لعل ما أفرزته الانتخابات المحلية التي أجريت مؤخراً من نتائج لقوى سياسية متنافسة جعلت المتتبعين للشأن العراقي يتسألون بيافطة عريضة عنوانها الأبرز, أي الأيدلوجيات والمشاريع السياسية الشيعية الأنسب لديمومة حكم الشيعة في العراق؟
وربما هو أستفهام منطقي على ضوء ما تمخض عن صناديق الاقتراع,وبحسب التصنيف الحزبي للنتائج وليس الكتلي كما تم أعلانه فواقع الحال يتحدث عن أغلبية حزبية لتيار الحكيم على حساب غرمائه التقليديين من القوى الشيعية ألاخرى سيما المالكي والصدر بوصفهم يمثلان زعامات شيعية لايستهان بها..
وبأستعراض مختصر لمشاريع القادة الشيعة الثلاث الذين مر ذكرهم من حيث القدرة على الحفاظ على المكاسب التي تحققت للشيعة في حكم العراق غداة أقصاء قسري دام قرون بالرغم من أغلبيتهم المسحوقة سيتجلى من خلال السلوك السياسي لكل منهم..
نقطة الشروع مع رئيس الوزراء نوري المالكي فبالرغم من فوز أئتلافه في الانتخابات الماضية غير أنه فقد مايقارب من 50 مقعداً في عموم العراق مقارنة بأنتخابات 2009 , ومن بديهيات القول ان مشروع الرجل السلطة وليس الدولة ويتجلى ذلك عبر أنتهاجه سبيل الأقصاء والابعاد وتكريس الحكم الأوحد لحزبه ومن يدورون في فلكه السياسي, صناعة ألازمة دأب صار المالكي يعتاش عليها لتبرير فشل حكومته سياسياً وأمنياً وخدمياً وتنموياً, فعلاقاته السياسية متوترة مع العرب السنة ووصلت الى حد مطالبتهم بفك الارتباط مع عراق محكوم من زعيم أئتلاف القانون والخطرما يتداعى عن ذلك من سخط للبحر السني المتلاطم المحيط بالعراق والمتحفظ على التغير بعد عام 2003 بكل مايملكه من أمكانات قد تقوض حكم الشيعة في العراق وكذا الحال مع الكرد الحليف الاستراتيجي للشيعة في العراق الذين أنتقلوا بفضل تصرفات المالكي من مرحلة التلميح الى التصريح في حلم أعلان دولتهم الكردية بعد ضم كركوك الغنية بالنفط ,أما شكل الارتباط مع شركائه الشيعة ليست على مايرام أيضاً فالرجل يتهمه حلفائه أنه يريد حكم العراق بمنطق حكم الحزب الحاكم غير مكترث لما تقوله المرجعية الشيعية في النجف التي لم تبرح أعلان غضبها للأداء المخيب والنهج السلطوي وحتى أيران الشيعية الداعم الأكبر لحكومة بغداد ليست راضية عن المالكي لأنه بدء من حيث يعلم أو لايعلم بفتح جبهات جديدة قد تضيق الخناق على الوضع الشيعي في المنطقة فالانبار والموصل تجاورها سوريا المحرقة والمحترقة وماتمثله تلك الجبهة من واقع ستراتيجي للتشيع اليوم, أمنياً المالكي قابض على المؤسسات الامنية بقبضة من حديد والمفخخات والخروقات لم تتوقف وفشل ذريع في ادارة هذا الملف الحساس ,أما الاقتصاد والخدمات فالتنمية متوقفة والبلد يصنف على انه مستهلك بلاحدود أو قيود ولايوجد مشروع تنموي واضح للنهوض بالبلد ناهيك عن الفساد الذي أتى على الدولة بكل جوانبها لينعكس على الواقع الخدمي, مايؤكد ان مشروع المالكي مرتبط بتواجده في السلطة هو الجمهور الذي ينتخبه فغالباً من المنتفعين والمستفيدين وليسوا جمهوراً لحزب الدعوة أو مؤمن ببرنامج الائتلاف الذي يقوده رئيس الوزراء والدليل على ذلك لو خرج المالكي من السلطة سينحسر المصوتون له بفارق كبير واثبتت التجربة أن مشاريع السلطة لاتعمر طويلاً مهما لبثت فيها..
