لقد اثبتت الدبلوماسية انها الطريقة المثلى والصيغة الاكثر عقلانية وعملية للتعامل في مختلف الاوقات وفي اكثر المجالات، بما في ذلك ادارة الحوار او التفاوض بين اشخاص منفردين او مجاميع او بين شعوب او دول. وهي تشكل من حيث المبدأ، تراكما معرفيا مبنيا على خبرة طويلة في العلاقات بين الدول. وتعتبرالدبلوماسية التقليدية، الصيغة الانجع لادارة العلاقات الدولية التي تقودها هيئات وشخصيات دبلوماسية.
في حين تعتبر الشائعة صيغة منظمة لنشر اخبار او معلومات، يراد منها الحصول على نتائج وردود افعال تتناسب مع الاهداف المرسومة لها. وقد تم العمل باسلوب الشائعات (الترويج) منذ ازمان بعيدة، وان تطور وسائل الاعلام الجماهيرية، المقروءة منها او المسموعة او المرئية، وتوسعها الهائل، جعل من السهولة نشر الشائعات في اوساط واسعة من المتلقين، حتى يطلق البعض على الشائعة تسمية ” الدبلوماسية الشعبية”.
ان الثورة المعلوماتية في المجتمعات المفتوحة، وحتى المغلقة منها، اربكت بعض الحكومات فأصبح من الصعب السيطرة على مصادر المعلومات، وبالتالي الحوؤل دون وصولها الى المتلقي. حتى ان محاولاتها احيانا لتحريف الحقائق وتشويهها، بدأت تنكشف وتتدنى مصداقيتها لدى شعوبها والرأي العام المحلي والدولي.
واذا كانت لغة الحرب هي التي سادت في فترات معينة، فأن لغة الدبلوماسية السياسية وحكمة الانسان هي التي اصبحت لغة التعامل الدولي في زمن العولمة، حيث يعيش العالم كله في قرية صغيرة، تتفاعل ثقافات شعوبها وتتبادل وتتعاطى سلميا مع الاحداث. لذا تم توظيف الدبلوماسية لبناء العلاقات السليمة وتحجيم الصراعات عبر ادراك طبيعة وحاجة البلدان الاخرى وثقافاتها وخصوصية شعوبها، وبالتالي البحث عن النقاط المشتركة لجهة خلق وشائج وعلاقات انسانية. وكلما تعززت مثل هذه العلاقات، تنجح الدبلوماسية في تحقيق الاهداف المرجوة منها.
وبغية الوصول الى تلك الاهداف، يتطلب من الدول والمؤسسات المعنية العمل على اتقان واحتراف فن العمل الدبلوماسي الذي يعمل وفق مبادئ ثلاثة: التواصل عبر الاحتكاك والتماس اليومي وخلق الانسجام والانسيابية بين العمل الدبلوماسي ودائرة الاخبار والمعلوماتية، وتكثيف الاتصالات الاستراتيجية، وخلق علاقات طويلة الامد مع شخصيات ووجوه سياسية وثقافية واجتماعية. وتتفاوت الخبرة المتراكمة لدى الدول والافراد من حيث العمل والتعامل الدبلوماسي مع مستوى التطور في علاقات الانتاج والمجتمع المدني والوعي الاجتماعي للفرد والمجتمع.
ان طريقة مخاطبة الجماهير، هي من اولويات الاتصال المؤثر والناجح. فالشائعة والترويج تؤثران على عقل المتلقي المستهدف من خلال التعرض الى ثقافته، واشراك شرائح من المجتمع لإثبات مصداقيتها وازالة الشكوك حولها. و تلعب الشائعة دورا في نشر الفوضى والتشتت وتقوم بتأجيج سلوك الناس وتصعيد مواقفهم، بدلا عن جرهم الى لغة حضارية وحوار هادئ ومفتوح. وتشترك الشائعة مع الدعاية في العديد من الامور، حتى يقال ان العملية الدعائية لاتتعدى كونها إشاعة توظف لناتج تجاري.
وتعمل الشائعة على حشو ادمغة المتلقين بالافكار والمعلومات لجهة تحييد مواقفهم وعدم الاعتراض او رفض الافكار والمفاهيم المروجة. والشائعة، حسب العالم البريطاني اف.ام. كورنفورد، هو ذلك الفن من الكذب الذي يركز على تضليل الاصدقاء، دون ان يتحمل عناء تضليل الاعداء. وفي الوقت الذي استخدمت الشائعات كأدوات لاشعال التمردات وحالات الرفض والتعجيل من تأجيج النزاعات العدوانية في العالم، فان وسائل الاعلام الحيادية التي تتمتع بالاستقلالية، تلعب دورا بالغ الاهمية في حياة بعض المجتمعات، من خلال نزع فتيل النزاعات العدائية وتبديلها بصراعات مدنية وحضارية.
لقد ابدت دبلوماسية عصبة الامم في العشرينات والثلاثينات، ومن ثم الامم المتحدة ابتداء من عام 1945 قدرة على معالجة المشكلات المحلية والاقليمية والدولية، نتيجة ما تكدس لديها من معارف وخبرات وادوات وآليات لمعالجة المشكلات الدولية الثنائية ام المتعددة الاطراف. ولا تكمن اهمية الدبلوماسية في مواجهة المشكلة حين تتأزم وتتحول الى نزاع يصعب حله، بل في معالجتها حال ظهورها، وقبل استفحالها وتحولها الى صراع ونزاع سياسي وعسكري.
