5 نوفمبر، 2024 5:55 م
Search
Close this search box.

الدين .. اداة تبرير سلطوية

الدين .. اداة تبرير سلطوية

تعاني النظم السياسية العربية من ازمة الشرعية. وهي ازمة معقدةفي جوهرها، حيث ان استمرار هذه النظم لا يعتمد على رضاءالمحكومين وتقبلهم له بقدر اعتمادها على القوة والقهر المادي والمعنوي. وتتجلى مظاهر هذه الازمة في ازمة الثقة بين هذه النظم وشعوبها،وتزايد اللجوء للعنف باشكال مختلفة، كأسلوب للتعامل السياسي،سواء من قبل النظام او من قبل المواطنين، والمحصلة النهائية لكل ذلكتتمثل في موجات العنف وعدم الاستقرار، والتدخل العسكري فيالحكم.

وفي اطار هذه الازمة تسعى النظم السياسية العربية الى خلق وتدعيممصادر للشرعية، اي للرضاء والتقبل السياسي من قبل المواطنين. ويعد الدين (الاسلامي) من اهم المصادر التي تلجأ اليها بعض هذهالنظم بقصد خلق وتدعيم شرعيتها.

فما هي مسالك الاعتماد على الدين كمصدر للشرعية؟ وما هي حدودالاعتماد عليه؟

ثمة مسلك تلجأ اليه النظم العربية بقصد خلق وتدعيم شرعيتهاالسياسية، اعتماداً على الدين. وهنا يجب ان نأخذ في الاعتبار، انالاعتماد على الدين ليس واحد بل يختلف من نظام الى آخر طبقاً لمدىتجذر الدين في وجدان الجماعة ودوره التاريخي في الدولة.

في بعض الحالات، كان الدين عاملاً اساسياً في نشأة الدولة العربيةاو بعث الحركة الوطنية من اجل الحصول على الاستقلال ، فان جزءاًمن شرعية النظام السياسي يصبح متعلقاً بمدى ارتباطه بهذاالاساس العقائدي للدولة فأغلب دساتير الاقطار العربية تنص على انالاسلام هو الدين الرسمي للدولة او على انه من المصادر الاساسيةللتشريع، الا انها نادراً جداً تلك الاقطار التي تطبق تعاليم الاسلامفي مجالات الحياة المختلفة.

والاعتماد على الدين (الاسلامي) في تنظيم مختلف جوانب الحياة فيالمجتمع، مرده، ان الاسلام تضمن مجموعة من المبادئ العامةوالاحكام والتعاليم التي تغطي مختلف مجالات الحياة، لذلك يحاولبعض المثقفين في كثير من الاقطار العربية، تطوير اجابات اسلاميةلقضايا مجتمعاتهم. فهناك قناعة بان الاسلام يتضمن الكثير الذييمكن ان يقدمه في مجالات التنمية، كذلك، هناك قناعة لدى الكثيرين،بان الفشل الذي بني به الوطن العربي، لا يعود الى الاسلام بقدر مايعود الى اخفاق المؤسسات والقيادات في الاقطار العربية.

فالكثير من النظم العربية تلجأ الى استغلال الدين لتبرير سياساتهاوتوجهاتها الفكرية، ويتم ذلك من خلال تدعيم الاطروحات الفكريةللنظام وممارساته العملية بأدلة دينية من القرآن والسنة. وكثيراً ماتتولى المؤسسات الدينية الرسمية وبعض رجال الدين القيام بهذهالمهمة.

ففي اغلب الاقطار العربية يشرف رجال الدين على تطبيق احكامالشريعة ويشغلون كل المناصب القضائية والقرارات الهامة التيتستلزم الحصول على فتوى منهم. وهنا مصدر قوتهم، فيمكن انيصبغوا الشرعية على قرار معين بتأييده بفتوى، ويمكن ان ينفواالشرعية عنه بعدم اصدار الفتوى.

ان الكثير من الانظمة العربية تلجأ الى استغلال الدين كمصدرللشرعية، حيث تتخذ الدين كموجه لمختلف مجالات الحياة فيصبحبمثابة دستور اقتصادي اجتماعي سياسي لمختلف مجالات الحياة،وقد تلجأ االى الدين لتبرير اطروحاتها الفكرية وممارساتها العملية.. هنا تتجه نحو استقطاب رجال الدين والمؤسسات الدينية الرسمية.

