26 نوفمبر، 2024 10:02 ص
Search
Close this search box.

هل إقتربت شيخوخة النفوذ العالمي الأمريكي؟

هل إقتربت شيخوخة النفوذ العالمي الأمريكي؟

بريطانيا التي لا تغيب الشمس عن مستعمراتها، في عام 1947 فاجئت حليفتها الولايات المتحدة الأمريكية، بقيام السكرتير الأول للسفارة البريطانية في واشنطن، وكان يومها “سيشل”، بتقديم طلب لمقابلة مساعد وزير الخارجية الأمريكي لشؤون الشرق الأدنى وأفريقيا “لوي هندرسون”، من أجل تسليمه رسالتين من الخارجية البريطانية، فحوى تلك الرسالتين عزم بريطانيا إنهاء وصايتها عن بعض مستعمراتها، نتيجة الضائقة المالية وإرتفاع حجم الدين
البريطاني، بسبب إستنزاف الحربين العالميتين للإقتصاد البريطاني، وكذلك بسبب التمدد الشيوعي، لذا تقدمت المملكة المتحدة العظمى، بطلب للجانب الأمريكي بسد النقص الحاصل في تلك المستعمرات، بسسب إنسحاب القوات الإنكليزية، بقوات مسلحة وجهد إستخباري أمريكي، ومن هنا بدأت تتقهقر بريطانيا فاسحة المجال لأمريكا لمد نفوذها على معظم أرجاء العالم.

رحبت الولايات المتحدة الأمريكية بهذه الإنعطافة التأريخية، إلا إنها عانت من وجود نقص كبير في كوادرها الإستخبارية، وقلة الكوادر التي تمتلك
خبرة كبيرة، وعدم قدرة المؤوسسات الأمريكية إستيعاب التمدد المتوقع، على مساحة تلك الدول والمناطق التي قررت بريطانيا الإنسحاب منها، ومن وقتها بنت فكرة الحرب الباردة، وتغيير الأنظمة السياسية القديمة بأخرى جديدة تدين بالولاء للسيد الجديد حينها “أمريكا”، ولكن عبر بوابة الإنقلابات العسكرية التي أشرفت عليها وكالة المخابرات الأمريكية ولا زال هذا المسلسل قائم إلى هذه الساعة، وهذا ما أكده مهندس الإنقلابات الأمريكي مايلز كوبلاند في كتابه الشهير “لعبة الأمم”، الذي أثار ضجة كبيرة في أمريكا والعالم، ولكن ذلك التغيير إرتكز على أربعة عوامل مهمة، هي قوة الإقتصاد الأمريكي وماكنة الإعلام الساحرة والقادرة على تحريف الحقائق وإصطناع الأزمات المالية والإقتصادية والسياسية وحتى الثقافية وكذلك والمفاهيم العولمية كالديمقراطية وحقوق الإنسان والمساوة والعامل الرابع
والمهم الثورة التكنلوجية والمعلوماتية التي وضبت في التقنيات العسكرية.

النشأة والتطورالأمريكي

الملاحظ إن الولايات المتحدة الأمريكية، مرت بعدة مراحل من حيث النشأة والتطور، الوجود الإجباري بعد الإجهاز على الإسبان والأوربين ثم إبادة السكان الأصلين ( الهنود الحمر) ثم الوجود العرقي الذي جاء بالحروب الأهلية الطاحنة فالوجود القومي المبني على نظريات العقد الإجتماعي والدستور والدولة المؤوسساتية الإقتصادية التي تصارعت فيها المدارس المدارس الإقتصادية.. ليكون الحسم للأديولوجيا الليبرالية التي ظللت قائمة على الإستحداث والتطور الشكلي مع ثبات المبدأ

الجوهري لحد الأن.. هذا على مستوى الداخل الأمريكي.

