يبدو العنوان غريبا والفكرة غير مطروقة , لكن القراءة السلوكية للواقع العربي والإقليمي بعد إحتلال الإتحاد السوفياتي لأفغانستان , يشير إلا أن القوى المعادية له قد وظفت المنطقة العربية وما جاورها لمواجهة هذا التوسع والتحدي , الذي يهدف إلى زعزعة الإرادة المواجهة له فيما سمي بالحرب الباردة.
فبعد الغزو السوفياتي لأفغانستان , تغير النظام في إيران , وكذلك العراق , وإنطلقت الحملات الجهادية من دول الخليج بقدرات بشرية ووعظية ومالية وتسليحية هائلة , وتطورت وتقوت طالبان , وتنامت الحركات التي ترفع رايات الإسلام , وتعاظمت قدراتها وقوتها في المجتمعات , وإنطلقت الحرب العراقية الإيرانية , وتوالت النواكب والتداعيات والحروب والويلات , بلا إنفكاك , بل تفاقمت وتطورت وأصابت البلاد والعباد بالدمار والخراب والترويع والتهجير المرير.
وكان لإستنهاض الأفكار والمعتقدات الدينية أسلوب لضرب عصفورين بحجر واحد , فهي تحارب الشيوعية من جهة وتتقاتل مع بعضها من جهة أخرى , وما أن إنتهى إحتلال أفغانستان حتى تأهلت المجاميع والأنظمة والأحزاب للتقاتل المتوحش مع بعضها , ولا تزال مسيرة التصارعات الدامية الفتاكة على أشدها في بلدان المنطقة , وقد تخربت العديد من دولها والبقية على جدول الدمار الأكيد.
وأصبح العالم أمام مواجهة صعبة كلفته الكثير من الأموال والجهود والطاقات , وإستنزفت إقتصاده وزعزعت أمنه وإستقراره , لأن الحسابات كانت غير واعية تماما , وكانت مرهونة بتحقيق هدف محدد وحسب , وتوهمت بأنها ستتعامل مع المجاميع التي أوجدتها بعد أن تنتصر على عدوها الأكبر.
وتجدنا اليوم أمام مواقف صعبة ربما ستكلف البشرية أضعاف ما كلفته لحد الآن , لأن الواقع العالمي قد أتعبته الحالة وأرهقته وأصابته بالأرق , ولا بد من المواجهة الشرسة للتخلص من تداعياتها التي ما عادت تطاق , وهذا يعني أن العالم عليه أن يدمر ما أوجده لمواجهة الإتحاد السوفياتي , وأن يستعد لمواجهة أخرى عنوانها القوة وليست العقيدة , كما يُراد أن تُصوّر بإستبدال العقيدة الشيوعية بعقيدة دينية على أنها هي المعادية للدول المتقدمة والمجتمعات الحرة.
إن المشكلة الحقيقية ليست كذلك , ولا بد من تغيير واقع الحال الذي تأكد في نهاية العقد الثامن من القرن العشرين , لكي تعود الأمور إلى نصابها , وإن تحقق الفشل في إنجاز هذا الهدف , فأن الدنيا ستواجه صراعات دامية ما بين الأصوليات الدينية بأنواعها , وهذا يعني أن الدنيا بمدنها ودولها ستتحول إلى سوح معارك وميادين حروب , أي أن سقر قد حضرت في الدنيا رغم إرادة البشر.
فهل ستنتصر القوى القوية وتتعلم الدرس الصعب , الذي عنوانه , لا تتدخلوا في شؤون الآخرين , ودعوا الناس وحالها , ولا تسخرونهم لتحقيق مصالحكم , لأنهم سيكتشفون اللعبة ويكون الرد مروعا!!