مع ما يَروجُ من سجالٍ سياسي يخرجُ عن حدود القولبة السياسية في بعض مواطن العمل السياسي في أحيان.. ومع فضاء التخندقات السياسية الجارية حالياً ضمن إرهاصات تشكيل الحكومات المحلية في المحافظات.. ينبغي ان يصار التذكير الى ان (منظمة بدر) ليست حزباً سياسياً صغيراً يمكن (تهميشه) .. كما وانها ليست جماعةً حزبية ممن إكتسبوا مقعداً انتخابياً هنا.. وآخر هناك.. وهم على استعداد للإنضواء مع جوقةٍ من أصحاب المقعد الواحد لإشغال زاوية هامشية في سياق العمل السياسي الخدمي في مجالس المحافظات.. منظمة بدر ليست كذلك مطلقا.. وواهمٌ من يراها بهذه العين القاصرة..
منظمة بدر كيانٌ ضاربٌ في التأريخ السياسي العراقي منذ نعومة أظفار العمل السياسي الراهن وبإرهاصات انطلاقته الأولى ككيانٍ معارض لأعتى الدكتاتوريات التي عرفتها البشرية وأكثر الفاشيات الدموية في العالم المتمثلة بدكتاتورية صدام.. إذ أركع جهاديو بدر ذلك الطاغي مراراً وتكراراً في مواقع المنازلة والمنافحة على مدى اعوامٍ طوال..
فليس بأمر خافٍ أن بدر هم الرعيل الأول الذي حمل الأرواح على الاكف وثـَبـَجَ بطن الباطل بقوة السلاح لِيُخرِجَ من (رحم المعاناة) شرنقة الناس المعذبة والمكتوية بنيران الظلم الصدامي البغيظ الذي لا يوصف… كما ولم يتخلف عنهم ساعة الجلاء… ولم يخذلهم في عرصات الأداء السياسي حيث نزع البنادق عن الاكتاف… وتحمل أوزار العمل السياسي تشريعياً كان أم تنفيذياً..
فــبــدر.. وجودٌ قائم في الجغرافية السياسية والميدانية العراقية منذ ان كانت الشخوص والأحزاب العاملة تتخذ من فنادق بيروت ولندن ساحات منافحة سياسية.. في حين كانت بدر.. في الخنادق الأمامية.. حيث كانت شظايا القذائف والقنابر تشق صدور وجبهات البدريين كتفاً بكتف مع رجالات الاهوار الافذاذ الذين لم تنصفهم كل الحكومات المتتالية التي أعقبت سقوط الصنم وحتى الان..
ولعل قائل ينبري بالتساؤل .. بأن بدر متمثلة بالوجود التنفيذي العامل بالفعل.. وقبل الولوج في هذا المعترك.. نذكـّر كل ذي قول بأن بدر ومنظمتها خيمة كبيرة تستظل تحت لوائها وظلها شرائحُ كثيرة من المستضعفين والمهتضمين والعديد من رجالات النضال ورجالات العمل والبذل.. وان انخراط البدريين في العمل التنفيذي بوزارة واحدة وحسب.. كان – بحد ذاته – ((لا)) إنصافاً وفق الحجوم والمعايير السياسية… غير ان إرهاصات العمل السياسي حملت رجالات بدر على الخوض في معترك هذا المضمار.. كي لا تذهب الاذهانُ فيما بعد بأن المنظمة تتقاعس عن واجباتها في العرصة التنفيذية.. وتتراجع عن مواقع الخدمة الفعلية.. وإلا فإن جند بدر السياسيون لهم من الطاقة والحول ما يمكنهم من حمل ثقل وزر كابينة تنفيذية بأسرها إن اتاحة الفرص ذلك.
أين بدر في مفاوضات تشكيل الحكومات ؟..
وإذا ما خلصنا من مضيق ذاك الاستدراج.. واقتربنا من منخفض التأثيرات والسجال الذي قامت زوبعته ولم تهدأ إلا بما يشبه حالة غمطٍ لتيار واسع النطاق يمثل ثقلاً نوعياً وتأريخ كفاح وطني عريض ممتدٍ بسني عمره السياسية والميدانية.. حينها وقف البدريون على إرهاصات مخاض تشكيل الحكومات المحلية.. حيث عرصة واقعٍ مشوش يعلوه الغبش السياسي.. إذ ْ بانت فيه منظمة بدر التي حصلت في مخاض انتخابات مجالس المحافظات على (اثنين وعشرين) مقعداً بالفعل.. بانت وكأنها في طيّ منخفضٍ لفه التهميش والاقصاء الذي قد يكون متعمداً او على اقل الأحوال ضريبة لإخفاق بعض الشركاء..
وبنظرة متأنية.. فإن السجال الانتخابي في بعض (مواطن الكسب) لكتلٍ سياسية كبيرة فائزة.. كانت كفة الفضل في تحصيل مقاعده تحسب لمنظمة بدر ورجالها.. غير ان طبيعة التعاطي السياسي النزيه للمنظمة في بعض الأحيان يقود الى ان تـُعصـَبُ إخفاقاتُ الشركاء الكبار برؤوس شركائهم مِمّن آزروهم حتى تبوءوا المناصب التي ينافحون في إستبقائها وإنْ كان بخلاف إرادة الجمع.
