17 نوفمبر، 2024 3:32 م
Search
Close this search box.

هل قدِّر لإيران ان تذوق من كأس العراق؟

هل قدِّر لإيران ان تذوق من كأس العراق؟

في مقال سابق هنا بيَّنا كيف يمكن لأمريكا ان تدمر ايران في أية حرب محتملة كما دمرت صدام حسين، بما تمتلكة من أسلحة قادرة على شل حركة ايران تماما. غير ان الكثير من المراقبين يرون ان حرب ايران ستكون بكل المعايير مختلفة عن حرب العراق. بإختصار ، الثمن،يقولون ،سيكون اكبر والنتائج، يتوقعون، أنْ ستكون اسوء، وذلك بغض النظر عن هزيمة ايران المؤكدة.

ايران ليس لديها رغبة ولا مصلحة في الحرب. من هو المجنون الذي يريد الحرب كهدف، ومع من؟ مع امريكا . ها هو النائب الإيراني الذي يوصف بالبارز، حشمت الله فلاحت بيشه، رئيس لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية في مجلس الشورى، يشدد اليوم على أن بلاده لن تخوض، في أي ظرف، حرباً مباشرة أو غير مباشرة مع الولايات المتحدة، واكّد في إشارة الى تبليغ حلفاء ايران بالموقف: “لا يمكن أي مجموعة أن تعلن أنها دخلت حرباً بالوكالة عن الجانب الإيراني”.

هذا أكيد، صدام حسين، ما دمنا في محضر المقارنة، ايضا لم يرد الحرب وقال نصا: “لن نشرب النفط، سنبيعه لأمريكا”. الطرفان، ايران والعراق، لم يكونا يرغبان في الحرب، ولكن مع امريكا، وليس مع الجيران، مع الحيران لا بأس. لقد رأينا الحال مع صدام حسين ونختبر الوضع الآن عياناً مع ايران.

المشكلة ان العالم تدانت زواياه وتشابك مصالحه وارتبطت يومياته بعضها ببعض، الى الحد الذي لا يمكن لدولة ان تقول أنا وليذهب الآخرون الى الجحيم. في مرحلة ما، يصبح التصادم حتمياً مع الآخرين ولات حين مندم. تركت امريكا الحبل لإيران على الغارب منذ ٢٠٠٣ كما فعلت مع صدام حسين بالضبط، ولكن عندما يفلت العقال ويغزو صدام حسين الكويت او تبدأ إيران برنامجاً للتسليح النووي، تصبح الأمور لا تطاق. يتوهم من يظن ان تأزم الوضع بين ايران وأمريكا يعود الى دور ايران الأقليمي وإشعال الحروب في المنطقة ونشر الفوضى وتهديد المصالح الأمريكية. لقد رأينا امريكا، أحياناً، تقاتل مع الإيرانيين وحلفائها في خندق واحد. البرنامج النووي الإيراني هو المحور، ولولا تعقيدات الشرق الأوسط وتعدد الحلفاء والخصوم وتنوع الأزمات والهموم لخضعت الأزمة الإيرانية لنفس نسق المعالجة المتبعة مع كوريا الشمالية ولكن الحديث عن الحرب ابعد ما يكون عن الأذهان.

الآن هناك امر حتمي. ايران ليس لديها الفرصة للتنصل منه. مطالب إدارة ترامب واضحة. إنهاء برنامجها النووي بضمنها عمليات التخصيب في نطنز وغلق مفاعلات الماء الثقيل في آراك. اطلاع منظمة الطاقة الذرية على الأبعاد العسكرية السابقة للبرنامج واين كانت قد وصلت؟. التعهد بعدم العودة اليها. إيقاف برنامج الصواريخ البالستية والتخلص من المخزون البعيد المدى. اضافة الى مطالب عرضية اخرى مثل إطلاق سراح المحتجزين الأمريكيين وشركائهم وحلفائهم. إنهاء دعم المنظمات التي تعتبرها امريكا إرهابية مثل حزب حسن نصرالله وحماس والجهاد الإسلامي. احترام سيادة العراق وحل الحشد الشعبي واية ميليشيات اخرى مرتبطة بها بما في ذلك الحوثي ودعم الحل السياسي في اليمن. سحب قواتها من سوريا بشكل كامل. الحد من عمليات فيلق القدس الخارجية في المنطقة والعالم بضمنها الهجمات السايبيرية. التوقف عن السلوك العدواني ضد جيرانها، وهم في غالبيتهم حلفاء أمريكا وعلى رأسهم إسرائيل والسعودية والإمارات. وأخيرا عدم تهديد الملاحة الدولية في الخليج.

