قال تعالى ” يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ “.
كثيرة هي اﻷمثال الشعبية واﻷفلام السينمائية التي تناولت اللصوصية بمختلف صورها وأشكالها ( السرقة ، الإختلاس ، النهب والسلب ، النصب والإحتيال ، خيانة اﻷمانة ، هدر المال العام ، العبث بممتلكات وعقارات الدولة والإستيلاء عليها بغير وجه حق ) ومن زوايا تباينت في أسلوبها ومضمونها ، اﻻ إن أحدها علق في ذهني مذ شاهدته أول مرة في سينما النصر إحدى أرقى دور العرض السينمائي وسط العاصمة بغداد قبل أن يُحرمها بعد الغزو الاميركي الغاشم 2003 من أحَلوا إفتتاح مثيلاتها ولكن داخل المولات الكبيرة التي يمتلكون أسهمها وقسما منها بأموال السحت الحرام ، أسوة بدور البغاء وصالات القمار والملاهي الليلية ومراكز المساج الصيني التي حللوها على بعد أمتار من دور العرض المُحرمة في قاموسهم أو في محيطها وتولوا خفارتها مقابل جبايتها بمبالغ فلكية يوميا كما كشف عن ذلك غير واحد من السياسيين وفي أكثر من لقاء متلفز بمفارقة عجيبة لاتحدث اﻻ في العراق ،إغلاق السينمات الكبيرة بذريعة حرمتها وتحويلها الى مخازن لبيع قطع الغيار ، مقابل افتتاح الكابريهات والصالات المشبوهة ﻷنها حرية وديمقراطية ودجاجة تبيض ذهبا حلالا للفاسدين والمفسدين في اﻷرض من أولئك الذين يؤمنون ببعض الكتاب ويكفرون ببعض على وفق هواهم ومن أولئك الذين يعتقدون جازمين بضرورة إظهار الفساد ونشره للتعجيل بظهور المخلص بزعمهم ” ، الفيلم الذي علق في ذهني والذي سمحت لنفسي بإستعارة عنوانه مع بعض التحوير هو ” لصوص لكن ظرفاء ” بطولة احمد مظهر وعادل امام وماري منيب ، ومرد التعلق في الذاكرة ليس مضمون الفيلم وﻻ إخراجه بقدر الرسالة القاتمة التي يطرحها للمشاهدين وخلاصتها أن اللص يمكن ان يكون لطيفا ووسيما وظريفا في محاكاة علنية تصهر – التراجيديا و الكوميديا – ببوتقة واحدة لتجسيد قصص الشطار والعياريين والفتوات والبلطجية التي حفلت بها كتب التراث وأشهرهم ” الطقطقي وعلي الزيبق ” وهؤلاء وأمثالهم كانوا لايجدون حرجا في سرقة اﻷغنياء والتجار وقطع الطريق على الناس في أوقات الفتن ومنهم من كان يقتسم ما يسرق مع العسس وحرس السلطان مقابل منحهم اﻷمان ، وبعضهم كان يقاتل مع اﻷمراء ضد بعضهم بعضا للفوز بالكرسي مقابل إطلاق أيديهم في النهب والسلب وإظهار الخلاعة والمجون وترويع الناس في اﻷسواق والطرقات !!
النبي اﻷكرم صلى الله عليه وسلم بما أوتي من جوامع الكلم لخص لنا بسطرين كيف تقوم قيامة اﻷمم وتحل ساعتها في الدنيا قبل اﻵخرة قائلا : ((إذا ضيعت الأمانة فإنتظر الساعة)) قيل : كيف إضاعتها يا رسول الله؟ قال:(( إذا أسند الأمر إلى غير أهله فإنتظر الساعة)) ، وأي إسناد لغير المؤهلين ، غير الكفوئين ، غير النزيهين ، غير المؤتمنين أشد وانكى من ذاك الذي يشهده العراق منذ سنين طويلة في كثير مواقع المسؤولية الدنيا والعليا حتى بتنا نصدر الى العالم ظاهرة قل نظيرها بين الشعوب اﻻ وهي ظاهرة ” لصوص نهبوا البلاد والعباد ولكن ..وجهاء !” فترى أحدهم وكلما أقرَّ على نفسه علانية بالسرقة والتزوير والرشوة كلما إزداد نفوذا ومنعة ، كلما تراكمت أكوام الملفات التي تدينه بالفساد كلما صار – طنطلا – مرهوب الجانب يخشاه القاصي والداني بإعتباره – بايع ومخلص – حتى ماعاد أحد يثق لابمكاتب المفتشين العموميين ولا بلجان التفتيش وﻻ بفرق مكافحة الفساد وﻻ بالمراقبين وباﻷخص المسيسيين والحزبيين منهم ممن يطلق عليهم ( حاميها حراميها ) ﻷن – أخطبوطا – واحدا لم يودع خلف القضبان حتى اﻵن بإستثناء اﻷسماك الصغيرة التي جرت العادة على عصب الملفات برأسها ريثما يتسنى لتمساح المستنقعات الأكبر الترشح والفوز بدورة انتخابية جديدة أو الهروب خارج البلاد بالجنسية الثانية الى الدولة التي أتى منها – حافيا – سبقته سرقاته الى بنوكها على مراحل طيلة تسنمه المنصب ، وذلك مصداقا لما قاله الذي لاينطق عن الهوى إن هو الا وحي يوحى صلى الله عليه وسلم : “إنما أهلك الذين قبلكم، أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه، وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد”.
