خاص : كتبت – نشوى الحفني :
في خطوة تركية جديدة تستهدف إنقاذ الاقتصاد التركي من إنهياره المستمر، تتجه “تركيا” إلى فرض ضريبة بنسبة 0.1 في المئة على تحويلات ومعاملات العملات الأجنبية.
وستفرض الضريبة على المتعاملين بالعملات الأجنبية، وذلك بحسب قرار رئاسي صدر، الأربعاء الماضي، ونُشر في الجريدة الرسمية.
ولن تشمل الضريبة التحويلات التي تتم بين البنوك أو تلك الخاصة بالبطاقات الائتمانية، ولكنها ستقتصر على سوق صرف العملات الأجنبية؛ والذي وصلت قيمته، في شهر نيسان/أبريل 2019، إلى 3.6 مليار دولار، طبقًا لبيانات صادرة عن “البنك المركزي التركي”.
الحكومة التركية تلجأ لإستراتيجيات صارمة لتثبيت سعر “الليرة” مقابل “الدولار”، كالضغط على المُقرضين المحليين للإمتناع عن توفير سيولة للمستثمرين الأجانب، رغم نفي المسؤولين الماليين تبني أية تدابير وضوابط على رأس المال، وهي الإجراءات مثل الضرائب على المعاملات أو الحظر الصريح للحكومة، والذي يمكن أن يستخدم لتنظيم التدفقات من أسواق رأس المال داخل وخارج حساب رأس المال في البلاد.
مغادرة 4 آلاف مليونير..
كما ألقت الأزمة الاقتصادية، التي تعاني منها “تركيا”، بظلالها على حجم الاستثمارات الداخلية، إذ أكدت دراسة أعدها “مركز الهجرة الدولية للثروات” أن نحو 4 آلاف مليونير غادروا “تركيا”، في 2018، لتحتل “تركيا” الترتيب الرابع في قائمة الدول التي هرب منها رجال الأعمال.
وأكدت الدراسة أن “تركيا” تعاني من أزمة اقتصادية كبيرة وصلت ذروتها، في شهر آب/أغسطس الماضي، وأدى ذلك لفقدان العملة ما يقرب من ثلث قيمتها، وهو الأمر الذي ألقى بظلاله على جميع مجالات النشاط الاقتصادي في البلاد، وأثر بالسلب على الاستثمارات.
وأوضحت دراسة “هجرة الثروات الدولية” عن احتلال “تركيا” المرتبة الرابعة عالميًا ضمن أكثر الدولة التي يغادرها الأثرياء، فيما تصدرت “الصين” القائمة؛ حيث غادرها نحو 15 ألف مليونير، وجاءت “روسيا” في المرتبة الثانية، تلتها “الهند” في المرتبة الثالثة بواقع 5 آلاف مليونير، ثم “تركيا” في المرتبة الرابعة بواقع 4 آلاف مليونير.
في حين جاءت “أستراليا” لتتصدر قائمة أكثر الدول التي يهاجر إليها الأثرياء، حيث استقبلت البلاد، خلال عام 2018، حوالي 12 ألف مليونير، وجاءت “أميركا” في المرتبة الثانية برصيد 10 آلاف مليونير، ثم “كندا” في المرتبة الثالثة برصيد 4 آلاف مليونير.
وأشارت إلى أنه من بين 90 دولة، احتلت “تركيا” المرتبة الثانية ضمن أكثر الدول إنكماشًا للثروات بعد “فنزويلا”؛ التي سجلت تراجعًا سنويًا بلغ 25%، حيث تصدرت كل من “كراكاس” و”إسطنبول” على التوالي، قائمة “أسوأ الاقتصاديات في العالم” بمعدلات تضخم قاربت المليون في المئة، كما تراجعت أسواق الأصول التركية، خلال العام الماضي، إلى مستويات قياسية بلغت 23%.
بيع مليار دولار..
في الوقت ذاته؛ قامت بنوكًا حكومية تركية، بما في ذلك “البنك الزراعي”، وهو الأكبر من حيث الأصول، ببيع مليار دولار، وخلال ساعات تعاملات الأسواق الخارجية، لكبح انخفاض في قيمة “الليرة”، بحسب (رويترز).
كما تراجعت “الليرة” التركية متجاوزة مستوى 6.24 مقابل “الدولار”، لتسجل أضعف سعر لها في 8 أشهر، وسط بواعث قلق بشأن إعادة انتخابات رئيس بلدية، وهوت “الليرة” إلى أضعف مستوى لها، منذ 24 أيلول/سبتمبر 2018، حيث انخفضت نحو 1% عن مستوى إغلاقها السابق عند 6.7190.
بسبب إعادة انتخابات “إسطنبول” وقرار “المركزي”..
ودفعت المخاوف، بعد قرار إعادة انتخابات “إسطنبول”، في 23 حزيران/يونيو 2019، المستثمرين للهروب برؤوس أموالهم من السوق التركية، حيث يتسبب قرار إعادة الانتخابات في حالة من عدم التيقن بشأن خطة “تركيا” لإعادة التوازن والاستقرار إلى الاقتصاد.