ان الدبلوماسية قادرة على معالجة المشكلات المعقدة بين الدول وتلك القائمة في البلد الواحد. وهي مسألة ذات اهمية فائقة خاصة عندما ترتبط القضية بالصراعات القومية وبروز مظاهر الشوفينية والعنصرية في التعامل مع هذه القضايا من جانب النظم الحاكمة في البلدان المختلفة. ورغم بروز الاتجاهات الارهابية الجديدة لدى الحركات المتطرفة في العالم، الا ان الدبلوماسية قادرة على تعبئة الرأي العام العالمي والمجتمع الدولي لمواجهة هذه الظاهرة.
أما الإعلام فيعبرعن علاقة أخرى في المجتمع الواحد وعلى الصعيد الدولي، فهو يجسد نبض الشارع والناس والدولة في آن واحد. وهو في علاقته المباشرة مع الناس، خاصة في ظل التقنيات الأكثر حداثة وتقدماً، قادر على الوصول إليها والتأثير فيها وفي الأحداث الجارية سلباً أو إيجاباً. وهو يجسد الخبرة التاريخية الطويلة، لكنه ليس بعمر وخبرة الدبلوماسية السياسية.
وإذا كانت الدبلوماسية تشمل مختلف جوانب العلاقات الدولية، فإن مجال الإعلام أوسع من ذلك بكثير. ويمكن للاعلام الواعي والمسؤول أن يساهم في معالجة مختلف مشكلات العالم من خلال دراستها من مختلف جوانبها وفهم تعقيداتها وتقديم تصورات وحلول عملية، وبالتالي الدفع باتجاه التزامها لصالح الطرفين المتنازعين بعيداً عن إثارة الصراعات وتشديد النزاعات. وللاعلام دور أكثر تعقيداً فهو سلاح ذو حدين يعتمد على سبل التعامل به ومدى نضوج الوعي السياسي والاجتماعي في الهيئات الإعلامية وفي المجتمع كذلك، لإن وعي المجتمع يلعب دورا في التأثير المباشرعلى الإعلام، والعكس صحيح.
لا يمكن للدبلوماسية أن تستغني عن الإعلام في توضيح المواقف للرأي العام، ولا للإعلام أن يلعب دوره الفعال دون التفاعل مع الدبلوماسية ومعرفة المواقف والحجج والتحليل للمشكلات القائمة. وهما يشكلان ركنان أساسيان في العلاقة بين الشعوب والدول ويتبادلان الفعل والتأثير.
ويمتلك الإعلام قدرة على التفاعل مع مختلف الفئات الاجتماعية ويوفر المعلومات الضرورية للمشاكل المطروحة على بساط البحث ويستطلع آراء الناس حولها ويبدأ بتشكيل رأي عام وفق الوجهة التي يلتزم بها، سواء أكانت محلية أم إقليمية أم دولية، وسواء أكانت سياسية أم اقتصادية أم اجتماعية أم ثقافية أم عسكرية أم بيئية أم مرتبطة بحقوق الإنسان.
كما يمكن للاعلام أن يمارس دوراً ضاغطاً على العمل الدبلوماسي في معالجة المشكلات إما تعقيداً وتشديداً في المواقف أو تخفيفاَ وتسهيلاً. ولاتخضع المسألة لطبيعة المشكلات المطروحة فحسب، بل لمستوى الإعلام ذاته ومدى استقلاليته وحياديته والوعي الإعلامي والمجتمعي. وغالباً ما يحصل تصادم بين الإعلام والدبلوماسية في مواجهة العديد من المشكلات، إذ ليس سهلاً إيجاد لغة مشتركة باستمرار بينهما، فالدبلوماسية غالباً ما تكون بيد الدولة في حين يتوزع الإعلام بينها وبين جماعات في البلدان التي لا تسودها النظم الشمولية.
وهنا يمكن القول بأن الدبلوماسية تختلف من بلد إلى آخر بحكم خمسة عوامل مهمة تتلخص في:
1. طبيعة النظام السياسي ومدى توفر الحرية والديمقراطية للفرد والمجتمع.
2. مدى تمتع وسائل الاعلام بالحرية والاستقلالية في التعبير، ومدى خضوعها لاحتكار الدولة أو احتكار شركات عالمية تفرض رقابة على العمل الإعلامي والنشر ووصول المعلومة.
3. وعي المجتمع من النواحي السياسية والاجتماعية بشكل خاص ومدى قدرته في الوصول إلى المعلومة.
4. مستوى تطور وعي الإعلاميين وقدرتهم على التعبيرعن القضايا المطروحة ومدى إخلاصهم للمهنة التي يعملون فيها.
5. دور الدولة في المجاهرة ونشر المعلومات الضرورية المطلوبة للتعريف بجوانب المشكلات المثارة.
ان تجارب السنوات الماضية تقدم لنا صورة واضحة عن الدور الذي يمكن أن تلعبه الدبلوماسية ووسائل الاعلام غير المرتبطة باجندات سياسية او عقائدية او دينية في حل المشاكل بالطرق السلمية والحد من الصراعات المحلية والاقليمية، وتوعية الناس وتأهيلهم، على عكس الشائعة، التي تقوم بتأجيج الصراعات وتعقيدها وتصعيدها الى درجة اشعال الحروب المحلية والإقليمية. ويمكن لمنطقة الشرق الأوسط أن تقدم صورة أكثر واقعية عن دور الدبلوماسية والاعلام الهادف وعلاقتهما المتبادلة في الموقف من المشكلات القائمة اليوم في العالم، اضافة الى الدور الذي تلعبه الشائعة في المجتمعات التي تزداد فيها نسبة الامية وتنعدم الحصانة الفكرية.