العقل البشري هذا السر الكبير والمعدن الثمين, الذي يعود مصدره وأصل تكوينه الى الخالق عز وجل, والذي يعتبر بمثابة زينة لا زال الإنسان يحتفظ بها و يقدر قيمتها, يقف اليوم طرفا ثالثا بين حدود العلم والمعرفة والإبداع من جهة, وبين الرقابة والقيود الإجتماعية المفروضة عليه من جهة اخرى .
لا يمكن للعقل البشري ان يتحرر بشكل كلي من العادات الإجتماعية والبيئية التي نشأ عليها, فكما يقال “ان العقل صنيعة من صنائع المجتمع” , وفي هذه الحالة لا يمكن للعقل ان يكون مخالفا لنواميس المجتمع التي تحكمه بأي شكل من الأشكال, وهذا القول يدحض رأي اصحاب المنطق القديم, الذين اعتقدوا بأن العقل البشري مجرد من القوانين الإجتماعية والبيئية, وقالوا ايضا ان العقل لا يمكن له ان يكون مبدعا اذا ظل أسير الإطار الإجتماعي وقوانينه, وهذا رأي خاطىء لا يحتمل الصواب فالعالم اليوم لا يمكن له ان يخترع دون ان يكون من سبقه في الإختراع بزمن طويل, وما عليه إلا ان يصوغ اختراعه او ابتكاره بقالب جديد وهكذا,… ونفس الأمر ينطبق على الأديب والكاتب والحرفي …. الخ, فقصة حي بن يقظان التي ألفها ابن طفيل والتي تنادي بتجريد العقل من المحيط, لم تعد اليوم مقبولة بين اوساط المنطق الحديث, ولا يمكن لها ان تدخل ابوابه لكن المشكلة ليست فقط في النظرية الخاطئة, التي تنادي بتجريد العقل من الطبيعة والمجتمع, وإنما الأمر ايضا يتعلق بالقيود الإجتماعية والبيئية التي ربما ستقود العقل البشري الى التراجع في مستوى العلم والإبداع, في حال تفاقمها اكثر وهذا ما يحدث للأسف في مجتمعاتنا العربية, التي لا زالت تعاني من هذه المعادلة العكسية حيث نجد ان القواعد الإجتماعية والقوانين القبلية ,هي فوق كل شيء ومن شك في صدقيتها على الأقل تتوجب عليه اللعنة والعقاب!, بالمقابل سنجد ان سيكولوجية العقل البشري تخضع بشكل مسير لهذه القواعد والقوانين بشكل مفرط و غير متوازن, مما سيقود بطبيعة الحال الى ما يعرف بالموت الفكري (قتل العقل), الذي اصبح وباءا متفاقما على عقولنا وربما على عقول أجيالنا اللاحقة !.
[email protected]