ولكن الى اي مدى تستطيع هذه الانظمة ان تعتمد على الدين كمصدرللشرعية؟ بمعنى آخر، ما هي تلك المجموعة من الظروف والمحدداتالتي تدعم دور الدين كمصدر للشرعية، وتلك التي تقلل من دوره،وتجعل النظام / الانظمة عرضة لمظاهر ازمة الشرعية؟

يتضح ان هناك نظماً سياسية عربية تجعل من الدين مصدراً اساسياًلشرعيتها، الا ان هذه النظم تعرضت وتتعرض لكثير من مظاهر عدمالاستقرار، الامر الذي يضع العديد من علامات الاستفهام حولمصادر شرعية هذه النظم، ومدى فاعليتها في توفير مقوماتالاستقرار والاستمرار.

وفي ضوء مظاهر ازمة الشرعية التي تعاني منها بعض الانظمةالعربية التي تعتمد بصفة اساسية على الدين كمصدر للحصول علىالشرعية يمكن القول ان هناك مجموعة من المحددات تتفاعل فيما بينهالتحدد نجاح النظام في الاستناد الى الدين كمصدر لشرعيته، وتتمثلهذه المحددات في: وجود اتفاق عام حول دور الدين في المجتمع،والمنطلق الاساسي لهذه الاطروحة هو انه كلما كانت هناك درجة اعلىمن الاتفاق بين القوى الاجتماعية المختلفة حول دور الدين في المجتمعتزايدت ايضاً شرعية النظام السياسي الذي يربط نفسه بتصورالجماعة عن دور الدين والذي يسعى لترجمته في الواقع العلمي، لكنمثل هذا الاتفاق العام لم يحدث في معظم الاحيان، حيث تتباينمواقف القوى المختلفة من الدين كمجموعة من القواعد التي تمتد لتنظممختلف مجالات الحياة وليس كمجموعة من الطقوس اليومية التييمارسها المسلم طبقاً للأطروحات الايديولوجية التي تتبناها هذهالقوى، وطبقاً لمصالحها الاقتصادية والاجتماعية، فقد ترى جماعة ماان اتجاه النظام الى تطبيق احكام الدين يتعارض مع توجهاتهاالايديولوجية ويضر بمصالحها، لذلك ترفض التوجه الديني للنظام. وقدترى جماعة اخرى، ان اتجاه النظام لتطبيق احكام الدين اقل ممايجب. ومن هنا، يكون الدين سلاحاً ذا حدين. ففي الوقت الذي يلجأفيه النظام السياسي الى الدين للحصول على الشرعية، فان بعضالقوى الاخرى قد تعارض على اساس ديني فتلجأ الى الدين لتبريرمعارضتها للنظام او قد تكون هذه القوة دينية بالاساس، وخبرةالانظمة العربية تؤكد الاطروحات النظرية السابقة.

ففي الوقت الذي لجأت فيه الكثير من الانظمة العربية الى تبنياطروحات اسلامية وعقد مؤتمرات اسلامية، شهدت هذه الانظمةحركات اسلامية مسيسة تناصب النظم القائمة العداء، وبعض هذهالحركات تتبنى فلسفة العنف في الاطاحة بهذه الانظمة.

فالنظام الذي يلجأ الى الدين كمصدر للشرعية خاصة عندما يأخذهذا اللجوء شكل الالتزام بالدين كدستور اقتصادي، اجتماعي،سياسي، يتوقف نجاحه بدرجة كبيرة على مدى الاتساق، وعدمالتناقض بين شعاراته وممارساته. فعندما تأتي الممارسات الشخصيةلمن هم في قمة النظام والسياسات الاقتصادية والاجتماعية التييتبناها متسقة مع ونابعة من الاساس العقائدي والقيمي الذي يرتكزعليه، فلا شك في ان ذلك غالباً ما يؤدي الى زيادة وتعميق مصداقيتهلدى المواطنين. اما عندما يكون هناك تناقض بين القيم والشعاراتالتي يطرحها النظام وبين ممارساته العملية، فان ذلك غالباً ما يؤديالى انخفاض مصداقيته لديهم وبالتالي ينخفض تاييدهم ومساندتهمله، وتبرز قوى اجتماعية تناصبه العداء وتسعى للاطاحة به، وتجدتبريراتها في ان النظام يمارس النفاق ويخون اماني الجماعة، ولايعبر عن جوهر عقيدتها الدينية.

