لم يكن من قبيل الصدفة أن تحرص الإدارة الأمريكية وبدعم قوي من قبل الحكومة الإيرانية على إجراء أية انتخابات عامة حرة ونزيهة ، في بلدي العراق تحت الاحتلال الأمريكي الإيراني ، في العراق ، وتغض النظر كلياً عن ديكتاتوريات متجذرة ومتبحرة في قمعها لشعوبها في معظم الدول العربية الأخرى . فالأهداف الأمريكية بدأت تتكشف في انصع صورها الآن ، بعد 16 عام ويزيد على احتلال العراق . الإصرار الأمريكي القديم على الاستفتاء الشعبي على الدستور العراقي أولا ، ثم إجراء انتخابات عامة لاختيار برلمان حقيقي منتخب ، وحكومة تتمتع بالأغلبية فيه ، لم يكن من منطلق الحرص على الشعب العراقي ، وتمتعه بالحريات ، وتحسين ظروفه المعيشية ، وإنما لجر هذه الحكومة ومن ثم البرلمان ، لتشريع المعاهدة الأمنية ، التي تنص على أقامة قواعد عسكرية أمريكية دائمة في العراق وإحكام سيطرة الشركات الأمريكية على ثروات العراق النفطية ، من خلال القانون الجديد المتعلق بالاستكشافات وعمليات التنقيب عن النفط . الإدارة الأمريكية تريد أن تعقد معاهدة أمنية مع حكومة عراقية منتخبة ، ويصادق عليها برلمان منتخب ، ولهذا عملت منذ الأشهر الأولي لاحتلالها علي التمهيد لهذه الخطوة ، بكل الطرق والوسائل ، وبما يؤدي إلى وصول رجالاتها من العملاء المتواجدين على الساحة السياسية بقوة في العراق الجديد الآن الذين جاءوا مع قواتها من الخارج إلى دائرة صنع القرار .فاللافت أن هذه الإدارة تمسكت بأظافرها وأسنانها بالسيد نوري باشا المالكي عاهل العراق الجديد حفظة الله لدولة أمريكا وللجارة العزيزة إيران ورهطه الكرام وحكومته ، رغم إخفاقاتها العديدة في مجالات الأمن والمصالحة الوطنية وضبط الفساد والأكثر من ذلك أنها أرسلت إيران قوات إضافية من اجل تحسين الأوضاع الأمنية في بغداد والمحافظات القريبة من بغداد اقصد هنا الغربية منها ، وأجبرت أمريكا حلفاءها العرب ، أو معظمهم ، على التطبيع مع هذه الحكومة وإعادة فتح السفارات في بغداد لإضفاء صفة الشرعية عليها , العراق الجديد يفتقد لمعظم أوجه الحياة العادية , من خدمات أساسية مثل الماء والكهرباء والأمن والتعليم والصحة ، ويغادره أبناؤه بعشرات الآلاف شهرياً ، والشيء الوحيد الباقي شكلياً هو الديمقراطية الأمريكية التي قتلت الملاين من أبناء الشعب العراقي ، وبهدف توقيع معاهدة الأمن وقانون النفط وبما يؤدي إلى ديمومتهما، وشرعيتهما، ومنع أي حكومة في المستقبل من إلغائهما. دستور العراق الجديد يقسم العراق على أسس طائفية وعرقية تحت مسمي الفيدرالية ، وحكومة تتفاوض حالياً على رهن العراق وثرواته وسيادته في إطار اتفاقية أمنية مع الولايات المتحدة تمتد لعقود قادمة .