17 نوفمبر، 2024 8:46 م
Search
Close this search box.

الأزمة في العلاقات الايرانية – الامريكية : تحالف جيوستراتيجي ، وخلاف في السياسات !!

الأزمة في العلاقات الايرانية – الامريكية : تحالف جيوستراتيجي ، وخلاف في السياسات !!

منذ أعلن الرئيس ترامپ انهاء نظام الاستثناء من العقوبات المالية والنفطية التي يمكن ان تتعرض لها الاطراف المتعاملة نفطياً وتجارياً مع ايران ، اخذ الموقف يتصاعد بين الطرفين وصدرت بعض الإعلانات من جانب بعض التنظيمات المسلحة المرتبطة بايران ، وخاصة العراقية منها ، وهي تتضمن تهديداً مباشراً باستهداف القوات والمصالح الامريكية في المنطقة ، الامر الذي تذرعت به الولايات المتحدة لإرسال قوة بحرية كبيرة بقيادة حاملة الطائرات ابراهام لنكولن الى منطقة الخليج العربي لحماية مصالحها ومؤسساتها ومواطنيها وردع آية محاولة لاستهدافها ، سواء من قبل القوات العسكرية الايرانية مباشرة او من قبل وكلائها المنتشرين في المنطقة ، كما تم الاعلان عن إرسال قوات برية الى المنطقة .

خلال الأزمة الحالية حدد الامريكيون أهدافهم بوضوح رغم تعدد التصريحات والاعلانات ؛ هذه الاهداف تتلخص في تصفير صادرات النفط الايرانية لتحقيق مايكفي من الضغوط الاقتصادية التي من شانها اجبار ايران على الجلوس الى مائدة مفاوضات لمناقشة ملفات ثلاث : الصفقة النووية ، التسلّح الصاروخي والسياسات الاقليمية الايرانية وانهاء وجود التنظيمات المسلحة التي تنشط بالوكالة عن ايران في عدد من دول المنطقة .

اذكر انني كتبت العديد من المقالات حول العلاقات الايرانية الامريكية منذ توقيع الصفقة النووية الايرانية ثم بعد ذلك الفوز المفاجئ لترامپ في انتخابات الرئاسة الامريكية ومشروعه المتشدد المعلن منذ بدء حملته الانتخابية ، وفي جميع تلك المقالات حاولت إبراز قضية مهمة وهي انه مهما كانت اجواء العلاقات بين الطرفين فانه ليس من بين الاهداف الامريكية ( ولا الاسرائيلية التي تشكل احدى الديناميات الاساسية في تحديد تلك السياسة وتوجهاتها وأهدافها ) اخراج ايران من معادلات توازن القوى في المنطقة كقوة طائفية تتبنى مشروعاً طائفياً حركياً ، وجزء من ذلك المشروع هو نشر الفوضى الطائفية في دول المنطقة تحت عناوين مختلفة مثل مظلومية الشيعة وضرورة إنصافهم ووضع الأقليات الشيعية ( وعلى نحو ادق نخبها التي تتبنى الطائفية السياسية ) موضعاً يمكنها من التأثير في السياسات الداخلية والخارجية لدول المنطقة وفق معايير طائفية كما لو كانوا أقلية ذات حظوة تستطيع كبح او تعويق اي سياسات ذات طابع وطني او قومي عربي . هذا يقع في قلب الستراتيجية العليا للمشروع الصهيوني المعلن منذ اوائل الخمسينات تحت عنوان ستراتيجية الاطراف ( Periphery ) . كانت هذه الستراتيجية تستهدف توثيق العلاقات ، والتحالف ان أمكن ، مع دول الاطراف غير العربية المحيطة بدول الطوق العربي ، والدوّل المعنية هي تحديداً : تركيا وايران وإثيوبيا .