وفي هذا الاطار، يكمن احد اسباب بروز المعارضة الدينية ضد النظمالحاكمة في العديد من الاقطار العربية، حيث يزداد الاحساس لدىهذه الحركات بان هذه الانظمة لا تأخذ من الدين (الاسلام) سوىالشعارات والشكليات فقط، وممارساتها وسياساتها تشوه الجوهرالحقيقي للدين. ففي الوقت الذي ترفع فيه هذه الانظمة شعاراتاسلامية تتسع الهوة بين الطبقات بصورة حادة وتمارس هذه النظمالقهر والتعذيب بصورة منظمة، بجانب ضعف القنوات الرسميةللمشاركة وانفراد الحاكم او مجموعة محدودة على قمة السلطة بعمليةصنع القرار، يضاف الى ذلك انتشار الفساد السياسي والاجتماعي. وكلها امراض وانحرافات اجتماعية وسياسية بعيدة عن الاصولالاساسية للاسلام. ووصل الامر الى حد قيام بعض هذه الجماعاتبتكفير هذه الانظمة وبعضها وسع دائرة التفكير لتشمل المجتمع ككل.

ان محاولة هذه النظمالثورية ادعاء او الرجعيةالعودة الى نوع منالشرعية الاسلامية كعنصر او رافد من روافد شرعية النظام كموضوعللاستهلاك العام سياسياً هي عودة كاريكاتورية، لانها تسعى منخلال تحقيق المطابقة الشكلية بين الصورة الخارجية لممارسة السلطةوبين القيم الثقافية الاسلامية الراسخة الى ان تختفي القطيعة الفعليةالمطلقة بين اهداف هذه السلطة ومصالح الطبقة المرتبطة بها وبيناهداف الجماعة، واحسن مثال على هذه الحقيقة هي ان الصبغةالاسلامية التي تعطيها لنفسها تتعارض مع الافكار الجديدة الثوريةوالعدلية للقيم الاسلامية التي يتسلح بها التيار الاسلامي ذاته.

انه، مهما كانت درجة تجذر الدين في الوجدان الجمعي، ومهما كانتدرجة ارتباط النظام بهذا الدين، فانه مطالب بالاستجابة لحد ادنى منالمتطلبات الاقتصادية والاجتماعية لكافة المواطنين. ولقد ادركت النظمالتي تعتمد على الدين كمصدر للشرعية حجم المخاطر التيتعترضهما، فالدين سلاح ذو حدين، فراحت تبحث عن مصادر مكملةللمصدر الديني.

وكان الانجاز هو الاساس الذي لجأت اليه هذه النظم فتبنت برامجطموحة للتنمية الاقتصادية والاجتماعية، وبعضها تبنى بعض مظاهرالشرعية الدستورية حيث يوجد دستور وبرلمان ونشاط حزبي، الا انالكثير من هذه التجارب اجهضت او وضعت امامها العراقيل من قبلالقوى التي ترى ان مثل هذه التطورات تشكل تهديداً لمصالحها،بالاضافة الى محاولات تحقيق التناغم بين عناصر التقليدية وعناصرالحداثة، فرفعت شعارات مثل الوطنية والاستقلال والعدالةوفي نفسالوقت حافظت على مصالح ومشاعر القوى التقليدية التي لا تزالتشكل قاعدة اساسية لهذه النظم.

وبعض الانظمة العربية لم تغفل اهمية السياسة الخارجية كرافدللشرعية، فراحت تستجيب ولو بحدود معينة لدعاوى التضامن العربيوتؤكد على القضايا المصيرية واعتبارها كقضايا عربية واسلامية،وتستضيف المؤتمرات وتمارس الوساطات وتقدم الدعم المادي للاقطارالعربية والبلدان الاسلامية غير النفطيةورغم اهمية هذه المصادر الاانه توجد بعض العوامل التي تقلل من دورها في تدعيم شرعية هذهالنظم.

اولهاان عمليات التحديث والتنمية في الكثير من هذه المجتمعات تتمعلى النمط الغربي مع ملاحظة ان هذا ليس هو النمط الوحيد للتنميةوليس بالضرورة ان يكون اكثر ملائمة لظروف المجتمعات العربية. ولقداكدت خبرة الكثير من البلدان على ان اي استراتيجية للتنمية لا تنبعمن واقع المجتمع ولا تأخذ هويته وخصوصيته بعين الاعتبار غالباً ماتكون نتائجها محدودة، وقد تكون سلبية، كما ان عمليات التغريبتخلق المزيد من الصراعات والتوترات الاجتماعية داخل المجتمع، حيثتمثل تهديد للقيم والقوى التقليدية التي لا تتردد في رفض عملياتالتحديث على النمط الغربي.