إدارة ترامب عازمة على هذه المطالب وتريد تحقيقها سواءاً بالحصار او بالحرب. ايران تدرك خطورة ذلك وتعلم ان في الرضوخ لهذه المطالب نهاية مشروع الجمهورية الإسلامية ووأد تجربة ولاية الفقيه. لهذا فإن كل مساعي ايران تنصب في تأجيل الإستجابة للمطالب الأمريكية قدر الإمكان لحين انتخابات الرئاسة الأمريكية عام ٢٠٢٠، على أمل ان يفشل ترامب في الفوز بفترة ثانية، وذلك بناءاً عل نصيحة سرية من جون كيري وزير خارجية أوباما. غير ان هذا التخطيط المبني على نصيحة كيري من جهة وعلى سمعة الإيرانيين وخبرتهم التاريخية المعروفة بالتسويف والمماطلة من جهة اخرى قد ينقلب وبالا عليها لأن تراجع فرص ترامب في الفوز بفترة رئاسية ثانية قد يعجل من قرار الحرب لأن الحرب عندئذٍ ستكون حصان طروادة لكسب الرأي العام من جديد. أما إسرائيل فلن تفوت فرصة وجود رئيس مثل ترامب في البيت الأبيض وستدفع بكل ما أوتيت من مكر وخبث نحو الحرب قبل رحيله.
على كل حال، الشد والجذب بين الولايات المتحدة وإيران، يذكِّر العديد من المراقبين بفترة الإستعداد للغزو الذي قادته الولايات المتحدة وشنته على العراق عام ٢٠٠٣، وكيف ان احتمالات الحرب كانت تتأرجح بين الحدوث وعدمه. بل ان بعض الشخصيات الموجودة في الساحة الآن ويحركون الأحداث هم انفسهم، مثل جون بولتون، مستشار ترامب للأمن القومي. لعب بولتون دورا مفتاحياً في بناء الغزو الذي اقدم عليه جورج دبليو بوش على العراق عندما كان نائب وزير الخارجية لشؤون السيطرة على الأسلحة والأمن العالمي، عن طريق تلفيق التهم ضد العراق، وهو ما المح اليه محمد جواد ظريف عندما اخبر المراسلين يوم الثلاثاء الفائت ان المتطرفين في الإدارة الأمريكية يحاولون زوراً تحميل إيران مسؤولية حادث السفن في الخليج وقصف المنشآت النفطية السعودية وضرب محيط السفارة الأمريكية في بغداد.

إيران كما هو واضح، تختلف بشكل ملحوظ مقارنة بعراق ٢٠٠٣، وان أساليب الحرب التي قد تلجأ إليها ايران ستكون أيضاً مختلفة بالتأكيد. على الأقل، إيران بلد اكبر من حيث المساحة والنفوس. سكان العراق عند شن الغزو كان ٢٥ مليون نسمة بينما سكان إيران اليوم بحدود ٨٢ مليون نسمة. مساحة إيران ٥٩١ الف ميل مربع بينما مساحة العراق ١٦٨ ألف ميل مربع. الجيش العراقي كان تقريبا اقل من ٤٥٠ ألف فرد مقابل ما يعتقد انه ٥٢٣ ألف جندي إيراني في الخدمة الفعلية و٢٥٠ الف جندي احتياطي جاهز للإنخراط في الحرب مباشرة، غير ان العامل التعبوي الأهم من المساحة والسكان وعديد المقاتلين هو موقع إيران.

بخلاف العراق، ايران قوة بحرية يحدها بحر قزوين من الشمال ومن الجنوب يحدها كل من الخليج العربي وخليج عمان وتشترك براً مع عدة حلفاء لأمريكا، ولكنهم غير مضمونين مثل العراق وتركيا وباكستان وافغانستان بينما كان العراق محاطا بخصمين، ايران وسوريا وحلفاء موثوقين لأمريكا، لم يترددوا في القيام بدور مساعد للأمريكيين سرا او جهراً.