ونعود للتذكير هنا.. بأن الإرادة المحلية وطبيعة الفعل السياسي المحلي قد لا يجرِي – بالمحصلة – مع مياه الحراك السياسي المركزي.. ونورد هنا ديالى مثلا.. فـ(تحالف ديالى الوطني) على سبيل المثال وهو تحالف أحزاب بينهم منظمة بدر وكتلة المواطن والتيار الصدري وآخرون.. هو الذي كسب بالفعل 12 مقعداً في (مجلس المحافظة المتوقع) والذي كان مرتقباً وهو صاحب الأغلبية التي كان من المرتقب ان يبادر ممثلوه الى تشكيل حكومة ديالى المحلية كإستحقاق لا جدال فيه.. غير أن رياح الإثرة.. وميكافيلية بعض الشركاء .. آثرت ان تبيع (العمق التأريخي والاستراتيجي) لكيانات ضاربة الوجود في الجغرافية السياسية المناطقية أيضا كما هي (بدر) في ديالى ومقترباتها.. وذلك من اجل تحقيق مكاسب آنية في العاصمة.. ليصار الى إستيلاد (صورة مشوهة) قوامها تحالف شريك كبير مع ((آخرين مخالفين)) من اجل حصد مناصب تنفيذية عليا في بغداد.. والملفت ان كل هذا يجري بخلاف الإرادة الشعبية والنخبوية والسياسية في ديالى التي رأت في الامر إلتفافاً وتحدياً لإرادة الأهالي الذين قدموا الغالي والنفيس للتخلص من ربقة الإرهاب وتبعاته.. لتدبَّ المخاوفُ من جديد بعودة الإرهاب واستقواءه تارة أخرى إذا ما تم تجاهل إرادة الأكثرية الشعبية والنخبوية والسياسية في ديالى.
ولعل رقم ديالى وإشكاليتها.. حمل العديد من رجالات بدر الى إعادة قراءة خارطة حراكهم السياسي.. فـ(بدر) التي كانت الطرف الذي يقدم التنازلات دوماً ويخفض من سقوف مطالبه من اجل الصالح الوطني ومن اجل تنهيض القطاعات الخدمية والتنفيذية للمواطنين.. والتي في الغالب يحصد الشريك السياسي القوي تلك التنازلات ويستحلب ثمار (تخفيض سقوف بدر لمطالبها) ليجيرها لصالحه الحزبي والمناصبي في حكومة التنفيذ التي أثارت الكثير الكثير من الجدل في ساحة العمل السياسي في البلاد خلال سني فعلها التنفيذي.
وبقراءة… فإن بدر ليست كياناً هلامياً هامشياً كي ترتضي ان تخرج خالية الوفاض من مخاض التحالفات التي اسفرت عن تصرم اكثر من سبع محافظات دون ان يكون لها التمثيل المناسب والحقيقي فيها.. لا لشيء إلا لتوالي إخفاقات القراءة السياسية الخاطئة والقاصرة لبعض (فاعلي العمل السياسي) من الشركاء الكبار الذين إرتضت بدر في يوم من الأيام ان تنضوي تحت خيمتهم لتحقيق اكبر الفرص للأعطاء والبذل والعمل للصالح الوطني .. ولكي لا يقال حينها ان (المنظمة) تقاعست حين كان عليها ان تبذل .. وتأخرت حين كان يُطلبُ منها ان تمنح.. وتراجعت حين كان من المفترض ان تتقدم..
عل أية حال.. قد لا يكون من المستبعد.. أن يجد المرء بعضا من المبررات لثة من رجالات بدر أولئك الذين يداولون الأفكار بشأن الحاجة لإعادة فرز المواقف.. والحاجة لإعادة توزيع الكثبان على (منضدة الرمل) السياسية التي لطالما قبلت المنظمة ان يتقدمها البعض.. لتتأخر هي ساندة له.. ما دام ذاك (البعض) مشمراً عن سواعد البذل لتقديم العطاء والخدمة للناس..
وإذا ما أيقن رجالات المنظمة ان (ترطيب الأرضية) تحت أقدام البدريين هو من اجل غمر قوائمهم بـ(وحل الفشل السياسي)… فإن المنظمة لقادرة على انتشال تلك القوائم وتحريكها صوب الجهة التي يتوقع ويترقب الجمهور منها ان تثبت فاعليتها فيها.. لاسيما وان قد برز (اثنان وعشرون) من رجالاتها لتسنم مناصب قيادية في مجالس المحافظات… غير ان الغبش السياسي وتمويه الـ(أنا) السياسية عند البعض غبّرَ على مسيرة تقدم تلك الثلة من رجالات بدر وحال دون تبوؤهم المقامات التي يستحقونها في عرصة الفعل السياسي، علماً أن بدر دفعت ضريبة الاصطفاف السياسي لحرصها على المضي في تلبية حاجات الناس وتخديمهم.. لتنال أقل بكثير مما يفترض ان تناله في عرصة محافظات البلاد..
المؤكد… أن كل هذا المخاض.. درس بليغ من المتوقع أن يعيه رجالات المنظمة وسيقفون عنده ملياً .. وسيستحلبون ويستنطقون منه الكثير من المعطيات الجديدة في التعاطي السياسي الصحيح… إستعداد لخوض غمار الانتخابات التشريعة القادمة العام المقبل.. ولكل آوانٍ حديث..