ولو توقفنا في محطة أخرى وأستعرضنا مشروع مقتدى الصدر سنرى فيه من الهنات ما يجعل المنظومة الشيعية مهددة بالمطلق, فالرؤيا غائبة والاولويات ضائعة في زحام الارتجال وقيادة منفعلة متخبطة لاتستقر على قرار واتباع لايملكون الوعي فسوادهم الاعظم من الاميين , مشروع الصدر متهم لدى السنة على أنه مليشياوي الهوية أسفك دماء أبنائهم في سنون ماضية وان كانت الضروات في بعض الاحيان تتطلب أستخدامه في مشاريع مشبوهة, الكرد أيضا لاينظرون الى الصدر كحليف فالاخير لايملك فن تجسير العلاقات لبناء تفاهمات على أساس مشروع واضح المعالم , الجمهور الشيعي في غالبه والمرجعية فضلاً عن أيران يرون في الصدر نوعاً من القيادة الطارئة التي خدمتها الظروف ولم يحسن تلك الفرصة بل أستخدمها بمنحاها السلبي بعد ان باتت تتهم العمامة الصدرية بالقتل والتفخيخ والابتزاز في المناطق ذات الثقل السكاني الشيعي دون الاكترث لحرمة أو مرتدع بوازع ينهي أنصار تياره عن أدران مايخلفوه, فهكذا مشروع كيف له قيادت دفت الامور شيعياً في العراق وهو مدججاً بأسقاطات الممارسات اليومية لمريديه..
ووصولاً لعمار الحكيم فالصورة ليست ورديةً مئة بالمئة لكن المتتبع سيلاحظ مشروعاً للتلاقي والثقة بين تيار شهيد المحراب بشقيه تجمع الامل والمجلس الاعلى من جانب وكل المكونات العراقية سنية وكردية وحتى الشيعية, فلسفة تيار الحكيم تعتمد على المشروع والرؤيا معاً فلا تنازل عن الثوابت فتراه لاهوت في معتقداته الدينية وطقوسه وبراغماتي في تعاملاته السياسية مع الحفاظ على أسس بناء الدولة , غالباً ما يلاحظ أن مواقف الحكيم تمتاز بكونها مركبة , فأيمان الحكيم بالشراكة في حكم العراق ليس أدعاء بل موروث وثقافة لمدرسة تمتد جذورها الى قرن تقريباً , الشراكة بحد ذاتها وفق نظرة حكيمية هي الضمانة لبقاء حكم الشيعة في العراق والحفاظ على وحدته , لاينسى مزية أرتباط تيار شهيد المحراب بالمرجعية الدينية وعلاقاته المنفتحة والمتوازنة مع المحيط الاقليمي سواء مع السعودية او ايران او تركيا وسواها من دول الاقليم والعالم , مشروع الدولة لدى الحكيم أهلهه ان يكون وزنه السياسي يفوق بأضعاف ما يملكه من مقاعد في البرلمان وكارزما قيادته الشابة الجاذبة والمؤهله تجعله مبادراً ولاينتظر المبادرة ويقرر لايقرر عنه في جميع المواقف دون أرتجال أو أجتهاد أني..
أخيراً أن التشيع السياسي في العراق على مفترق طرق وعلى الرأي العام أن يعي خطورة خياراته في مستقبل الاستحقاقات لأرتباطها بطائفة مظلومة حرمت من حقها ظلما وعدوانا قبل ان تتاح لها اللحظة التاريخية لحكم العراق بجميع مكوناته وتلاوينه..