صحيح ان موقع العراق ايضا كان حلقة وصل بين اسيا واوربا الا انه لم يكن بحال، لَيرتقي الى تأثير ايران ودورها الفعال. ثلث نفط العالم يمر في مضيق هرمز الذي يقع تحت إبط ايران. أضيق مسافة الى ساحل عمان لا تتعدى ميلين. انسداد المضيق وتعطيل الملاحة عبره سوف يمنع ٣٠٪؜ من إمدادات النفط العالمية، وتلك حالة لا يمكن للغرب تحملها.

طبعا لا يمكن مقارنة القوة العسكرية للجانبين، الميزان ليس في صالحة ايران ولو بنسبة ١٪؜ الا ان ايران طالما لجأت الى أدوات وإستراتيجيات غير متوقعة، بعيدة عن الحسابات التقليدية، قد تمكنها من إلحاق المزيد من الأذى بالولايات المتحدة ومصالحها وحلفائها في المنطقة.

الحرس الثوري، وهو جيش موازي يتألف من عدة فيالق مثل فيلق القدس، فيلق ولي الأمر، القوة الفضائية الجوية، قوات التعبئة الشعبية- الباسيح، يقدر بحوالي ٤٢٠-٥٠٠ الف فرد، ويتفوق على الجيش النظامي نفسه من حيث القدرات التكتيكية، وربما الإستراتيجية. الحرس الثوري واحد أدوات النظام المهمة. جيش عقائدي يدين بالولاء المطلق للمرشد الأعلى خامنئي. فيلق القدس، ذراعه الخارجي (يضطلع بالعمليات الخارجية) ، نجح في زرع وكلاء يشار لهم بالبنان في كل من العراق وسوريا ولبنان واليمن، بعضهم مثل حزب حسن نصرالله قوة قائمة بذاتها ويمكن اعتباره جيشا ثالثاً. ايران اعتادت على استخدام هؤلاء لضرب المصالح الأمريكية. على سبيل المثال، وجدت مراجعة أمريكية أوائل العام الجاري، قام بها البنتاغون، ان حلفاء ايران قتلوا ما لا يقل عن ٦٠٨ من الجنود الأمريكيين بين ٢٠٠٣ و ٢٠١١ ، ويمكن لإيران من خلالهم اعادة الفوضى مرة اخرى الى العراق وأفغانستان ولبنان وزعزعة الأمن العالمي من جديد.

أما في المياه فإن البحرية الإيرانية تمتاز بالعديد من نقاط القوة، تستطيع من خلالها مواجهة الولايات المتحدة نوعا ما وجعل مغامرة الحرب اكثر مرارة ان هي اقدمت عليها وخاضتها. ايران ليست بحاجة الى حاملات طائرات او سفن حربية عملاقة وغواصات، وإنما الغام بحرية وقوارب سريعة الحركة مدججة بالسلاح والعتاد لغلق المضيق وتعطيل الملاحة في الخليج، وهي متوفرة بشكل هائل مع الحرس الثوري الذي أنيطت به مسؤولية امن الخليج.

ثم أخيرا هناك برنامج الصواريخ البالستية الذي يشكل محور التهديد الحقيقي لأمريكا ومصالحها وحلفائها. دراسات متخصصة عالمية تصف البرنامج الصاروخي الإيراني بأنه الأكبر والأوسع والأخطر في الشرق الأوسط كله. دور البرنامج الصاروخي الإيراني يمتد الى خارج الحدود في لبنان واليمن ، وأخيرا في العراق كما صرح بذلك إياد علاوي مؤخراً. حزب حسن نصرالله فقط يمتلك حسب التقديرات ١٣٠ الف صاروخ.

تتمتع ايران إذن، ببعد جغرافي وجيش عقائدي وتكتيك بحري وقدرة صاروخية ونفوذ واسع، ولكن السؤال هو: الى اي مدى ستسنح الفرصة للإستفادة من هذه العوامل في حالة نشوب الحرب؟، الجواب: الفرصة محدودة جدا إن لم تكن معدومة. مع ذلك مثل هذه الحرب لن تحدث الا اذا هاجمت ايران القوات الأمريكية او مصالحها بشكل مباشر او استأنفت برنامجها النووي ولكن الذي لا شك فيه ان على ايران ان تستجيب للمطالب الأمريكية وان مشروع الجمهورية الإسلامية اصبح على المحك وان تجربة ولاية الفقيه توشك على الأفول. بالضبط كما هو الحال مع المشروع القومي لصدام حسين وتجربة حزب البعث العربي الإشتراكي.

أحدث المقالات