19 نوفمبر، 2024 7:39 ص
Search
Close this search box.

رواية ديسفيرال.. الخيال جنة الهاربين من قسوة الحياة

رواية ديسفيرال.. الخيال جنة الهاربين من قسوة الحياة

 

 خاص: قراءة- سماح عادل

رواية “ديسفيرال” للكاتب العراقي “نوزت شمدين آغا” تحكي عن مرض خطير تتفاقم أثاره في مجتمع تنهشه الحرب وكذلك والفقر والجهل والعادات الاجتماعية المتوارثة والقديمة، لكنها أيضا وبشكل أعمق تكشف عن المجتمع العراقي خاصة في الموصل وعن مظاهره وتفاصيله.

الشخصيات..

سليم: رجل ينتمي لعائلة غنية من المزارعين، يعيش في الموصل، عاش حياة مليئة بالتناقضات في بداية حياته، وأثناء وجود أزمة مالية تعرض لها والده عمل في الحدادة وأصبح يسعى إلى اللهو، ثم بعد أن أصبح شابا أحب ابنة عمه وأصر لمدة عشر سنوات على الزواج منها، وبعد زواجه منها عاش أزمات حياتية جعلته يتقرب من الدين حتى أصبح منتمي للمتشددين دينيا، ومع المضايقات الأمنية التي كانت تحدث لهم ابتعد عنهم. وهو يعيش طوال حياته أسير لجريمة قام بها، وهي قتل عمه حتى يتسنى له الزواج من ابنته، ويفسر على أساسها كل المصائب التي حلت به فيما بعد.

مجيد: أبو “سليم”، ينتمي لعائلة غنية لكن بوفاة والده يتنازع هو وشقيقه الوحيد على لقب شيخ، ويظلان متخاصمان طوال عمرهما أشد الخصومة، لكن يتبين من السرد أن الخصومة ليست بسبب لقب الشيخ فقط وإنما بسبب فتاة قريبة لهم كان يحبها “مجيد” وتزوجها شقيقه.

الشيخ عزام: شقيق “مجيد”، ظل مخاصما لأخوه طوال حياته منعزلا عنه، ولم يرزق إلا بالبنات وكان هذا سبب لتعاسته ومعايرة زوجته، وحين تزوج مرة أخرى من فتاة أصغر منه لم تنجب له، وظل معاندا لزواج ابنته من ابن عمها إلى أن قتله “سليم” وسط احتفال بانتهاء الحرب، وقيل أنه مات برصاصة طائشة.

غنية: زوجة “مجيد” امرأة قوية، أنجبت له ابن ذكر على عدة فتيات، ومنعته من أن يتزوج عليها مرة أخرى، وظلت طوال حياتها تدير المنزل وتفرض سلطتها على زوجها وابنها وزوجته، وحين تعرض زوجها لأزمة مالية ساعدته بما تختزنه من ذهب ولم تبخل عليه.

زاهدة: ابنه عم “سليم”، وقع في غرامها منذ أول مرة وقعت عينيه عليها، وظل متشبثا بالزواج منها، ثم بعد الزواج فقدت جنينين لها ثم أصيب ابنها بمرض خطير، وظلت صابرة تتحمل كل عواقب هذا المرض وتحاول مساعدة ابنها على قدر ما تستطيع، وكانت خير معاونا لزوجها، لكنها عندما علمت بأنه قتل أباها حكمت عليه أن لا ترى وجهه مرة أخرى.

جابر: ابن “سليم”، أصيب بمرض “الثلاسيميا” والذي يحتاج المريض به نقل دم كل ثلاثة أسابيع، ودواء “ديسفيرال” خمس مرات على الأقل أسبوعيا على مدى الحياة، لسحب الحديد المتراكم في الجسم جراء أخذ الدم من المتبرعين بنحو دوري. وهذا الدواء يتم حقن المريض به ويسري في جسده لمدة 12 ساعة، عاش “جابر” طويلا مقارنة بما هو متوقع من مريض “الثلاسيميا”، فقد تجاوز عمر العشرين ببضع سنوات، ولم تنجح كل المحاولات لإنقاذه وإيجاد متبرع له بالنخاع، رغم أن والداه أنجبا طفلا آخر فقط لهذا الغرض، واستسلم لمصيره وكان يعيش في أجواء خيالية في محاولة منه لمقاومة مرضه وتداعياته.

ثائر: رجل تعرضت ابنته “مريم” لنفس المرض فقرر أن يساهم في إنشاء جمعية أهلية لمساعدة ضحايا المرض وذويهم، خاصة مع نسبة انتشاره العالية في المجتمع وتزايد إعداد المرضى به، ويساعد “سليم” كثيرا ويتواصل مع طبيب إيطالي وهيئة ايطالية تقدم المساعدة للمرضى في العراق، وتقدم منح لعمل عمليات لبعض المرضى والمساهمة في شفائهم التام من المرض.

