كتب الأستاذ الدكتور عبد الخالق حسين مقالا تحت عنوان ( تقسيم العراق بين الممكن والرغبات ) , استعرض فيه طبيعة العلاقة بين الشيعة والسنّة ونظام الحكم في العهدين الملكي والجمهوري , حيث يتّفق مع الرأي القائل بأن العراق لم يكن موحدا وأهله لم يبلغوا بعد مرحلة الشعب على حد تعبير الملك فيصل الأول , ويعترف بأنّ شعارات الوحدة الوطنية خلال الثمانون عاما المنصرمة كانت مزيّفة وخادعة لأنها مبنية على أساس حكم المكوّن الواحد , ويستعرض الدكتور عبد الخالق معاناة الشيعة من سياسات التمييز الطائفي التي عانوا منها خلال حقبتي العراق الملكي والجمهوري , حيث يعتبر أنّ المحاصصة الطائفية والأثنية مفروضة بحكم الواقع السياسي والجغرافي وليس من صنع فرد معين أو جماعة معينة , وحل هذه المعضلة لا يمكن بمجرّد المطالبة بإلغاء المحاصصة , بل من خلال إعادة إصطفاف القوى السياسية والتكلات السياسية على أسس وطنية شاملة وليس على أساس الاستقطاب الطائفي , بعد ذلك ينتقل إلى السؤال الأكبر هل يمكن تقسيم العراق ؟ وهل التقسيم ممكن عمليا ؟ وهل غالبية الشعب العراقي يؤيدون التقسيم ؟ ثمّ ماذا بعد التقسيم هل سيضع حدّا للأزمة ؟ وهل سيوقف الإرهابيين من ارتكاب المجازر ؟ وهل من السهولة رسم الحدود ؟ ليجيب بعد كل هذه التساؤلات بكلّا وألف كلّا .
وقبل البدء بمناقشة الدكتور عبد الخالق حسين حول استنتاجاته باستحالة التقسيم , أود أن أسجل أعجابي الشديد بكتابات الدكتور عبد الخالق وطروحاته الواقعية والوطنية ودفاعه المستميت من أجل الدفاع عن النظام الديمقراطي في العراق وتصديه الحازم لأعداء العراق الجديد ومثيري الفتن السياسية , لكنّ السؤال الذي لم يتطرق إليه الدكتور عبد الخالق في مقاله , هو هل أنّ العراق الحالي هو دولة واحدة ؟ أم دولتان داخل دولة واحدة ؟ , فالإجابة على هذا التساؤل سيقربنا بكل تأكيد من الإجابة على السؤال الأكبر .
فالواقع يقول إنّ العراق الحالي هو دولتان وليس دولة واحدة , فما يسمى بإقليم كردستان هو دولة حقيقية منفصلة تماما عن حكومة بغداد الاتحادية , دولة لها سياساتها الخاصة بها والمنفصلة عن سياسات حكومة بغداد , بل والمتعارضة في أغلب الأحيان معها , ولها أيضا جيشها الخاص ومؤسساتها الأمنية الخاصة بها , والقول بعكس هذا هو مجافاة للحقائق على الأرض , وموضوع انفصال إقليم كردستان عن العراق مسألة وقت ليس إلا , فالعراق الذي نتحدث عنه هو هو الجزء المتبقي والخاضع لإدارة الحكومة الإتحادية والذي يتكوّن من المكونين الشيعي والسني , والسؤال المطروح هل يمكن لابناء هذين المكونين التعايش بسلام وأخاء وتقاسم ثروات البلد الغنية والعيش برخاء ؟ أم انّ تراكمات الماضي والصراع على الحكم واستقطابات الوضع الإقليمي والدولي ستؤدي بالنهاية إلى القبول بهذا الواقع والانفصال كما هو حاصل الآن لإقليم كردستان ؟ .
قكل المؤشرات على الأرض تشير إلى أنّ الوضع يتجه تحو التقسيم , وها هو رئيس الوزراء نوري المالكي يخبر السيد عمّار الحكيم في أول لقاء لهما بعد الانتخابات المحلية بأن البلد يتجه نحو التقسيم وعلينا التهيؤ لهذا الأمر , وبالمقابل فإنّ القيادات السنّية السياسية هي الأخرى تعمل بهذا الاتجاه بالتنسيق مع تركيا وقطر والسعودية , فالإجابة على السؤال بكلا وألف كلا يستحق الوقوف عنده وإعادة النظر فيه على ضوء الوقائع والمستجدات على الأرض , وإعادة اصطفاف القوى والتكتلات السياسية على اسس وطنية شاملة وليس على الأسس الطائفية أمر مشكوك فيه في الظرف الراهن , فهذا الأمر يحتاج إلى إعادة بناء العملية السياسية برمتها من جديد وإعادة كتابة الدستور بعيدا عن المحاصصات الطائفية والقومية . والقبول بمبدأ الدولتين داخل الدولة الواحدة يمكن أن يؤدي ايضا إلى القبول بمبدأ ثلاث دويلات كونفدرالية بدولة واحدة . وأيضا تحت مبدأ الرضوخ للأمر الواقع وإيقاف نزيف الدم والقتل الطائفي .