أما على مستوى السياسة الخارجية، بدأت أمريكا دولة شريكة للمجتمع الدولي بعيدة عن الإنغماس بالحروب لا سيما الحرب العالمية الأولى والثانية وذلك الإنعزال والحياد الوهمي، كان نقطة مهمة في قوة الأمريكان بعد إنتهاء الحرب العالمية الثانية التي لم تشترك بها رسميا” إلا في “الوقت الضائع” لتقطف ثمار اللقطة الأخيرة، لتتحول من الشريك العادي إلى الشريك القوي، مستندة لضخامة ومتانة إقتصادها الذي أستثمر الحربين العالميتين في بناء مؤوسسات قوية وفي المجالات والصعد كافة، لتتحول فيما بعد لبناء مؤوسسات
أممية كمنظمة الأمم المتحدة ومنظمة الصحة الدولية ومؤسسات دولية أخرى لتكون ذراعها القوي في الحروب الباردة والسيطرة على القرار الدولي، حتى إنتهت بتفكيك (القطب الند) الأتحاد السوفيتي، لتكون القوة العالمية
العظمى.

لتنتقل من مرحلة إدارة القطبين ، إلى إسلوب ونهج قيادة العالم عبر القطب الأمريكي الأوحد، ولكي لا تدخل في مرحلة الخمول الإسترتيجي، بسبب
الإستقرار العالمي جراء إنتهاء الحرب الباردة، عكفت الولايات المتحدة الأمريكية عبر إستراتيجية صناعة العدو، إلى الوقوف والتحليل لجملة “ألكسندر أرباتوف” الشهيرة المستشار الدبلوماسي لغرباتشوف (سنقدم لكم أيها الأمريكان أسوأ خدمة، سنحرمكم من العدو)، التي يبدوأنها كانت سببا” لصناعة العدو الإفتراضي أو ما يطلق عليه الإستراتيجي الفرنسي “بيار كونيسا” في كتابه الشهير( صنع العدو أو كيف تقتل بضمير مرتاح) ” العدو التصوري” أو ” العدو الإعلامي”، لتكون هذه الإستراتيجية الجديدة للردع
الوقائي، وكان العدو وفقها(أسلحة الدمار الشامل والإرهاب)، هيأت لصناعته( العدو الإفتراضي) عدة مرتكزات وكما يلخصها “بيار كونيسا” في المصدر نفسه: أيديولوجيا، خطابا” موجه، صناع رأي( المحللين كلا” بأختصاصه)، وأليات صعود العنف.
أمريكا.. وحلم قيادة العالم نجحت أمريكا وفق هذه الفوبيا بوجود الإرهاب الشبحي تكتيكيا”، لمنطقة الشرق الأوسط وأستطاعت نشر قواعد عسكرية فيها، وسببا” لتفتيت الدولة القومية العلمانية خصوصا” للدول العربية، وتسيطر على أهم مراكز الطاقة فيها، وتجعل من هذه المنطقة أكبر سوق إستهلاكي للسلاح الأمريكي، أما أوربا فلم تسلم من (فوبيا الإرهاب)

، بعد أن تخلصت من فوبيا الأتحاد السوفيتي، لكن أمريكا وخصوصا” بعد وصول ترامب لسدة الحكم الأمريكي، بدأت تظهر عليها مساوئ تلك إستراتيجيات الرد السيئة الصيت على المستوى البعيد ( الستراتيجي)، فالشريك الإقوى
لأمريكا.. الأتحاد الأوربي، بدأ يدرك هذه السياسات الأبتزازية، ويحاول فك هذه التبعية الإستبدادية، التي بانت ملامحها منذ نهاية الحرب العالمية الثانية وقانون مارشال المجحف، ودليل بداية الوهن بقاء الدول الأوربية ضمن الأتفاق النووي مع إيران رغم الإنسحاب (الترامبي) الأمريكي، وتفكير دول الإتحاد بإعداد موازنة مالية للإتحاد وبناء قوة عسكرية أوربية، وكأنها بداية للإنسحاب من الناتو الخادم للمصالح الأمريكية أكثر منه للأوربية.

ومع زهو الليبرالية والغرور الأمريكي، أستطاع تنين الأقتصاد الصيني أن ينمو ويتسارع بالصعود، ليصل مستوى النمو الصيني 10% ، ليكون الند الإقتصادي للأمريكان، وفي الجانب الأخر بروز الصناعات العسكرية الروسية،
التي أصبحت تجاري الصناعة الأمريكية التي تمكنت أن تزاحم المخططات الأمريكية الأوربية للسيطرة خطوط نواقل الغاز والطاقة، كما وأستطاع الروس ضم جزيرة القرم الإسترتيجية، لتكون أكبر مرسى للإسطول البحري الروسي، ولم يكتف الروس بذلك ليدخلوا شريك إجباري في حرب الإرهاب بطلب من سوريا، ليجعلوا من سوريا مكان للقضاء على أعتى الإرهابين الشيشان والقوقازين الذين يهددون الأمن الروسي وحتى الصيني، ولتفشل أحلام قطر والأمريكان بمد خطوط نقل الغاز من الخليج بإتجاه سوريا ثم تركيا فأوربا، لتبقى روسيا عملاق إنتاج الغاز وحتى النفط والسيطرة على نقله وتوزيعه.