وليد: صديق “جابر”، تعرفا إلى بعضهما منذ الدراسة وأصبحا صديقين مقربين، “وليد” ينتمي لعائلة فقيرة يعيش معه أمه وشقيقتين ويعاني من مرض شلل الأطفال، لكنه يجد نفسه مضطرا إلى مساعدة أمه في إعالة الأسرة، ويعمل عدة أعمال شاقة، ثم يعمل في محل للملابس الداخلية ويجيد تسويق بضاعته إلى أن يتم قتله بوحشية على أيدي المتشددين دينيا.

الراوي..

الرواية تعتمد في الحكي على تعدد الأصوات، حيث يحكي منذ البداية راو عليم عن “سليم” بضمير الغائب، ثم تحكي “زاهدة” بصوتها بضمير المتكلم، ثم يحكي “جابر” بصوته بضمير المتكلم، ويظل الحكي يتنقل ما بين هؤلاء الرواة.

السرد..

تحكي الرواية عن مرض “جابر” بشكل أساسي بادئه بلحظة ميلاده، لكنها أيضا داخل السرد تحكي عن تفاصيل ومظاهر مجتمع الموصل في الفترة التي تتناولها الرواية، وهي حوالي عشرون عاما وأكثر بقليل، تعتمد الرواية على سرد الأحداث تصاعديا ونقل وجهات نظر الشخصيات الثلاثة الرئيسية (سليم- زاهدة- جابر)، تقع الرواية في 256 صفحة من القطع المتوسط.

الخيال جنة الهاربين من قسوة الحياة..

الرواية رغم أنها تركز على سيرة مرض “جابر” منذ البداية إلا أنها تتناوله بشكل خيالي لطيف، فتحكي أن “جابر” حين ينقل إليه كيس من الدم من أحد المتبرعين ينتقل أيضا مع الدم خبرات الشخص وذكرياته وسماته وتاريخه، حتى أن “جابر” ولمدة ثلاثة أسابيع يجد داخله شخصا آخر هو شخص المتبرع، بمعارفه وأفكاره وميوله وخبراته الحياتية. وهو طفل كان ينطق بأشياء يستغربها والداه نتيجة لذلك لكنه تعلم أن يخفي ذلك عن الجميع، ويستمتع بمعايشة تلك الشخصيات المتعددة والمتنوعة، وتشرب معارفهم والاستمتاع بحيواتهم، لأنه فعليا بلا حياة، يقضى وقته فقط في تلقي العلاج والدراسة، حينما كان طفلا، والمحافظة على جسده الضعيف الهش.

وحين ينقل إليه دم فتاة شابة تدعى “ليان” تتغير حياته فيقع في حبها ويسعى لمقابلتها، مستغلا كل ما يعرفه عنها، ويرتدي ملابس تتوافق مع ذوقها في الرجل، ويذهب إليها لكنه يفشل في التقرب إليها كما أنها تعود لحبيبها الذي هجرها، لكنه رغم ذلك يحب تلك التجربة ويحب نهايتها السعيدة التي وصلت إليها ولا يحقد عليها، فالكاتب مثلما نقل المرض بتداعياته المأساوية والحزينة تخيل أفقا إنسانيا له، مخرجا للمريض يستطيع من خلاله العيش باستمتاع رغم حياته البائسة.

كما سعى “جابر” للتخلص من حزنه على قتل صديقه الوحيد “وليد” وفقدانه بتخيل شبحه يرافقه دائما، ف”جابر” يستطيع أن يطور آلياته الدفاعية الخاصة للتخفيف من قسوة حياته، التي ربما هي كذلك نتيجة للمجتمع الذي يعيش فيه.

الرواية أيضا ترصد التشدد الديني في الموصل، من خلال أمام الجامع “شجاع” الذي يحكم قبضته على بعض أبناء المنطقة ومنهم “سليم”، ويحاول بشتى الطرق السيطرة عليهم، وحين يتم القبض عليه يتحرر البعض منه ومن تشدده ويتخلصون منه، مما يعطي إشارة إلى أن هذا التشدد ليس أصيلا فيهم، لكن” شجاع” يعود مرة أخرى مع وجود الفوضى في العراق بعد الغزو الأمريكي والمشاحنات الطائفية، ويسرق الناس بالعنف، يقتحم البيوت ويطلب منهم أموالا مهددا إياهم بالقتل في حالة الاستعانة بالشرطة، كما حكت الرواية عن اختطاف “سليم” من قبل رجال إحدى الميليشيات المتشددة ونهبوا أمواله أيضا.