بالإضافة إلى ما ساهم فيه قرار “المركزي التركي” بتعزيز احتياطاته من النقد الأجنبي بمليارات الدولارات عبر الإقتراض القصير الأجل، في إثارة مزيد من القلق لدى المستثمرين من أن البلاد تبالغ في قدرتها على حماية نفسها، حال وقوع أزمة جديدة لـ”اليرة”.
توقعات بأزمة كبرى..
وفي استطلاع أجرته (بلومبيرغ)، توقع خبراء اقتصاد أن يشهد الاقتصاد التركي أزمة كبرى، حيث ترتفع أسعار المواد الاستهلاكية بوتيرة أسرع للشهر الثاني على التوالي، إلى جانب ارتفاع معدل التضخم السنوي بنسبة 20.4%.
ومع هذه التوقعات، تصبح مسألة التخفيضات على أسعار الفائدة أمرًا لا مفر منه رغم تحذير محافظ البنك المركزي، “مراد سيتينكايا”، من احتمال تطبيق المزيد من التشديد النقدي، حيث قال، الثلاثاء الماضي، في إسطنبول “قد يتم تطبيق تشديد إضافي على أسعار الفائدة لتحسين المشهد الاقتصادي”.
قد يحدث صعود مفاجيء للتضخم..
وتعليقًا على معدل التضخم، نقلت (بلومبيرغ)، عن الخبير الاقتصادي في (دويتشه بنك)، “كوبيلاي أوزتورك”، قوله: “هناك فرصة لصعود مفاجيء للتضخم مدفوعًا بتنامي أسعار المواد الغذائية، وهو ما قد يؤخر قضية تخفيضات أسعار الفائدة”، مضيفًا: “بمقدور التضخم السريع أن يؤثر سلبًا على سلوك التسعير وتشكيل توقعات المستهلكين”.
ورغم هذا الأداء السلبي، أبقى “البنك المركزي” توقعاته الخاصة بالتضخم دون تعديل لهذه السنة والسنة المقبلة، عند حدود 14.6 و8.2%على التوالي، ومن العقبات التي تحول دون تراجع التضخم في “تركيا” وفق خبراء اقتصاديين، فشل الحكومة في مراقبة أسعار المواد الغذائية وضبطها رغم الكثير من التهديدات والغرامات التي طبقتها على المخالفين، إذ تضخمت أسعار تلك المواد في الربع الأول من العام الجاري لما يقارب 30%، أي ما يمثل تقريبًا ضعف تقديرات “البنك المركزي”.
مخاطر تخفيض شراء العملات..
تعليقًا على الخطوة التركية الأخيرة التي تخفض شراء العملات الأجنبية، علق رئيس إستراتيجي الأسواق الناشئة في بنك “كريدي أغريكول” التجاري الدولي، قائلًا: “يكمن الخطر في كبح شهية المستثمرين الأجانب من توجيه استثماراتهم لتركيا”.
وستجني الحكومة التركية من خطوتها هذه، وفق تقديرات خبراء اقتصاديين، ما يقارب 33 مليون دولار شهريًا لميزانيتها.
بالإضافة إلى ما توقعه المحللون الاقتصاديون أن يكون تعافي الاقتصاد التركي الضعيف، في الربع الأول من العام الحالي، “قصير الأجل”، وذلك في أعقاب انخفاضات متواصلة في سعر “الليرة” مقابل الدولار.
وبحسب بيانات صادرة عن “معهد الإحصاء التركي”، ارتفع الإنتاج الصناعي بنسبة 2.1 في المئة في الفترة الواقعة بين شباط/فبراير وآذار/مارس 2019، وذلك بفضل النمو بقطاع التعدين.
توقعات بحدوث تراجع مضاعف..
فيما لم يستبعد الخبير الاقتصادي في مؤسسة (نومورا إنترناشيونال)، التي تتخذ من “لندن” مقرًا لها، “إنان ديمير”، حدوث “تراجع مضاعف” مدفوع بالانخفاضات المتسارعة لـ”الليرة”، الأمر الذي سيعيق الطلب المحلي، ويفرض ضغوطًا على الشركات التركية، التي تنوء تحت عبء ديون تبلغ قيمتها 315 مليارات دولار.
وأضاف “ديمير”: “سيؤثر تقلب السوق المالية، منذ أواخر آذار/مارس 2019، إلى جانب الشكوك السياسية المستمرة، على النشاط الاقتصادي بتركيا في الربع الثاني”.
موضحًا أنه: “قد تكون بيانات الإنتاج الصناعي دليلًا على خروج الاقتصاد التركي من الركود في الرابع الأول، إلا أن التذبذبات الأخيرة في سعر الليرة سيمثل خطرًا حقيقيًا على الاقتصاد الذي سيغرق في بحر من الركود بوقت لاحق من هذا العام”، وفق ما نقلت وكالة (بلومبيرغ).
قد ينجح بشروط..
ومن جانبه؛ قال كبير الاقتصاديين في بنك (آي. إن. جي. بنك أي. إس)، “محمد ميركان”: “تشير بيانات الإنتاج الصناعي لبعض الاستقرار، إذ تعافى الإقراض بدعم من البنوك المحلية، وإدخال عدد من تدابير التحفيز، إلا أنه لا يمكن ضمان المحافظة على مثل هذا الأداء كون نشاط الإقراض يفقد زخمه في الربع الثاني؛ بينما تظل المخاطر السلبية جاثمة على صدر الإنتعاش الاقتصادي”.