19 ديسمبر، 2024 8:00 ص

الناقد المسرحي “حميد عبد مجيد مال الله”.. وداعاً

الناقد المسرحي “حميد عبد مجيد مال الله”.. وداعاً

” المسرحي العراقي يتحدى الصعاب..وقدم عروضاً مسرحية على أنقاض شارع المتنبي الذي اغتاله القتلة “. من حوار أجريته معه.
  منذ أواخر الستينيات تأسست  في البصرة  جماعة “كتابات مسرحية” و تألفت من الناقد والكاتب المسرحي الرائد بنيان صالح والناقد المسرحي حميد عبد المجيد مال الله و كاظم عيدان لازم وعزيز الساعدي والكاتب المسرحي عبد الصاحب إبراهيم ، الذي هُجر من وطنه العراق بحجة التبعية، والكاتب المسرحي عبد الوهاب النعمة، وياسين النصير وانظم إليها ، فيما بعد، الكاتب والمخرج الراحل المسرحي جبار صبري العطية والتف حولها بعض الشباب والشابات في المدينة ، وكانت الجماعة تعقد ندوات ثقافية حوارية وتطبيقية في البيوت معتمدة التوجه (الأسري) لزرع حب وأهمية العمل المسرحي( عائلياً) واجتماعياً . ثم اتخذت مقراً لها في نادي الفنون وقدمت عروضها المتواصلة على حدائق النادي وكانت لها مشاركات فاعلة في الاحتفال بيوم المسرح العالمي، والمناسبات الوطنية العراقية، وأصدرت بيانها المعنون من (اجل مسرح عراقي متطور) ثم عاودت الاحتجاج على غلق الفرق المسرحية للهواة متحدية ومنددة بقرار السلطة بغلق كل فرق مسرح الهواة في العراق ، واقتصار العمل المسرحي على الفرق الرسمية فقط . عمدت الجماعة على المشاركة المسرحية بما يكتبونه من مسرحيات والتناوب على إخراجه على وفق رؤى كل منهم وتقديم بعض عروضها المسرحية، أحياناً، في الشارع المجاور لنادي الفنون. تميز الراحل الناقد المسرحي حميد عبد المجيد مال الله  بكتاباته التطبيقية عن العروض المسرحية ويقدم رؤى نقدية تطبيقية لها.وكان يشد الرحال في منتصف السبعينيات، مساء الخميس أو صباح الجمعة، من البصرة إلى بغداد ليشاهد العروض المسرحية المهمة،ويعود ليلا متوجهاً إلى عمله في التعليم صباحاً، ويكتب في تلك العروض بتأن ودقة وحرص. وكذلك يتابع العروض المسرحية في البصرة مهما كان مستواها والجهات التي تقدمها و يعمد إلى الكتابة عنها بروح المسؤولية الثقافية-الفنية وهو عضو مؤسس لـ( نادي الفنون) في البصرة وانتخب ضمن الهيئة الإدارية ، قبل أن يتم ختمه بالشمع الأسود من قبل “سراكيل” الثقافة الفاشية البعثية التي بدأت بتسويق خطابها الرث عبر ثقافة السلطة القامعة في وسائل إعلامها و ومهيمناتها الحزبية الواحدة دائمة النزوع لتبرير فظاظة الواقع المعيش والدفاع عن  الزعامة الفردية المتوحشة التي تجبرت حتى أخضعت العراق لسيطرة سلطة غاشمة وتكريس وتوجهات قادتها القروية المتخلفة وسلوكياتها الفظة بطريقة وثنية. وحميد مال لله عضو اتحاد الفنانين ونقابة الفنانين ورابطة نقاد المسرح العراقيين والعرب وعضو اتحاد الأدباء والكتاب العراقيين والعرب، كما كان عضواً في المكتب الصحفي لجريدة “طريق الشعب” في البصرة ومسؤلاً فيه عن مجموعة من الكتاب والأدباء وتنسيق متابعاتهم للنشاطات الفنية- الثقافية، كما كتب واعد واخرج بعض الأعمال المسرحية، وللتاريخ فأن الشاعر الصديق” “عبد الكريم كاصد” قد أهدى ديوانه المتفرد الثاني”النقر على أبواب الطفولة” إليه. منذ عقد الثمانينيات مساهم في اغلب لجان تحكيم المهرجانات المسرحية التي أقيمت في البصرة أو المحافظات العراقية، ولم يعرف عنه أي تواطؤ ما مع النظام المنهار أو توجهاته الثقافية وصدر كتابه المعنون ( التدوير الدرامي) عن دار الينابيع/ دمشق-2011 .  تخصص “حميد” بالنقد التطبيقي المسرحي، وكان دائم الكتابة عن عروض شباب المسرح  والاشتغال على (المسرح العراقي) في محاولات تطبيقية ضمن بحوث ومتابعات نشرها، بعد سقوط النظام، في صحف عدة منها ” المدى وطريق الشعب والصباح والاتحاد والمنارة والأخبار والتآخي “. كما نشر بعض الدراسات المسرحية في المجلات العربية و منها ما يتعلق بمسرح الصورة والكيروغراف والعلامات الإخراجية ومسرح الطفل والأداء ونص النقد المسرحي. وكان يرى أن التخصص في النقد المسرحي هدف إشكالي، السعي إليه يتطلب منهجية نقدية محددة كونه المنهج الأكثر حداثة، في متغيرات منهجيات البحث وما يكتب قد يصبح في عداد الماضي في حقبة نقد ما بعد البنيوية.  