ما أطالعه يوميا من تقارير تنشر على المواقع الرسمية “وزارة العدل ،مجلس القضاء الاعلى، هيأة النزاهة ، المحكمة الاتحادية العليا ، وزارة الداخلية “لجانب من تلكم السرقات التي تتجاوز على المال العام بأعتباره -مال السلطان- الذي يجوز نهبه على وفق عقلية المعارضة السياسية التأريخية والتي تورط فيها من أنيطت بهم مسؤولية إدارته والحفاظ عليه ، يسبب لي صداعا وغثيانا فهذا الرئيس السابق لمجلس إدارة الشركة العراقية للنقل البري يحكم عليه بالسجن 7 سنوات مع مصادرة امواله المنقولة وغير المنقولة لإضراره بأموال ومصالح الشركة التايعة الى وزارة النقل ..وهذا المدير العام للشركة العامة لتجارة الحبوب سابقاً يحكم عليه غيابيا بالسجن 7 سنوات لإضراره بالمال العام بقرابة مليون دولار.. صدور حكم بالسجن ست سنوات بحق مدير التسجيل العقاري السابق في ميسان..مسؤولٍ سابقٍ في وزارة الإعمار والإسكان يحكم عليه بالسجن 10 سنوات بتهمة رشوة مقابل إحالة مناقصة قدمتها شركة أهلية ..صدور حكمين جديدين بحبس مدير التسجيل العقاري السابقة في كربلاء (ح.م.ج)،ومدة كل حكم ثلاث سنوات…حكم غيابي بالسجن لمدة سبع سنوات، بحقِّ مدير عقارات الدولة في محافظة صلاح الدين السابق لإضراره بالمال العام ..صدور حكم جديد بالسجن سبع سنين بحق المدير العام للمصرف الزراعي التعاوني سابقاً،لإضراره بالمال العام بما يصل الى (40) مليار دينارٍ سبقه حكم مماثل صادر بحقه بسبع سنين لإهداره 15 مليار دينار ..ضبط عددٍ من “المسؤولين والموظفين” من صغار القوم بديوان محافظة نينوى بتهمة الإختلاس وتبديد ما يقرب من 6 مليارات دينار من أموال إعادة تأهيل أبنية المحافظة المدمرة بالكامل وباﻷخص جانبها الأيمن وفرار كبيرهم الذي علمهم السحر المحافظ المقال نوفل العاكوب ، ضمن لعبة ملاحقة – أسماك الجري – وإخلاء سبيل – الحوت اﻷوركا -جريا على قاعدة ” لصوص لكن ..وجهاء، زعماء ، سفراء ، شرفاء ، عظماء ، حكماء ، شركاء !” .
وأنوه الى أن عمليات النصب والاحتيال بغية سرقة مال الغير وما أكثر النصابين في سدة المسؤولية ومن جميع المكونات يصدق فيهم قول العوام ” ودَّع البزون شحمه ” فهذه من اختصاص قانون العقوبات العراقي رقم 111 لسنة 1969 الذي نصت المادة (456) منه والمعروفة محليا بـ 56 والتي عادة ما تطلق على كل محتال بعقوبة الحبس على كل من توصل الى تسلم أو نقل حيازة مال منقول مملوك للغير لنفسه أو الى شخص آخر باستعمال طرق احتيالية أو إنتحال صفة والكذب والخداع !
أما خيانة الامانة فنصت عليها المادة 453 من قانون العقوبات العراقي رقم 111 لسنة 1969 المعدل على كل من اؤتمن على مال منقول مملوك أو عهد به اليه بأية كيفية كانت أو سلم اليه على سبيل الأمانة فاستعمله بسوء قصد لمنفعته أو لفائدة شخص آخر أو تصرف بسوء قصد خلافا للغرض الذي عهد به اليه أو سلم له من اجله”.
ولطالما إستعاذ النبي صلى الله عليه وسلم من الخيانة وكان يدعو فيقول ” اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْجُوعِ؛ فَإِنَّهُ بِئْسَ الضَّجِيعُ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنَ الْخِيَانَةِ؛ فَإِنَّهَا بِئْسَتِ الْبِطَانَةُ” وقد قرن الجوع بالخيانة كونه أحد دوافعها ومسبباتها ، كما إن خيانة اﻷمانة احد مسببات الجوع بمعنى ان احدهما يتوالد من اﻵخر ، وأشير الى أن الايدي في الاسلام خمس ” يد عاطلة أوجب الإسلام توظيفها ، يد عاجزة أوجب رعايتها ، يد سائلة أوجب إعطاءها ” المتسولون النصابون غير مشمولين بهذه إنما المقصود بها اليد المضطرة المتعففة التي لاتسأل الناس إلحافا اﻻ للضرورة القصوى وبقدرها ” ، يد عاملة أوجب تكريمها وتقبيلها وتشجيعها ، وووويد عابثة أوجب قطعها بشروط وضوابط صارمة ومن غير شبهة ﻷن الحدود تدرأ بالشبهات .
