفلك والجغرافيا وبين علم المناظر وطب العيون وتأثر بأرسطو وبطليموس وإقليدس وجالينوس والكندي وثابت ابن قرة وتوصل في مجال الإدراك البصري والهندسة إلى اكتشافات مهمة أثبت صحتها العلم الحديث.

أطلق عليه مؤرخو العلم فيزيائي القرون الوسطى وأطلق عليه المستشرق رينر اللقب اللاتيني Alhazen وحفظت مكتبة فرنسا الوطنية بباريس ومكتبة ليدن ومكتبة بودلن في أكسفورد أعماله الفيزيائية والهندسية.

كتب في العديد من المجالات واهتم بمختلف الظواهر الطبيعية والفلكية والرياضية وألف كتاب المناظر ومقال في التحليل والتركيب وتكوين العالم وميزان الحكمة ورسالة في الضوء وشكوك على بطليموس ومقالة في ضوء النجوم ومقالة في صورة الكسوف والحركة المتعرجة ورسالة في المكان وتصويبات على المجسطي وتأثير اللحون الموسيقية على النفوس الحيوانية واختلاف منظر القمر ومقالة في درب التبانة وكيفيات الاضلال وأصول المساحة والتحديد الدقيق للقطب ورسالة في الشفق ومقالة في قوس قزح وأعمدة المثلثات والمرايا المحرقة بالقطوع وشرح أصول اقليدس والتنبيه على ما في الرصد من الغلط ورؤية الكواكب ونموذج الكون وقول في مساحة الكرة وارتفاعات الكواكب ورسالة في مساحة المجسم المكافي والمزولة الأفقية ورسالة في قرسطون وحركة القمر وإكمال المخاريط واتجاه القبلة والجامع في أصول الحساب ومقالة في تربيع الدائرة والمرايا المحرقة بالدوائر وكتاب في تحليل المسائل الهندسية والقول المعروف بالغريب في حساب المعاملات ونماذج حركة الكواكب السبع وفي الأشكال الهلالية.

لقد ترك ابن الهيثم تأثيرا واضحا في العلوم العربية ويبدو أن ابن رشد قد اعجب بأفكاره المخالفة للقدامى ومنهجه العلمي واستفاد منه تقي الدين الشامي في كتابه نور حدقة الابصار ونور حقيقة النظر عام 1574.

قال ذات يوم: ” لو كنت بمصر لعملت لنيلها عملا يحصل النفع في كل حالة من حالاته من زيادة أو نقصان” وتبعا لذلك حاول بأمر من الحاكم الفاطمي بناء سدا في أسوان يقوم بتنظيم تدفق الماء في النيل ويحد من الفيضانات ولكن محاولته باءت بالفشل وترتب عن هذه المحاولة الجريئة انعزاله للتأليف في الطب والهندسة والحساب والفلك والفيزياء وعزمه على الهجرة إلى الشام والى شمال افريقية والأندلس.

كما اعتمد منهجية الشك التجريبي مصرحا :” البحث عن الحقيقة في حد ذاته أمر صعب والطريق إلى ذلك وعر فالحقائق يكتنفها الغموض. الله لم يعصم العلماء من الخطأ ولم يحم العلم من القصور والنقص”. لقد اعتمد ابن الهيثم في البداية على المنهج العلمي وأعطى قيمة كبيرة للرصد والسبر والتجارب وجعل من الاستقراء أداة لتفسير الظواهر وأسس الفيزياء التجريبية ولكنه حينما انتقل إلى القاهرة وتعلم الرياضيات زاد على ذلك المنهج المنطقي واعتمد الاستنتاج الاستنباطي وصار يعتمد على الفرضيات وينقح النتائج.

قام بثورة كبيرة في مجال علم المناظر عندما تخلي عن نظرية الانبعاث التي آمن بها إقليدس وبطليموس ونظرية الولوج التي أيدها أرسطو وأسس نظرية الرؤية التي تثبت حقيقة أن الضوء يأتي من الأجسام إلى العين وليس العكس وتعد هذه النظرية المرحلة التمهيدية الضرورية لميلاد فن التصوير وظهور الكاميرا.

