قال لي فلان الفلاني – بكل جديّة وهو يبتسم بثقة – ان هناك اسرار و تفصيلات مخفية بعناية من قبلك حول مقالاتك العديدة في الادب الروسي , التي تنشرها منذ عدة سنوات في مواقع مختلفة , وقال لي ايضا , ان (الذين يتابعونك , وهم ليسوا بسطاء وانما خبراء ويحملون شهادات علمية عليا من جامعات مرموقة !!!) لا يصدقون بتاتا , انك تكتب كل هذه المقالات شخصيا دون مساعدة اناس كثيرين يقفون سرّا في الظل , وانهم ( اي الذين يتابعوني) على ثقة تكاد ان تكون مطلقة تقريبا, ان هناك مجموعة ليست بسيطة تعمل معك وباشرافك المباشر في اختيار مواضيع تلك المقالات والتخطيط لها و اعدادها وكتابتها وطبعها وارسالها للنشر باسمك , وان دورك في كل هذه العملية الكبيرة هو الاشراف العام فقط ليس الا على نشاط هذه المجموعة , مثلما كانت تعمل بعض دور الترجمة و النشر البيروتية في الايام الخوالي , وتصدر الكتاب تلو الكتاب باسم مترجم واحد فقط , بينما كان هناك في الواقع الكثير من المترجمين الذين يترجمون باشراف ذلك الشخص ويعملون من اجل تنفيذ خطط دار النشر تلك . ويقول فلان الفلاني ان مسيرة هذا العمل المبرمج والمنظّم بدقة من قبلي – وعبر سنوات طويلة – أخذ بالتحسن والتطور والتوسع تدريجيا , ووصل (نتيجة للخبرة في هذه النشاطات الثقافية وتراكمها ) الى حوالي سبع مقالات او حتى تسع مقالات شهريا او أكثر , بعد ان كان في اطار ثلاث او اربع مقالات شهريا ليس الا . ويقول هذا الشخص ايضا, أن هؤلاء المتابعين يتعجبون جدا لانك تخفي هذه المعلومات ( المنطقية!) حسب تعبيرهم , ويقولون , كيف يمكن لشخص واحد ان يكتب ويطبع و ينشر مقالة كل ثلاثة او اربعة ايام تقريبا وهو يتنقل من بوشكين الى ليرمنتوف الى غوغول الى دستويفسكي الى تولستوي الى تشيخوف الى غوركي والى غيرهم من أعلام الادب الروسي , ثم يعود الى هذه الاسماء مرة اخرى ويتناولها من جانب آخر ومن جديد و بكل هذه السرعة والتنوع , ويضيف فلان الفلاني , ان هؤلاء المتابعين – الخبراء يقولون , لو كانت المقالات تلك تتناول المواضيع السياسية لكان الامر مفهوما ومقبولا الى حد ما , وذلك لان الاحداث السياسية تسير متسارعة يوميا وبشكل عاصف بعض الاحيان, وخصوصا في بلادنا غير المستقرة , وبالتالي يمكن الكتابة عن مسيرة تلك الاحداث وتأثيرها على مجمل افراد المجتمع وعلى قواه السياسية العديدة والمتناقضة فيما بينها والمتصارعة على مصالحها المادية قبل كل شئ , ولكن الامر لا يمكن ابدا تصديقه عندما يدور الحديث عن كتابة مقالات حول الادب الروسي واعلامه ومسيرته وظواهره المتنوعة .
لقد تعجبت بشدة عندما سمعت هذا الكلام , وقلت لفلان الفلاني , ان تنظيم هذا العمل مثلما يقول هؤلاء هو – في الواقع – أصعب بكثير من كتابة تلك المقالات نفسها , اذ ان الكتابة عن قائمة الادباء الروس الذين ذكرتهم , وهي قائمة ثابتة ومعلومة ويمكن لاي شخص ان يتناولها كما يريد ودون ايّة صعوبات لأنها بمتناول اليد كما يقال , أمّا هذا العمل الذي تكلمت عنه , فانه يقتضي ايجاد عاملين شبه دائميين و بمستوى معين من الثقافة و المعرفة والخبرة , وايجاد طريقة للاتصال بهم في مقرّ او مكان محدد ولائق للاجتماع معهم وتنظيم عملهم والاشراف عليه, وان كل ذلك يتطلب طبعا تمويلا ماليّا كبيرا يضمن مسيرة العمل المعقّد هذا وديمومته وتنسيق نتائجه, اذ لا يمكن ان تعتمد كل هذه النشاطات الثقافية المتنوعة و تنظيمها على العمل التطوعي فحسب , فقاطعني فلان الفلاني في هذه اللحظة بالذات , وقال , ان هؤلاء الذين يتابعونك يقولون الشئ نفسه بالضبط , وانهم لهذا يتعجبون جدا من اخفاء هذه المعلومات المنطقية من قبلك , بل ويقولون ان الامر على الاغلب واضح جدا , وانك ربما تنسّق بهدوء مع طلبتك الكثيرين من خريجي قسم اللغة الروسية في كليّة اللغات بجامعة بغداد لتحقيق هذا الغرض .
سألت فلان الفلاني وانا ابتسم – هل قرأت رواية نجيب محفوظ الجميلة – ( ثرثرة فوق النيل) ؟ فقال لا , ولا اعرفها , فقلت له , اما أنا فأعرفها ومعجب بها , وانني تذكرتها الان ( رغم ان موضوعها بعيد جدا عن موضوعنا) , لأن هذه الاقوال ثرثرة ليس الا , ويقوم بها اناس يحملون كما تقول شهادات اكاديمية عليا , ولكنهم لا يعرفون , ان كل شهادة ( وهذه معاييراكاديمية عالمية ) تفقد قيمتها العلمية عندما لا يمارس صاحبها العمل في مجال اختصاصه لمدة خمس سنوات , وان هؤلاء ( الخبراء!!!) لا يعملون في اختصاصهم منذ اكثر من ربع قرن ونيّف , وانهم فقدوا بالتالي جوهر اختصاصهم واهمية شهاداتهم الاكاديمية, وفقدوا حتى التفكير العلمي و المنطق السليم, و لهذا فانهم لا يمارسون الان سوى هذه الثرثرة , التي تعكس عقدهم النفسية العميقة, ولهذا ايضا فانهم يذكّروني بعنوان رواية نجيب محفوظ الشهيرة – ( ثرثرة فوق النيل ) , لأن كل احاديثهم هذه هي ثرثرة ليس الا, ويمكن ان نطلق عليها تسمية – ( ثرثرة فوق الفولغا ) , مع الاعتذار طبعا من الروائي المصري (النوبلي) الكبير نجيب محفوظ …