ينبغي الإلتفات اولاً ليس الى الخلف فحسب , وإنما الى كلّ الإتجاهات وبنظرةٍ فاحصة ومتساوية , ثمّ ثانياً التأمّل في السرّ ” شبه المكشوف ” في تزامن وتوقيت الضَرَبات المباغتة والمتكررة لداعش ” ضدّ القوات الأمنيّة ” وعن كثب وبالقرب من العاصمة وفي مناطقٍ أخريات , وبينَ ومع هذا التزامن والتوقيت في إلإشعال الجمعي للحرائق في عموم العراق وبسرعةٍ فائقة ” دونما التقاطٍ للأنفاس ! ” , ومع النظر عبرَ زاويةِ نظرٍ خاصة بأنّ الدواعش لا يمتلكون قدرة وتقنيات الحركة بهذه الخِفّة في إشعال النيران ” اينما كان ” والعودة الى قواعدهم سالمين .! وكأنّ الدولة العراقية تخلو حتى من شرطي واحد او من منتسب للجيش وللقوات الأمنية الأخرى ! فقد انتقل الأمر وتحوّل الى اللامعقول .!
الفساد السياسي والمالي المتعدد الأيدي والأرجل وكأنه شبكة عنكبوتية تضاهي شبكة الأنترنيت في مهارة ودقة تعقيداتها , هو بالطبع الهيكل العظمي والعمود الفقري للدولة العراقية التي جرى تشكيلها بعد شهورٍ قلائل من احتلال العراق وفي ظلّ وضوء وجود قوات الأحتلال .
وهذا الفساد الذي ساد لابدّ أن يضمّ اجنحةً متعددة سواءً من تنظيمات سرية او استخبارية , وإعلامية كذلك , ومتغلغل في حيثيات وثنايا القيادات الحاكمة وفي مقراتها ومكاتبها المكشوفة وغير المكشوفة وبعناوينٍ برّاقة في كافة انحاء العراق ومرورا بالنواحي والقَصَبات . كما امسى من الطبيعي أن تتصدّر واجهات الفسدة والفساد السياسي واجهاتٌ تدعو وتؤكد وتشدد على ضرورات مكافحة الفساد , لإبعاد الشبهات وكسب قلوبِ الجموع الغفيرة من جمهورالساذجين , وتكمن المأساة او في جزءٍ منها أنّ السادة الساذجين لا يتقبّلون هذه التهمة بحقهم .!
ويلاحَظ بهذا الصدد , وبالرغم مّما كتبناه لأكثر من مرّة , فأنّ كلّ رؤساء الوزراء الذين تعاقبوا على حكم العراق منذ سنة 2003 ولغاية الآن قد ابقوا ” وكأنهم تعمّدوا وأصرّوا ” على إبقاء رؤوس الهياكل الإدارية في كل وزارات الدولة ومؤسساتها بأستثناء تغيير وزراء المحاصصة والكتل المتكتّلة وبعض وكلاء الوزارات , علامَ ذلك .! وهل لعمليات الفساد أن تمرّ وتسير دون هؤلاء .! , وقد يغدو الأمر ايضاً اكبر من رؤساء الوزراء المتعاقبين , وهناك قوى سياسية تمتلك قُدُراتٍ تفوق ما يمتلكوه رؤساء الرئاسات الثلاث .!
الوضع العراقي الذي يدفع ثمنه الشعب العراقي بأثمانٍ باهضة تشتمل على ارواح البشر والتهجير وسوء الخدمات الغامض مع مدخولاتٍ مالية هائلة للدولة , وبأقتصادٍ متردٍ للغاية ومستوىً معاشيٍّ أسوأ , فهذا الوضع وبما يتصف بالتراجيديا الفريدة من نوعها وبما يفوق مايجري من نيرانٍ ودواعش , ومع أخذٍ بالأعتبار المجسّم لإنتماءات وارتباطات غالبية قيادات السلطة ” إنْ لم تكن جميعها ” بجهاتٍ اجنبية , فالعراق مهما تقوقعَ ” جيوبوليتيكياً ” في رقعة او بقعة محددة الحجم ولا يبتغي الخروج منها تحت دوافعٍ خاصة , فالعراق بحكومته او حكوماته ” وشاءَ أم أبى ” فليس بمقدوره الأنفصال ” من طرفٍ واحد ” عن محيطه العربي , مهما ابتعد هذا المحيط عن الأعتبارات القومية , ثمّ بعيداً عن البراغماتية , فلا يمكن لحكومة العراق الإنعزال عن التوجهات الدولية السائدة في توجيه بوصلة السياسة في دول العالم الثالث على الأقل .
العراقُ ليس بينَ فكّي كمّاشةٍ حقاً , إنما بين فكوكٍ ولكمّاشاتٍ .! , وقد تظهر مرادفاتٍ واشتقاقاتٍ أخرياتٍ تتباين في اللون والنكهات الكريهة لداعش وبما اكثر حرقةً من الحرائق .! لا سمح الله …