اما السرقة فتناولتها المواد 439 _ 446 من قانون العقوبات وتفاصيلها كثيرة إن كانت ليلا أم نهارا ، تحت تهديد السلاح أم بدونه ، مارسها شخص واحد ام مجموعة أشخاص ..الخ !
وقد عنت اﻷمثال البغدادية – وأبو المثل ماخله شي ما كاله – بمصير اللصوص والمحتالين ونهايتهم على طريقة – نهايتك سودة يازمباوي – ومن اشهر اﻷمثال قولهم ” اللي أخذه من الحرامي انطاه لفتاح ِ الفال ْ” وله قصة طريفة خلاصتها أن حارسا ليليا ألقى القبض على لص وهو خارج من أحد المنازل بعد سرقتها فأقنعه اللص بأخذ نصف المسروقات مقابل تركه وشأنه فقبل الحارس -الجرخجي – اﻻ أن القلق ظل يساوره ﻻحقا خشية أن يعترف السارق بما دار بينهما وﻻسبيل لمعرفة ذلك من وجهة نظره اﻻ بالذهاب الى العراف الدجال او” فتاح الفال ” لمعرفة هل سيفضحه السارق أم ﻻ وأخذ فتاح الفال يضحك عليه ويبتزه – فهذه هي مهنته الحقيقية في الضحك على عقول البسطاء وذقونهم شأنه في ذلك شأن ابو علي الشيباني وحجي ثقب والمسمري وسنما وغيرهم من الدجاجلة – حتى أتى على كل ما أخذه من السارق فذهب ماوقع به من مأزق مثلا بين الناس ، وقالوا في المال الحرام ايضا ” مال اللبن للبن ، ومال المي للمي “وله قصة طريفة محلها كتب اﻷمثال و” اللي ياكله العنز يطلعه الدباغ ” .
وخلاصة حديثنا اننا وفي حال لم نُفَعِل القوانين بحق السراق والمختلسين والمتجاوزين على المال العام لافرق في ذلك بين كبار اللصوص وصغارهم فلنستعد لمزيد من الخراب القادم ، وبغير حملة وطنية كبرى تفتح خلالها جميع ملفات الفساد دفعة واحدة لامحاباة فيها وﻻ شفعة ، ﻻمنسوبية ولا محسوبية ، ﻻحزبية وﻻ عشائرية ، مع التثقيف الجماهيري لمحاربة الفساد ومواجهة الفاسدين من دون استثناء – ﻻهذا من جماعة فلان وﻻذاك من ربع علان- فإن أمر الشعب بكل مكوناته وطوائفه لن يستقيم مطلقا ،وبغير إسترداد جميع عقارات الدولة وأراضيها كونها ملكا للشعب وليست – طابو لروح شيب ابو الخلفهم – فإن قصة السرقة والنهب والسلب والهدر لن تنتهي في المستقبل المنظور !
وأختم بقول الحبيب الطبيب صلى الله عليه وسلم القائل ” من أخذ شبرا من الأرض ظلما، فإنه يطوقه يوم القيامة من سبع أرضين” وقوله بأبي هو وأمي صلوات ربي وسلامه عليه ” لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن، ولا يشرب الخمر حين يشربها وهو مؤمن، ولا يسرق السارق حين يسرق وهو مؤمن ” وقوله صلى الله عليه وسلم ” إنه لا يدخل الجنة لحم و دم نبتا على سحت، النار أولى به ” فهل من متعظ ؟!
وعلى بعض الروزخونيين من عشاق اﻷساطير والخزعبلات والروايات الزائفة المرتجلة الكف عن ترديد عبارة ” مو مشكلة يبوك وينهب ويسرق ويشرب، المهم من جماعتنه ..فإنتخبوه !!”.
وكل من يظهر على الشاشات ليفضح سرقات بحق نفسه ، حزبه ، أو بحق اﻵخرين فعلى الجهات المختصة الإرسال بطلبه فورا كونه قد أقر على نفسه بالسرقة ، والإقرار سيد اﻷدلة ، كما عليها ان تستدعيه لما إدعاه بحق آخرين لإثبات صحة إدعاءاته أو بطلانها ﻷن البينة على من إدعى واليمين على من أنكر ..أما أن يتباهى بكشف الفساد وممارسته فيصبح نجما تلفزيونيا ككيم كارديشيان تتسابق الفضائيات لإستضافته فهذا بحق زمن “الرويبضة ” وهو التافه الصغير الذي يتحدث بأمر العامة فيشتهر لينضم الى قائمة ” لصوص لكن ..وجهاء ” . اودعناكم اغاتي