18 ديسمبر، 2024 11:54 م

الحرب المنسية.. (الحرب العراقية ـ الإيرانية..أنموذجاً للإستراتيجية الأمريكية)

الحرب المنسية.. (الحرب العراقية ـ الإيرانية..أنموذجاً للإستراتيجية الأمريكية)

(الرجاء قراءة المقالة بتركيز ليكون لديك الصورة الكاملة غير المنظورة.. عما يجري الآن بين العراق وإيران وأمريكا والمنطقة)!!
أريك ساليرنو صحفي ايطالي مختص في شؤون السياسة الدولية.. يعمل في صحيفة المساجيرو.. اليومية المستقلة التي تصدر في روما.. تنبأ بتفكيك الاتحاد السوفيتي.. وانهيار المعسكر الاشتراكي.. وتحول دوله إلى النظام الديمقراطي.. زار معظم الدول العربية.. ولا يؤمن بوجود حاكم عربي يمتلك سيادة بلده.. يصنفه الايطاليون بأنه مؤيد للعرب لمواقفه الايجابية من القضية الفلسطينية.. تعرفتُ (أنا كاتب هذه المقالة) عليه في روما العام 1979.. وكانت لنا لقاءات عديدة نتحدث فيها: في السياسة.. وفي الصحافة والإعلام.. وعن الجمال.. والحب.. والسينما.. والفن.. كان صريحاً.. وله آراء كثيرة نختلف بها.. لكن علاقتنا تعززت.
في السادس من أيلول العام 1980 زار روما عزة الدوري نائب رئيس مجلس قيادة الثورة.. على رأس وفد كبير لحضور اجتماعات اللجنة العراقية ـ الايطالية المشتركة.. وكانت العمليات العسكرية على الحدود العراقية ـ الإيرانية قد بدأت منذ يومين.. في نهاية اجتماعات هذه اللجنة.. التي استمرت خمسة أيام عقد الدوري مؤتمراً صحفياً في مبنى السفارة العراقية في روما.. كان من بين الحاضرين أريك ساليرنو.. كما كنتُ (أنا كاتب هذه المقالة) حاضراً المؤتمر أيضاً.. ركز الدوري فيه على الحرب العراقية ـ الإيرانية مؤكداً إنها حرب حدود لا أكثر ولا أقل.
سأل ساليرنو (النائبـ عزة الدوري) عن رأيه باستمرار الحرب.. أكد الدوري إن العراق سيستعيد مخافره الحدودية المغتصبة.. وتتوقف الحرب في موعد لا يتجاوز أسبوعين !! ردً عليه ساليرنو: وإذا استمرت الحرب ؟ ما هو موقفكم ؟ قال الدوري: لن نكون نحن المهاجمون.. وسوف يكون ردنا على أي هجوم علينا محدوداً.. ولن ندخل الأراضي الإيرانية.. وأضاف الدوري: (وبالتأكيد.. إذا استمرت كما تقول.. ستكون بمستوى مناوشات.. ولن تتوسع أبداً).. لم يقتنع الصحفيون الحضور بهذه الإجابات.. واستمرت الحرب بين البلدين وتوسعت.. وساليرنو لم ينشر أي شيء عن ذلك المؤتمر الصحفي.
في 28 تشرين الأول (أي بعد أكثر من شهرين على بدأ الحرب) نشر ساليرنو مقالة في المساجيرو تحت عنوان (الحرب المنسية) تحدث فيه بغرابة عن رأيي عزة الدوري بالحرب.. معتبرها أراء ساذجة.. بل غبية.. ومما جاء في مقالته: إن صدام أراد نقل معركته الداخلية مع المعارضة إلى الخارج.. خاصة بعد محاولة اغتيال طارق عزيز في 2 نيسان من العام نفسه.. وبالتالي تصفية المعارضة وقواعدها تحت شعار (الدفاع عن الوطن).. وأضاف ساليرنو قائلاً: أما إيران فهي تهدف من هذه الحرب تصدير ثورتها إلى الخارج.. والعراق هي أول الطريق لتصدير الثورة.. خاصة إن شعاراتها تؤكد: (طريق القدس يمر من بغداد.. أو من كربلاء).. مؤكداً إن هذه الحرب سوف تكون محدودة.. وتقتصر على العراق وإيران.. ولن تمتد إلى الآبار النفطية في الخليج إطلاقا.
مختتماً مقالته بالقول: أما محاولات (العراق وإيران) بتوسيعها خارج حدودهما.. فهي محاولات فاشلة.. ناسين إنهما (أي إيران والعراق) يستوردان السلاح والعتاد والمعدات العسكرية واللوجستية من الخارج.. وأضاف ساليرنو قائلاً: سوف يستمر توريد السلاح إليهما بهدف ديمومة الحرب بينهما فقط دون امتدادها الى الخليج.. وستسمر الحرب لعدة سنوات حتى ينهك اقتصاد البلدين.. أو يدمر تماماً بسقوط النظامين أو أحدهما.. وخروج الثاني لا يستطيع الوقوف على قدميه من دون دعم دولي.. وسوف تنتهي الحرب (بلا غالب.. ولا مغلوب).. وسينسى العالم هذه الحرب خلال سنة.. وستسمى (الحرب المنسية)!!
في اليوم التالي لمقالته التقيتهُ (أنا) في كازينو البرلمان وسط روما.. وخلال الدردشة سألته: (كيف يمكنكً تحليل أحداث الحرب.. وهي ما زالت في بدايتها ؟ وتخرج بنتائج حازمة وقاطعة.. لكنها قد تكون غير واقعية بل وغير معقولة… ويبدو من مقالتك انك واثقٌ من هذه النتائج).
نظرً إليً ساليرنو وأبتسمً على عادته.. وأخذ شرفة من الكابجينو ساليرنو.. وأخذ نفساً من سيكارته.. ثم أكمل فنجان الكابجينو.. وقال: (هذه ليست براعتي.. ولا من عندياتي.. وإنما هي من أصدقائي في حلف الناتو.. وهي نتائج يعملون لها.. ويديرون الحرب كما يريدون لتحقيق كل ذلك.. وبالتأكيد ستتحقق هذه النتائج !!).. فاجأني بأقواله!ّ!
قلت له: وإذا اتفق العراق وإيران على إيقاف الحرب؟!! قال: لن تتوقف قبل سبع الى ثمان سنوات.. يكون النظامان على وشك الانهيار الاقتصادي.. أو السقوط….. (أعد قراءة هذه الفقرة رجاءاً).
(ملاحظات):
1ـ أؤكد هذا الحوار بيني وبين أريك ساليرنو.. والحرب مع إيران لم تكمل شهرها الثالث.
2ـ أرجو أن لا يفكر أي منا إن أمريكا ترامب ليس لديها إستراتيجية لإدارة الأزمة العراقية.. والحرب مع داعش في العراق والمنطقة ومستقبل العراق..
3ـ أؤكد إن كل ما يجري في العراق بيادق تحرك كما يرغبون هم.. ونحن ندفع الثمن.. كما دفعناه سابقا في إيران.. وفي الكويت.. وفي الحصار.. وفي الاحتلال ..وفي عمليتنا السياسية كل ذلك يسير وفق الإستراتيجية الأمريكية.
4ـ وما تسمعوه من صراخ بعض مسؤولينا ونوابنا وواحد يرفع والأخر يكبس.. ماهو إلا عاصفة في فنجان.. ونسير على الطريق المرسوم سواء رضينا ؟أم أبينا.. ونحن صاغرون.. أو فرحون ونصفق.