متى ما رأيت العامل الفني يتحول إلى عتال أقرأ السلام على تلك البلاد، هذا هو واقع الحال ما بعد 9 نيسان ، يوم احتلال بلد كان يوما ذا صناعة نامية ، يلعب فيها القطاع العام والخاص دورا رائدا في توفير السلع والخدمات ووفق الحاجات الاجتماعية وبموجب انظمة ورقابة صحية وفنية يشرف عليها حسب الاختصاص مختبر الصحة المركزي والجهاز المركزي للسيطرة والتقييس ، وقد كانت منطقة جميلة الصناعية منذ اواسط الستينات مركزا صناعيا مهما للصناعات الغذائية والمرطبات والحلويات ، وكانت هذه المنطقة تشتهر بمعامل الحديد والالمنيوم ، حيث ينتج فيها العديد من مستلزمات البناء والعديد من اثاث المطابح والحمامات ، وكانت تشتهر بصناعة الاثاث المنزلي من الاخشاب ، ولقد كانت من اولى المناطق بالصناعات البلاستيكية ، حيث كانت تزود السوق بادوات التنظيف وادوات اامطبخ والحمام من البلاستك ، وكذلك كانت معاملها تنتج الصوندات وانابيب المجاري والصرف الصحي ، وغيرها من الصناعات الخفيفة ذات الاستهلاك العالي المستديم ، وكانت معامل جميلة تخرج العمال الفنيين ورؤساء المجموعات الانتاجية ، وعمال واسطوات صيانة المكائن والالات الانتاجية . وبعد 9 نيسان وحال فتح الاستيراد وفق سياسة السوق ، التي طالب بها المحتل الحكومات المتعاقبة على اتباعها ، أخذت آلاف السلع تتوارد الى البلاد دون قيد او شرط ودون إجازة استيراد ودون ضوابط الجودة والسيطرة النوعية ، مما دفع بأصحاب المعامل إلى غلق معاملهم وورشهم وتحويلها بالاستئجار الى مخازن ومكاتب للمستورد ، وتحول العمال المهرة وأصحاب الكفاءات الفنية الى عتالين ، يحملون هذه السلعة او يفرغون تلك البضاعة ، وهكذا أضاع غباء الحكومات المتعاقبة، وجهالة المسؤولين فيها فرص بناء صناعات حقيقية كانت ستكون بفعل تراكم الخبرة وزيادة الإقبال على الإنتاج الصناعي ، وحال العراق اليوم حال أفقر دولة إفريقية يستورد كل شئ ولا ينتج اي شئ ، إلا عتالين يخدمون صناعة الغير ، ويهدمون معامل لاستقبال بضاعة الغير ، ويرفعون اعداد البطالة مقابل عائدات لتجار حثالة ، وما دامت ايادي فنيونا تخدم انتاج الاخرين قل على البلد يا رحمن يارحيم…