التقارب الصيني الروسي وصناعة المحاور
إن النهج الفردي الذي اتبعته أمريكا في إدارة القضايا الدولية، دون الرجوع للمنظمات والمؤوسسات الدولية، وعمق هذه السياسات الأمريكية الخطيرة وصول ترامب للبيت الأبيض، إعلانه جملة إنسحابات من إتفاقيات دولية، كأتفاقية التجارة الدولية والمناخ والصواريخ الباليستية، كانت تلك السياسات المتهورة سببا” لردم الصدع بين التنين الصيني والدب الروسي، يتضح ذلك التقارب من خلال إستخدام الصين وروسيا حق نقض النقض( الفيتو) أمام مشاريع قوانين أممية قدمت من أمريكا، وهذا ما صرح به ( تيموفي بوداتشيف) مدير برنامج أسيا_ أوراسيا بعد إنعقاد مؤتمر صيني- روسي في نادي ( فالداي): إن السياسات الأمريكية ساهمت إلى حد كبير في التقليل من حجم الخلافات الصينية الروسية، لتكون الدولتين في خندق واحد لمواجهة التمدد والنفوذ الأمريكي، كما وإن صحيفة نيويورك تايمز وفي تقرير لها بداية هذا العام حيث أشارالتقرير إلى وجود تعاون كبير بين الصين وروسيا، من خلال بناء جزيرة صناعية في جنوب بحر الصين، من أجل توطيد التعاون للصناعات العسكرية والتكنلوجية بين البلدين.
إمريكا تعاني؛
إن تأثير أدوات ما يسمى بالحضارة الأمريكية، بدأت بالأفول والتراجع، فالدين العام للولايات المتحدة الأمريكية قارب 24 ترليون دولار، وعجز كبير في الموازنة الأمريكية، وهذا ما أثر سلبا” على الفرد الأمريكي من حيث تراجع البرامج الحكومية في مجال الصحة والتعليم والأمن وقطاعات أخرى وإرتفاع نسبة البطالة في الولايات المتحدة الأمريكية، عليه هنالك تراجع في الـتأثير الأمريكي على السياسة الدولية لأسباب عدة يمكن إيجازها بالأتي:

1_ إرتفاع الدين العام بدأ يضعف الإقتصاد الأمريكي، والإقتصاد هو المرتكز الساسي للمخططات الأمريكية.

2_ قيام الولايات المتحدة الأمريكية بجرائم حرب كثيرة، عند إحتلالها لأفغانستان والعراق، والشراكة الإسترتيجية للولايات المتحدة مع إسرائيل ودول الخليج العربي، وهذه الدول إتركبت ولا زالت أبشع الجرائم بحق الإنسانية، كونها دول داعمة للإرهاب، وهذا يجرد الحضارة الأمريكية من أهم أدواتها ألا وهو موضوعة ( الديمقراطية،حقوق الإنسان).

3_ صعود الإقتصاد الصيني وحتى قطاعيها التكنلوجي والصناعي، وتسارع تطور الصناعات العسكرية الروسية ذات التقنيات المتطورة جدا”، وإحكام روسيا على طرق نقل وتوزيع الغاز والطاقة، بدءا يتمحوران كحليف ند أمام السياسات الأمريكية، فهما العائق الدبلوماسي أمام المخططات الأمريكية الأوربية،داخل الجمعية العامة للأمم المتحدة ومجلس الأمن، وقوة عسكرية هائلة
تستطيع أن تجاري القوة الأمريكية.

فهل سيظهر (سيشل) أمريكا على المستوى القريب، ليبلغ العالم بأن المجد
الأمريكي بدأ بالأفول.

أحدث المقالات