ثانيهماان عمليات التحديث وما يرتبط بها، زيادة التحضر، وانتشارالتعليم، والتعرض لوسائل الاتصالتؤدي الى بروز قوى اقتصاديةواجتماعية جديدة لها مطالبها. وهنا يطرح السؤال حول قدرة هذهالنظم على استيعاب هذه المطالب والاستجابة لها. ويطلق البعض علىهذه القوى اسم الطبقة الوسطى الجديدة، وتشمل اولئك الذين حصلواعلى قدر من التعليم، واندرجوا في مسالك مهنية وتخصصية، واعضاءهذه الطبقة لا يسعون من اجل امتيازات اقتصادية واجتماعية فحسببل يسعون ايضاً من اجل المشاركة في العملية السياسية، سواء بتقليدالمناصب السياسية او بالمساهمة في التأثير على عملية صنع القرار. وهنا تكمن المشكلة. ففي الوقت الذي تسعى فيه هذه القوى من اجلالمشاركة السياسية، فان طبيعة العملية السياسية في تلك الدول لاتسمح الا بمجالات محدودة للحركة امامها، حيث تحتكر العوائل المالكةللسلطة والنفوذ في المجتمع. وقد ترفض فكرة المؤسسات الوسطية اوتسمح بها بعد ان تنتزع فعاليتها. وهنا تبدو اهمية الاثار السياسيةلعمليات التحديث الاقتصادية والاجتماعية بعين الاعتبار فيجب انتتزامن التنمية السياسية بمعنى العمل على ايجاد المؤسساتالسياسية وتطويرها لتستوعب القوى الجديدة بحيث تشارك فيالعملية السياسية بصورة سلمية ومنظمة مع جوانب التنمية الاخرى.

ثالثهماان طبيعة استراتيجيات التنمية وممارسات الكثير من النظمالتي تستند الى التقاليد والدين للحصول على الشرعية، ادت الىتزايد الوجود الاجنبي في هذه الدول وتعميق تبعيتها للخارج، وهذا لابد ان ينعكس بشكل او بآخر على شرعيتها في الداخل.

انه على الرغم من اهمية الوسائل التي تلجأ اليها الانظمة العربية التيتستند الى الدين كمصدر اساسي لشرعيتها لخلق وتطوير مصادرمكملة ومساندة للشرعية الا انها تتم بطريقة غالباً ما تقود الى خلقالمزيد من التناقضات والاختلالات داخل المجتمع، واذا كانت بعضهذه النظم قد استطاعت ان تحقق حتى الآن درجة ملحوظة منالاستقرار، فانه يجب ان يؤخذ في الاعتبار عنصران هما: الوفرة الماليةالتي تمتلكها بعض هذه النظم بحكم مبيعات النفط والاجهزة الامنيةوالعسكرية المتطورة التي تمتلكها، والتي تعد حماية للنظام من مهامهاالاساسية. لكن هذا لا يمنع من ان تكون هذه التناقضات والاختلالات،مصادر كامنة لازمة الشرعية اذا ما استمر النظام غير قادر علىمعالجتها واستيعابها، وذلك بتطوير ذاته وايجاد تلك المؤسساتوالقنوات التي تتمكن القوى المختلفة من خلالها ان تعبر عن نفسهاوتوصل مطالبها بصورة سليمة ومنظمة.

ان اي نظام سياسي في الاقطار العربية، لا يمكن ان يعتمد علىالدين (الاسلامي) كمصدر اساسي للشرعية السياسية الا اذا توافرتالعوامل الآتية:

1-   بلورة نموذج اسلامي للتنمية بمعناها الشامل كعملية مجتمعيةبحيث يمثل بديلاً للنماذج الغربية التي ثبت فشلها في اغلب الاقطارالعربية، وبعض البلدان الاسلامية. وهذه مسؤولية رجال الفكرالاسلامي، وقد آن لمثل هذه العناصر ان تبعث الاصالة الحضاريةللامة، وتطور اجابات اسلامية لمشكلاتها الراهنة.

2-   ايجاد القنوات والمؤسسات والاجراءات التي يكمن من خلالهاوضع التصور الاسلامي للتنمية موضع التنفيذ المحكم والفعال، فأيتصور اسلامي للتنمية يعتبر محدود الاهمية ما لم ينفذ بفاعلية.

3-   وجود درجة عالية من الاتساق بين ممارسات وسياسات وقراراتالنظم الحاكمة وبين الشعارات التي ترفعها، لأن هذا كفيل بخلقالمصداقية وتعميق الثقة ودرء شبهة استغلال الدين وشكلية الالتزام بهمن قبل النخب الحاكمة.

في ضوء غياب العوامل السابقة، فان محاولات الانظمة السياسيةلاستغلال الدين (الاسلامي) كمصدر للشرعية، لا يمكن ان تستمرطويلاً، وسيبقى العنف وعدم الاستقرار، وفقدان الشرعية، والتغيير،والتبعية، من اهم سمات هذه الانظمة القهرية

[email protected]

 

أحدث المقالات

أحدث المقالات