هو ثامر جعفر الصفار التميمي مواليد 1957 بغداد , رجل مسكون بمحبة الناس شأنه شأن كل عراقي منفتح على الحياة بفطرة طيبة تهوى ألاجتماع وتضحي من أجله على هدى السماء المخزون في الشخصية العراقية منذ أن وصفتها العرافة العربية “طريفة الخير ” قائدة الهجرة العربية ألاولى بعد خراب سد مأرب بسبب سيل العرم في سبأ الذي خصص القرأن الكريم سورة بأسمه هي سورة ” سبأ ” حيث قالت طريفة الخير : من أراد : كثرة ألارزاق , والثياب الرقاق , والخيل العتاق , والدم المراق , فعليه بالعراق ؟
وبين ثامر الصفار ألاعلامي العربي العراقي المسلم وبين العرافة طريفة الخير خيط رفيع من تجليات ألايمان بمرجعية السماء تلك في مرحلة متقدمة في تاريخ العرب المصنوع بأستخلاف أدم وبناء البيت العتيق الذي أصبح رمزا للعرب والموصول برفع قواعد البيت من قبل أبي الحنفية ألاولى النبي أبراهيم عليه السلام وولده أسماعيل عليه السلام الذي شاءت الحكمة ألالهية أن يندمج بالنسب العربي فتكون له سلالة كان منها خاتم ألانبياء والمرسلين محمد بن عبد الله “ص” الذي قال : العربي من تكلم العربية ” .
وخيط الوصل بين ثامر الصفار وبين العرافة العربية طريفة الخير هو خط ألايمان , فطريفة الخير قالت لعمرو بن الحارث كبير الجماعة العربية المهاجرة : مه مه , وحق ما أقول , ماعلمني ألا الحكيم المحكم , رب جميع ألانس من عرب وعجم , قالوا ما شأنك ياطريفة ؟ قالت : خذوا البعير الشدقم فخضبوه بالدم تلون أرض جرهم جيران بيته المحرم – أخبار مكة – ص156 – ألامام أبي الوليد محمد بن عبد الله بن أحمد ألازرقي – 250 ت
وثامر الصفار كان مندفعا بطاقة أيمانية أكتسبها بجهد فردي وحس لايفارق هموم الناس حتى يكون واحدا منها معتمدا على خزين موروث يتحرك في خريطة المناسبات التي تطرز الزمن العراقي , فكان لقائه مع الهم العراقي الذي ساهمت في صناعته أحزاب المراهقة بشقيها الديني والعلماني وألاستثناء موجود ولكنه نادر وقليل مثلته حركة العصامي الشهيد فيلسوف القرن العشرين مغير تفسير نظرية المعرفة محمد باقر الصدر , وما عدا ذلك يصح قول المتنبي :-
أني لآفتح عيني حين أفتحها …. على الكثير ولكن لا أرى أحدا ؟
أتصل بي ثامر الصفار رحمه الله في غضون أشتداد المحنة العراقية بسبب ألارهاب وألاحتلال باحثا عن بصيص ضوء يكشف له عتمة ألاحداث التي شكلت معاناة دائمة للناس , ووجد من كتاباتي ودراساتي وأبحاثي كما قال رحمه الله دليلا وضوءا يأخذ بأيدي من يريدون خلاصا للعراق , لذلك عرض علي أن يكون معي فيما أنا فيه من توجه بعيدا عن الطائفية والعنصرية والفئوية , وهكذا أصبح ثامر الصفار ملاصقا ومصاحبا لي وأخا أعتز به لما وجدت فيه من صدق اللهجة وقوة ألارادة , فتحاببنا في الله وحملنا معا خشبة الخلاص من خلال الكلمة المشروع المعرفي ألاول والنهائي لخلاص البشرية عبر مفهوم ألانتظار المعزز بالصبر والصلاة كثنائي يحتضنه العقل وتنفتح له النفس , وتلك هي أطروحة فلسفة ألاعتقاد الضامن لشوط الحياة المرسوم بعناية من لايشارك بألالوهية , ومن لايخاصم بالربوبية , ذلك الذي أنهر المياه من الصم الصياخيد عذبا وأجاجا , وأنزل من المعصرات ماء ثجاجا كما يقول أمير البلاغة وسيد البيان بعد رسول الله “ص” علي بن أبي طالب عليه السلام .
كان ثامر الصفار أعلامي يعمل بصمت على قاعدة : الوطنية تعمل ولا تتكلم ” لم ينخرط في مكاتب من حرصوا على المكاتب ونسوا فقراء الناس لقد ساهم ثامر الصفار في تخفيف ألالم والمعاناة عن بعض المرضى والمحتاجين بعيدا عن الدعاية والبهرجة , وكان تصميمه بخدمة المواطنين بصدقية عملية وبأرادة مستعينة بالله قبل أن تستعين بمن أستأثر بالمناصب والمواقع ومن أستأثر بالمال وهم كثر في عراق اليوم .