ونص النقد الذي كتبه  يتحدد ما بين (العرض النقدي والمسرحي) و (النقد المسرحي الصحفي) وتخطي النوعين ربما يتحقق بسبب محددات (نص النقد المسرحي) ومنها التخصص الأكاديمي وإنتاج البحوث النقدية بتواصل واستيعاب الحديث في طرفي الإنتاج (الراسل) و(المتلقي) مع الإقرار بتوافر التقنيات المعلوماتية في قريتنا الكونية الراهنة بسب عولمة الاتصالات الحديثة. بدأ الراحل بالنقد الصحفي وهو من تفرعات نص النقد.  وكان لابد له من إرسائه على أرضية ما، فكانت السسيولوجيا.وعدم إهمال فضاءات المسرح الأخرى وإعارتها أهمية متدرجة بعد (الفكرة) وبات النقد الذي يكتبه يحلل فضاءات العرض المسرحي الثلاثة ، وفقاً للنظريات القديمة والحديثة وهي تستكشف المعنى والمبنى ويرى ان تجاهل فضاء مسرحي متعدد التوجهات والتركيز على واحد منها فقط  يشكل خللاً رؤيوياً. وقد أخضع كتاباته السابقة إلى نقد ذاتي صارم، شَخّصت فيه قصورها،بعض الأطاريح الأكاديمية في هذا السياق، والتي درست نصوصاً نقدية مما نشره ومنها أطروحة في (نقد النقد المسرحي) للدكتور(محمد أبو خضير) وأطروحة (النقد المسرحي في العراق) للدكتور(ضياء الثامري) وكذلك في تحليل أكاديمي للدكتور(عبد الفتاح عبد الأمير) تناول فيه دراسة مقارنة بين نصوص النقد لناقدين هما الأستاذة (نازك الاعرجي) والناقد(حميد مجيد مال لله). ورأى أنه مخير بين الخوض والتجاهل لعروض ما بعد التغيير في 9 نيسان 2003 ، فالنتاج المسرحي كما يؤكد جزرات ضئيلة وسط فضاء محدب، والكلام عن المسرح في البصرة تشكيلات تنتج مرة ومرتين ثم تصمت!؟. العاملون فيها من خريجي معاهد وكليات الفن ومن الهواة، عاطلون عن العمل غالباً وعن التدريب. وفي حالة انقطاع تام عن مستجدات التحديث المسرحي مع نقص مريع في الثقافة العامة والفنية والمنهج، إلا أن فضيلتهم الكبرى أنهم يجاهدون لإثبات وجود مسرحي مغيّب في فوضى حياتنا بعد التغيير. وهو يرى في حوارته وكتاباته إن رصد حركة المسرح الآن ومستقبله أشبه باستكشاف قارة (تثرم) أناسها، وتبتلعهم أرضها فالمسرحي يقف في طابور الفناء بسبب  فضاء خراب الحياة اليومية . ويرى ان ” ورشة المسرح” في مؤتمر المثقفين لوزارة الثقافة الذي عقد زمن استيزار الأستاذ” مفيد الجزائري”، الذي جمع كلمتهم عبر ورقة عمل ومقترحات عدة مكثوا إلى اليوم في انتظار ان يتحقق ذلك، أو بعضاً منه، ولا ثمة إي أمل في تجسيده واقعاً، وكذلك مصير مقررات “ندوة الحوار المفتوح.. لمناقشة واقع الحركة المسرحية” التي عقدت في البصرة. واختراقاً لقوقعة اليأس والتشاؤم التي تطوينا بعنف. ويؤكد “حميد” أن ثمة كليات ومعاهد فن تستقطب وتؤهل الطاقات المسرحية الفنية، فيها مسرحيون إعلام، كما وتوجد فرق في منظمات المجتمع المدني، وبضعة فرق رسمية ومنها المتخصصة بمسرح الطفل، وعروض ومهرجانات مسرحية، وندوات و” ورش – مشاغل مسرحية” وعلى قلتها تشكل رصيداً ثابتا لحراك اتٍ. فالمسرحي العراقي واعي يتحدى الصعاب دائماً، وقد قدم عرضاً على مسرح الرشيد المدمر بالات الحرب والحرائق والنهب ، كما قدم عروضاً على أنقاض شارع  المتنبي بعد أن اغتاله القتلة ذات صباحٍ ما. عانى “حميد عبد المجيد مال” من المرض سنوات عدة، حتى رحل بعد ظهر الثاني من أيار هذا العام، ووسط الخراب الذي يطوقنا، لم يحدث أن قدمت له تعهدات، لتجاوز حالته الصحية المتردية ، في بلد لا حد لثرائه الذي استولى على قسمه الأكبر لصوص المال العام، ولم تهتم بــحميد السلطات الرسمية، المعنية بالثقافة أو الجهات المدنية في المدينة أو حتى السؤال ، مجرد السؤال عنه، ناهيك عن تفقده، كونه لم يكن من الطبالين والنفعيين والمتزلفين والمنافقين والذين غيروا وجوههم القبيحة القذرة و مواقفهم المعروفة سابقاً بسرعة لا تدانيها حتى سرعة البرق. برحيل الناقد المسرحي” أبو سولاف” المعروف بالدماثة وحسن الخلق والتهذيب والثقافة المسرحية الدقيقة الواسعة، تكون صفحة مسرحية تواصلت نصف قرن في متابعة الحركة المسرحية في البصرة والعراق قد طويت ، تاركاً خلفه أرثاً مسرحياً متعدداً متنوعاً يمكن التنقيب فيه للحصول على وثائق نادرة تخص المسرح العراقي عموماً والبصري خصوصاً.

أحدث المقالات

أحدث المقالات