بعد التغيرات التي شهدها الاقليم خلال الفترة التي اعقبت سقوط النظام الملكي في العراق جرى ( منذ منتصف السبعينات ) تعديل هذه الستراتيجية لتكون ألأطراف موضع التركيز هي الأقليات الدينية والعرقية الى جانب الدول ، وكانت اولى انجازاتها اسقاط نظام الشاه في ايران وإقامة جمهورية إسلامية طائفية بشكل تم تأطيره دستورياً وقانونياً في عصر كانت سمته الاساسية تعزيز مبدأ المواطنة المتساوية لافراد الشعوب بغض النظر عن انتماءاتهم الفرعية ، فنكون في هذه المرحلة قد لمسنا بشكل لالبس فيه تطابق الرؤىالايرانية والاسرائيلية والأمريكية لشؤون الاقليم .

حصلت منذ تبني اسرائيل هذه الستراتيجية تطورات عديدة خطيرة كانت تقود جميعها باتجاه تحقيق هذا الهدف ولعل من اهم إنجازات تلك الستراتيجية هو احتلال العراق وإنهائه كدولة وطنية موحدة وفق الهوية الوطنية كما انتشرت ظاهرة تنمية الحركات الطائفية بكل الوانها في معظم دول الاقليم وخاصة ذات الأغلبية العربية السنية بشكل حركات الاسلام السياسي المتطرف ، اما الأقليات الشيعية فقد تم تعزيز توجهات بعض نخبها لتحويلها الى كيانات ومليشيات طائفية مسلحة داخل الدول ، وكانت تنمو وتزداد قوة في هذا الاتجاه تحت سمع ونظر الولايات المتحدة وهي في قمة حضورها العسكري والسياسي في المنطقة ، وهو امر اثار حيرة المراقبين ، لكن الاداة التي تم استخدامها على الارض هي ايران وأدوات سياستها الاقليمية مثل فيلق القدس وذيوله من التنظيمات المسلحة .

هل نحن ازاء لعبة امم تديرها الولايات المتحدة واسرائيل وتستخدم فيها ايران وأنجزتها بالتعاون مع بعض حكومات المنطقة التي يختلط لديها مفهوم الامن الوطني والقومي بآمن كراسي العروش والرئاسات الدائمية والتي بدت في المشهد العام وكانها تطلق النيران على اقدامها ، وأشير بذلك الى حكومات المشرق العربي التي تكفلت كما هو معلن بتمويل هذا المشروع وتسهيل تحقيقه وتقديم الغطاء السياسي له رغم انها ستكون اول ضحاياه .

هذه في المجمل هي الفلسفة الكامنة وراء تطورات الاحداث في المنطقة والخيط الذي يربط جميع الاحداث التي طرات خلال الفترة الزمنية التي نتحدث عنها .. ثم جاءت قصة المشروع النووي الايراني والمآلات التي اتخذها انتهاءاً بالصفقة النووية التي أبرمت خلال عهد الرئيس اوباما وعارضها من يعرفون بالصقور في اوساط النخبة السياسية الامريكية واليمين الاسرائيلي وبعض حكومات الخليج وفي المقدمة المملكة العربية السعودية ، ثم انتهى الامر بعد رحيل ادارة اوباما الى ماهو عليه الوضع الحالي .

هل كان ذلك هو الذي جعل هذا التحالف الجيوستراتيجي ان يتفكك ؟! الجواب في منتهى البساطة انه لم يتفكك بل تم تحقيق اهم أهدافه ، وقد ان الاوان للاطراف المنخرطة فيه ان تعيد حساباتها واصطفافاتها وتوزيع مكاسبها ، والهدف الذي تم تحقيقه هو تغييب العرب واهم قواهم عن ساحة الفعل في الساحتين الدولية والإقليمية .. لقد تم تدمير قوتي العراق وسوريا بفعل فاعل واحد وهو ذات التحالف الذي نتحدث عنه ، وكانت مصر قد اخرجت مبكراً من اللعبة وتم أثقالها بأكوام الفساد والطغيان وماتزال ، وتتم مساومة عربان الخليج على عروشهم كل يوم بلغة قبيحة فجة يقبلونها طائعين خانعين ، ومن يقلب التفاصيل سيجد اسم ايران واسرائيل والقوى العظمى خلف ذلك وبجميع التفاصيل وأدقها !!

أحدث المقالات