كان ثامر الصفار دوؤب العمل لمن عرفه , كتب في موقع كتابات من أجل الحياة وليس من أجل الكتابة , وعندما واجهته حاجات الناس طرق أبواب المسؤولين بدون واسطة ولا تعريف , فتعاون معه من تعاون , وأعرض عنه من أعرض , وكان يبثني حزنه وألمه ومعاناته من أجل هموم المواطنين ومعاناتهم , وكنت أصبره وأشاركه بث الهموم تخفيفا عليه لعلمي بأنه كان يعاني من فتحة في القلب كنت أعرف أنها لن تمهله كثيرا بهذا الجهد المتواصل والمضاعف ومعرفتي هذه لآني طبيب أدرك وأعرف مامعنى أن يعاني من له فتحة في القلب ؟
ومن أبداعات ثامر الصفار أصراره على أنشاء مشروع “فيسبوك ألاصدقاء ” الذي عرفه من أشترك فيه ومن راسله وتواصل معه وكيف أصبح واسطة لحل مشاكل بعض المواطنين , وكيف أصبح محطة للتواصل مع من يريد الخدمة من المسؤولين , ومن يريد المساهمة بعمل الخير من المواطنين .
كان ثامر الصفار رجل في أمة , وأمة في رجل , يشهد له تفانيه في الخدمة ألاجتماعية وهو لايملك المال ولا المكاتب ولا الحواشي ولا الحمايات كما يفعل البعض من الذين سرقوا العناوين وألامتيازات وأكثروا من الحواشي وتمادوا في الثراء الفاحش , مستعينين بفضائيات الدجل والتحريف تارة ومنهم من أستعان بفضائيات الفتنة والتحريض حتى غص ألاعلام العراقي بفوضى لامثيل لها .
ثامر الصفار لم يكن مقربا من أحد , ولم يكن حاشية لآحد , كان قريبا من المواطنين الذين عرفوا صدقه وأخلاصه وتفانيه في خدمتهم التي طالما أحرجته مع بعض المسؤولين , وطالما وضعته في صدام مع من يخافون على مصالحهم الشخصية .
هذا هو ثامر الصفار حتى ثقل عليه المرض فشكا لي مرضه لآني طبيب وكان لابد من العمل الجراحي الذي لم تعد مستشفيات العراق تفي بألتزاماته رغم ماتنفقه الحكومة من مليارات تذهب هدرا بسبب تردي أخلاقية ذوي المهن الطبية , وبسبب الفساد الذي ضرب أطنابه في كل مؤسسات الدولة ومنها المؤسسة الصحية , ولذلك لم يجد ثامر الصفار الذي كان يحرص أن يعالج عراقيا ولم يجد مبتغاه , فراسل الخارج مضطرا وتواصل مع أطباء في لبنان والهند وأيران وتركيا وألاردن حتى شاءت ألاقدار أن تكون محطته في عمان ألاردن حيث أجريت له العملية الجراحية في القلب بعد أن قدم له السيد نوري المالكي مساعدة مالية وهو أمر يشكر عليه , ولكن العمل الجراحي تبعته مضاعفات نتيجة حصول أنسكابات مائية في الرئتين وهو أمر ممكن الحدوث بعد هذه العمليات ولكن الذي يؤاخذ عليه مستشفى الخالدي في عمان هو حدوث أنسلاخات جلدية نتيجة الرقود المستمر لعدة أيام وهو مايعرف علميا ” bed soar ”
وحدوث هذه الجلطات والتسلخات الجلدية في مستشفى خاص وتحت أشراف أطباء أختصاص أمر غير مبرر ؟
ثم أن تكاليف العلاج كانت باهضة بشكل ملفت للنظر وأنا الطبيب لاأجد أن تسعيرة غرفة العناية المركزة لايمكن أن تبلغ ” 2300″ دولار لليوم الواحد , وهذا مما جعل فاتورة المستشفى خلال عشرة أيام تبلغ خمسين ألف دولار مما أحرج عائلة المرحوم وأحرجنا جميعا حتى قام أحد أصدقاء المرحوم ببع ذهب زوجته وأرسال مبلغ ” 7500 ” دولار لسداد فاتورة العلاج وهذه من النقاط المضيئة في ألاجتماع العراقي مثلما هي مضيئة في علاقات الراحل ثامر الصفار التي كانت قائمة على المحبة وألاخلاص والوفاء بعيدا عن مظاهر المادة التي غزت مظاهر الحياة السياسية وألاجتماعية بشكل لاينسجم مع تاريخ منظومة القيم العراقية , ومن ألانصاف أن نذكر ماقام به السيد عدنان ألاسدي الوكيل ألاقدم لوزارة الداخلية العراقية من تحمله دفع بقية تكاليف العلاج البالغة ” 35000″ ألف دولار .
هذا هو ثامر الصفار عاش بيننا مثابرا عصاميا رافضا لبهارج الدنيا وزخرفها ألا ماينفع الناس ورحل عنا بهدوء وحسرة عندما عرف الجميع أننا بحاجة الى أن ندفع ثمن العلاج وهوشهادة لرجل كان يجب أن يعالج في العراق وأن يكرم بغير ماجرى , وأنا للله وأنا اليه راجعون .
رئيس مركز الدراسات وألابحاث الوطنية
[email protected]