درس عضو العين دراسة تشريحية طبية وفسر بشكل واضح وظائف الأعضاء التي تتكون منها وبحث في التأثرات النفسية للإبصار وتناول النظم البصرية باستخدام المرايا المقعرة والكروية والزيغ الكروي وقدم عدد من الأبحاث حول قوى تكبير العدسات وأثبت أن النسبة بين زاوية السقوط وزاوية الانكسار بالنسبة للشعاع الضوئي على العدسة ليست متساوية من ناحية أولى، ومن ناحية أخرى تضمن كتاب المناظر معادلة من الدرجة الرابعة تعرف بمسألة ابن الهيثم وتتناول ظاهرة انعكاس الضوء على المرايا الكروية.

لقد كان للمجلدات السبعة من كتاب المناظر التي ألفها ابن الهيثم وترجمها رجل دين غير معروف في بداية القرن الثالث عشر إلى اللاتينية الأثر العظيم على بحوث روجر باكون والتأثير الكبير في يوهانس كيبلر ولقد قام فريدريك ريزنر بطبعه عام1572على العنوان التالي:الكنز البصري: الكب السبعة للهزن العربي.

لقد قسم ابن الهيثم علمه المستحدث الى سبعة أقسام وانطلق من التطرق الى كيفية الابصار في الجملة ثم فصل المعاني التي يدركها البصر وعللها وكيفية إدراكها وانتقل بعد ذلك الى البحث في أغلاط البصر فيما يدركه على استقامة وعللها ، ثم تساءل عن كيفية إدراك البصر بالانعكاس عن الأجسام الثقيلة ، وتطرق في المبحث الخامس إلى مواضيع الخيالات وهي الصور التي ترى في الأجسام الثقيلة ، واهتم في المبحث السادس بأغلاط البصر فيما يدركه بالانعكاس وعللها وانتهي في القسم السابع إلى البحث عن كيفية إدراك البصر بالانعطاف من وراء الأجسام المشفة المخالفة لشفيف الهواء وبلغ في هذا المبحث الإبداع المطلق.

لقد بحث ابن الهيثم في هذه الموسوعة التأسيسية للبصريات عن خواص البصر والأضواء وكيفية إشراقها وما يعرض بين البصر والضوء ودرس هيئة البصر وكيفية الإبصار ومنافع آلات الإبصار وعلل معانيها.

وضع ابن الهيثم نظرية في البصريات تقر بأن الرؤية تحدث نتيجة خروج أشعة الضوء من كل نقطة في الكائن إلى العينين بعد أن وحد علم البصريات مع الهندسة وأثبت سير أشعة الضوء في خطوط مستقيمة واختزل المنعكس والمنكسر منها في اتجاهين رأسي وأفقي واقترح نموذج لانكسار شعاع الضوء يشبه قانون سنيل المتكشف لاحقا وقدم تحليلا مقبولا للكاميرا المظلمة والكاميرا ذات الثقب التي تجعل الضوء يسمح بظهور صورة كل شيء على الشاشة في الجانب الآخر من تلك البؤرة ، وحرص على التحقق من صدق نظريته المناظرية ومعقوليتها بالقيام بعدة تجارب حول العدسات والمرايا والانعكاس والانكسار.

لقد كان لابن الهيثم السبق التجريبي من خلال تجربة القُمْرَة العربية التي تعني الغرفة المظلمة في نقل صورة من الخارج إلى شاشة داخلية عبر إجراء تجربته على مصباحه الذي تحول إلى كاميرا مظلمة.

فكيف أدت بحوثه البصرية الى التجديد في دراسة الظواهر الفلكية وتفسير كثافة الغلاف الجوي للأرض وظاهرة قوس قزح وشرح وهم القمر وفهم ظاهرة كسوف الشمس والشفق والقول بأن الرؤية تحدث في الدماغ بدل العينين وأن مجموع متواليات القوى هي التي تحدد حجم سطح مكافئ من خلال التكامل؟

المراجع:

الحسن ابن الهيثم، كتاب المناظر، تحقيق عبد الحميد صبره ، الناشر: المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، الكويت، طبعة أولى 1983، 803 صفحة.

كاتب فلسفي

أحدث المقالات

أحدث المقالات