بعد أكثر من ستة عشر عاما على سقوط النظام العراقي السابق، وما رافق ذلك من فوضى سياسية وفساد ومحاصصة طائفية ونهب لثروات البلاد وخراب وتدخلات خارجية لا تحمد عقباها، أطلق رئيس “المنبر العراقي” إياد علاوي يوم 12 نيسان (إبريل) صفارة إنذار إلى القوى السياسية العراقية، داعياً إلى “مبادرة وطنية لعقد لقاء تشاوري عاجل لترتيب البيت الداخلي وإصلاح مسيرة العملية السياسية وإنقاذ العراق من محنته…”.
يعرف إياد علاوي تماماً، وقبل غيره، أن القوى السياسية التي دعاها إلى اللقاء، هي نفسها التي تستحوذ على المشهد السياسي العراقي منذ عام 2003، وكانت سببا في تهديم مؤسسات الدولة واستغلال موارد البلاد وسلب الخيرات ونهبها لمنافعها الشخصية والحزبية، من دون أن تقدم الحد الأدنى من الخدمات إلى المواطنين أو أن توفّر لهم سبل عيش كريم.
ويعرف علاوي أيضا، أن السنوات الماضية أثبتت حقيقة مفادها، أن معظم السياسيين العراقيين، الذين أصبحوا جزءا من الحكومات المتعاقبة، فشلوا بامتياز، لأنهم عملوا من أجل الإثراء الشخصي وساهموا في الفساد والمحاصصة الطائفية، ولم يدرجوا الشعب العراقي ومطالبه وهمومه المزمنة في حساباتهم، خاصة أولئك الذين غلّفوا نفسهم برداء الدين والتقوى والعفّة ورفعوا شعارات للاستهلاك المحلي وحولتهم المحاصصة الطائفية حيتاناً لفساد استشرى في جسد الدولة، علماً أن لا سلطة تعلو عليهم.
ما جدوى الدعوة إلى تشاور مع “الحرس القديم”، ومع الوجوه ذاتها التي ساهمت في تدمير العراق؟ أليست تلك المبادرة مجرد محاولة لذرّ الرماد في العيون وتخدير الشارع الملتهب والحفاظ على ديمومة العملية السياسية الفاشلة التي أوصلت مديونية العراق إلى ما يزيد عن 120 بليون دولار؟ في وقت احتل المرتبة الخامسة بين الدول المنتجة للنفط الخام عام 2019 وفق تقرير نشرته إدارة معلومات الطاقة الأميركية.
سئم المواطن العراقي الطبقة السياسية الحاكمة، وعبّر عن امتعاضه منها سواء بالتظاهر أو من خلال تدني نسبة المشاركة في الانتخابات البرلمانية التي جرت في 12 أيار (مايو) 2018 والتي لم تتجاوز الـ 44 في المئة. علماً أن هناك أربعة ملايين و100 ألف نازح داخل العراق، وخمسة ملايين و600 ألف يتيم، ومليوني أرملة، إضافة إلى وجود ثلاثة ملايين و400 ألف مهجر يتوزعون على 64 دولة، وفق إحصائية لمنظمة مراقبة حقوق الإنسان الدولية (هيومن رايتس ووتش).
يحتاج العراق دولة متماسكة واستراتيجيات جديدة وعقليات وطنية مخلصة وكفوءة تعمل للتنمية المستدامة وتقوم بمعالجة المشاكل الكبيرة في الاقتصاد وبإعادة البناء والإعمار ومحاربة الفساد وتعزيز السلم الأهلي والحياة الديموقراطية. كما تحتاج البلاد إلى مفهوم آخر للهوية الوطنية، يرفض التخندق وينظر إلى المواطن كإنسان، بغض النظر عن انتماءاته الجغرافية والمناطقية والبيئية والدينية والمذهبية. وتحتاج كذلك إلى دولة مؤسسات تضمن الحريات وحقوق الإنسان والمواطنة الحقة والمساواة والعدالة الاجتماعية، وتنأى بنفسها عن تحويل العراق الى مركز لصراع القطبين المتخاصمين، الولايات المتحدة الأميركية وإيران.
عملت الأطراف والكيانات السياسية التي رسمت السياسة العراقية بعد عام 2003 على وضع مرشحيها في مواقع حساسة لتكون مصدراً للقرار، ولتحجيم دور المخلصين وإعاقة جهودهم في محاربة الفساد ومحاسبة المفسدين وتحقيق مطالب المواطنين وفي إعمار المناطق المتضررة من الحرب الذي تقدر كلفته ب 100 ألف بليون دولار، إضافة إلى إعادة النازحين إلى مناطقهم وضمان حياة آمنة كريمة للمواطنين ومعالجة البطالة والقضاء على بؤر الإرهاب.
يحتاج الإصلاح نظاماً سياسياً ديموقراطياً وشفافاً، يخلو من المحاصصة الطائفية، وإلى برلمانيين يكون ولاؤهم للوطن والشعب الذي انتخبهم، وليس لدول وأطراف وكتل وأحزاب متنفذة، تنتج طبقة سياسية طفيلية وتسيطرعلى مقدرات البلاد وتقتسم الكعكة وتتداول السلطة في ما بينها.
الإصلاح الحقيقي يعني الفصل بين السلطات واستقلالية القضاء، ويؤسس لتغييرات اقتصادية واجتماعية وبنيوية، إضافة إلى الالتزام بتحقيق العدالة والمساواة والوئام المجتمعي وتعزيز ركائز الهوية الوطنية وإعادة هيكلة المشاركة السياسية وإلغاء التشريعات التي تنتج فروقاً بين طبقات المجتمع الواحد، وكذلك يحتاج الأمر إلى إصلاح المؤسسات وإعادة كتابة الدستور وبناء دولة مواطنة وتعزيز المشاركة الشعبية ووضع قانون انتخابات يراعي الجميع.
لا يمكن إصلاح العملية السياسية في دولة مهدّمة ينخرها الفساد وتتوزع فيها المغانم بين الأطراف ذاتها التي يدعوها إياد علاوي إلى لقاء تشاوري.
“الحياة”