كما ركزت الرواية أثناء الحكي على أنه من أهم أسباب تفاقم مرض “الثلاسيميا” التسمك بعادات قديمة وهي زواج الأقارب بشكل قبلي متعصب، والفقر المتفشي نتيجة للحروب المتواصلة والمتلاحقة، في مجتمع فقد بنيته الأساسية وأصبح يعاني من الفقر والجهل، حتى أنه حين قام “سليم” بفحص عينة ابنه “ثائر” للتأكد من مطابقتها مع “جابر” جاء التحليل معيبا، مما أثر على العملية التي ذهب “جابر” لإجرائها في إيطاليا.

ربما بتناوله لأحد الأمراض الخطيرة المتفشية قصد الكاتب الإشارة إلى الأحوال السيئة لمجتمعه، والتي وصل إليها نتيجة للحروب والصراعات، نتيجة استهدافه من قبل قوى الرأسمالية العالمية بعد أن كان أحد الدول الغنية في منطقة الشرق الأوسط.

الكاتب..

“نوزت شمدين آغا” هو “نوزت سالم خليل شمدين آغا”، ولد في منطقة الفيصلية بمدينة الموصل عام 1973. أكمل فيها دراسته الأولية وحصل على شهادة البكالوريوس في القانون من كلية الحدباء الجامعة في دورتها الأولى. عمل في نطاق المحاماة ثمان سنوات قبل أن يتركها ويتفرغ بنحو كامل للصحافة.

ينتمي إلى عائلة “شمدين آغا” الكردية المسلمة التي سكنت منطقة زاخو شمال العراق مئات السنين. بقي “نوزت” في مدينة الموصل. بدأ مطلع التسعينيات بنشر مقاطع صغيرة في صحيفة الحدباء الصادرة في الموصل وصحف بغداد الأسبوعية واليومية، كتب الشعر في بدء مشواره ثم انتقل إلى عالم القصة القصيرة فكتب ونشر العديد منها في العراق وخارجه، وشارك في إصدارين من كتاب “قصص من نينوى” وحصل على جوائز تقديرية لتأتي سنة 2002 ويصدر روايته الأولى”نصف قمر” التي مثلت انطلاقته الأولى.

بعد 2003 عمل محرراً في جريدة “وادي الرافدين” ثم “مستقبل العراق” وفي أواخر 2004 عمل مراسلاً لجريدة “المدى” اليومية في الموصل واستمر في عمله لغاية السادس من آذار 2014 قبل أن يرحل مع عائلته إلى النرويج.

عمل خلال تلك الفترة مراسلاً لموقع نقاش الألماني واستمر كذلك حتى أصبح محرراً فيه بالعاصمة برلين في آب 2014. وعمل أيضاً مراسلاً لمجلة WPI الألمانية الاقتصادية وكتب لها عن شأن الموصل الاقتصادية والتحديات التي واجهتها المدينة في هذا الخصوص بين سنتي 2009- 2011.

بين 2004 و2014 عمل “نوزت شمدين” عضواً في الهيئة الإدارية للإتحاد العام للأدباء والكتاب العراقيين، وفاز في ثلاث دورات انتخابية. وتعرض بسبب عمله الصحفي وجرأته في الطرح إلى ثلاث محاولات اغتيال اثنتان منها كانتا وشيكتين الأولى في شارع النجفي في الشهر العاشر سنة 2013 وبعدها بأسابيع قليلة في منطقة القوسيات شمالي مدينة الموصل. فكان قرار الرحيل مع زوجته وأطفاله الثلاث ككاتب ضيف إلى مملكة النرويج.

فاز بجائزة “سمير قصير” لحرية الصحافة في بيروت سنة 2017، وفاز بجائزة الصحافة الاحترافية في بغداد سنة 2018 عن قصته الخبرية (سراديب الموصل لاتنجح دائما في أن تكون قبوراً )، أصدر “شمدين”
كتاب” قادمون يا عتيق” أواخر 2014 وهو أول كتاب مقاوم يصدر ضد احتلال داعش لمدينة الموصل ووزع فيها بنحو محدود.  كما أصدر سنة 2015 الطبعة الثانية من رواية “نصف قمر” عن دار مومنت في لندن. وفي ذات السنة أصدر روايته الثانية “سقوط سرداب” والتي ترجمت إلى اللغة الكردية 2017، كما ترجمت إلى الألمانية والانكليزية. وصدرت له سنة 2017 أيضا روايته الثالثة (شظايا فيروز) . ومؤخرا رواية “ديسفيرال”.

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة