من الواضح جداً فشل الأجهزة الأمنية وخططها في مواجهة الإرهاب الذي يقع ضمن دائرة مهامها الأصيلة وهاهي التفجيرات والإغتيالات اليومية التي تدفع بكل قوة نحو نتيجة واحدة هي إسعار الحرب الطائفية التي يتفق الجميع على كونها ستحرق الأخضر واليابس إن حدثت وبدلا من ان تساهم تلك الأجهزة في إيقاف الإنحدار نحو الحرب الطائفية نجدها تسعرها بوعي منها وتقصد أو بغباء قاتل متطبع ومثال لذلك موقفها من الإعتصامات والتظاهرات السلمية التي قامت في المحافظات الستة وعلى وجه الخصوص مجزرة الحويجة وما تلاها ولكن الغريب فعلا أن لا نشهد تغيراً في سياسة التعامل مع الإعتصامات بعد طرح مبادرة فضيلة الشيخ الدكتور عبدالملك السعدي السلمية التي تهدف لحقن الدماء بل زاد حمق العسكر وبقت أيديهم مطلقة وزادت معه الدماء!.
وما حدث منذ اكثر من اربعة اشهر هو في كل صوره تعبيراً عن (خللاً أو عطلاً أو تعصباً أو جهلاً) لتعامل (السلطات الأمنية والعسكرية) مع المكون السُني وتركز قسم كبيرمن مطاليبهم بصلاح علاقة بين السئة و السلطات الأمنية (التعسف المتعمد في إستخدام المادة اربعة إرهاب ؛ سوء إستخدام إفادة المخبر السري و”الوهمي” ؛ الإعتقالات والمداهمات العشوائية ؛ التعذيب الممنهج ؛إنتهاك حقوق الإنسان ؛ الصلاحيات المطلقة للقوات الأمنية بلا أي رقيب وبلا حسيب ؛ الأعدامات المبنية على أسس باطلة ؛إعتقال النساء والأطفال) بل إنحصرت العلاقة بين (السلطة) و(السُنة) بالملف الأمني )على إعتبار أن ملف الخدمات ملف مشترك لكل العراقيين) الذي يقوده ويخطط له (جنرالات) منتهيٌ الصلاحية (اكسباير) يعتاشوا على هذا الملف عيشة الأباطرة ويشرف عليهم (دولته) بشكل مباشر مقاسمهم المسؤولية والثروات والإمتيازات وأصبحت هذه العلاقة (الغير شرعية) من التعقيد والإمتداد بحيث تجاوزت هذه الورقة إلى مصالح سياسية وإقتصادية وأخيراً (إنتخابية) حتى إصبحت علاقة عضوية صميمية لا يمكن لأي طرف أن ينفصل عن الآخر وأصبح وجود ومصالح كل طرف مرهون بوجود الآخر ويمكننا أن نتصور إذا لم يجدد للمالكي الولاية الثالثة (لأي سبب) أو على الأقل تم ترسيم عمل تلك الأجهزة بموجب الدستور والقوانين المحلية و أصبح عملها خاضعاً لرقابة برلمانية حقيقية وبموجب المواثيق والدساتير الأممية وإذا ما تم تطبيق (قانون الإجتثاث) مثلاً على القادة الآمنين الذين أستثنوا دون غيرهم من ضباط الجيش لكونهم جزء مهم من اللعبة القذرة فأي فضائح (بلاوي) ومآسي وأسرار و (ملفات) يمكن أن تكتشف !؟ وكلا الطرفين يسعى بكل طاقته ومقدرته لتجنب مثل هذا اليوم مهما كان الثمن . وهذه العلاقة الغير شرعية هي التي تدير أخطر الملفات وأعقدها فهي التي تدير العملية السياسية عن بعد و تتحكم بالميزان القوى السياسية (راجع الأشخاص الذين تم إستهدافهم عبر فبركة ملفات الإرهاب ضدهم بما يوحي بلا أدنى شك أن قادة السُنة جملة وتفصيلاً هم إرهابيون حالهم حال حواضنهم الإرهابية التي إنتخبتهم ) ولو أطلعت على القائمة المقدمة إلى رئاسة مجلس النواب من النواب المطلوب نزع الحصانة البرلمانية عنهم نتيجة لإتهامات بالإرهاب أو تمويل الإرهاب لوليت منهم فراراً ولملئت منهم رعباً . والغريب أن نواب “دولته” هم أطهر وأشرف وأودع كائنات في مجلس النواب أما بعض النواب من من يصعب إتهامهم بالإرهاب (خصوصاً “بعض” نواب الشيعة) فيتم فبركة ملفات (أخلاقية) لهم وإذا رحموهم فملفات الفساد المالي جاهزة وكم مرة هدد “دولته” التيار الصدري بكشف المستور (وما هو مدفون خلف السدة وما قام به “الشيعة ” من مقابر جماعية وكشف السيارات التي دفنت فيها عوائل كاملة !) وتصور إن “دولته” ليس “دولته” فقط بل هو (وزير الداخلية و وزير الدفاع والقائد العام للقوات المسلحة ورئيس المخابرات و …الخ) وفي كل الأحوال لا علاقة “لدولته” ولا لأجهزته بكل هذه الأمور فهو لا يتدخل في شغل القضاء المستقل تماماً وخصوصاً الهيئات التحقيقية الخاصة والعامة وفي كل وحدة عسكرية ولكل قائد عسكري سجون ومعتقلات يمارس فيها كل أصناف التعذيب ويتم التحقيق الأبتدائي والنهائي مع المعتقلين بصورة غير شرعية ولا قانونية ولا دستورية وبلا أي تخويل وبلا أي مسوغ قانوني وهناك يعترف أي إنسان على أية جريمة وفي كثير من الأحيان بلا أي (تعذيب جسدي) ! وفي الكثير من الأحيان يتم تصفية المعتقلين في تلك الوحدات بدم متجمد بلا رقيب وبلا حسيب وهم الأعلون بفضل “دولته” !
ولقد كشفت الأفلام المسربة عن (مجزرة الحويجة) عن طبيعة التكوين النفسي والعقائدي والمدرسة العسكرية التي تتبناها تلك الأجهزة (ممكن ملاحظة فرق محدود بين الفرقة العسكرية الساندة لقوة الشرطة الإتحادية وقوات سوات) ! كما كشفت الواجبات التي يمكن تكليف تلك الأجهزة بها وكيف تدخلت في حسم صراع سياسي كفله الدستور بطريقة غبية و وحشية حمقاء !.
ولكن الأخطر أن يسلم ملف التظاهرات والإعتصامات السلمية إلى تلك الأجهزة الأمنية التي لابد لها إبتدائاً أن تنسف السلمية وتحولها بمختلف الطرق إلى حربية كأجراء (شكلي) يبرر تدخلها العسكري . وقد تُسابق الزمن لإفشال المبادرة السلمية التفاوضية العاقلة والرشيدة (التي أطلقها فضيلة الشيخ الدكتور عبدالملك السعدي) وهي خطوة حضارية لحقن الدماء وإعطاء العقل والحكمة والتدير فرصته ومن الكارثة والحمق إبقاء ملف الإعتصامات في يد الجنرالات بل لابد من سحبهم بعيداً عن الميادين السلمية أياً كانت والحفاظ على هيبة الجيش وإحترامه بعدم زجه بمهاترات سياسية ومواجهة شعبه (إن كان يمثله فعلاً) . والحرب على الممارسات السلمية يعني بالضرورة إطلاق يد الإرهاب والعنف وزج الجيش والسلطة والدولة في مواجهة فاشلة وقد تؤدي في النهاية الى اسعارحرب طائفية الجميع فيها خسران فإنهاء الإعتصامات أمر هين على الجيش ولكن الأمر الأخطر هو ما بعد ذلك أين سيذهب المعتصمون ؟!
ومن المعلوم أن العقل العسكري يتجه دوماً نحو (تفتيت) (الأعداء) (لإنهائهم) والقضاء عليهم وهو مرهون بقوة النيران التي يمتلكها وعقل الشرطة يتجه دائماً نحو (تقسيم وتجزئة) التظاهرات والإعتصامات وشق صفها لإحتوائها والقضاء عليها و(إنهائها) وهو مرهون بكم الهراوات والدروع التي يمتلكها وكلاهما العسكر والشرطة غير معنيان بفكر المعتصمين ومطالبهم وعدالة قضيتهم أو عدمها بل هما غير معنيان بالقوانين والدساتير ومعنيان بالأمر العسكري واجب التنفيذ من القائد العام وهو هنا (دولته) ويشاركه (معاليه) المتبجح بالقوة المتخاصم مع الديمقراطية ومع ذلك فمعاليه هو أيضاً معالي الثقافة !! بل لعله تطوير لشعار سابق بأن للقلم والبندقية فوهة واحدة إلى (القلم خادم البندقية وتعساً للديمقراطية) . وهذا بالطبع يحدث فقط وفقط في الأنظمة البوليسية والعسكرية التي يكون واجب الأجهزة الأمنية السرية والعلنية والجيوش النظامية وغير النظامية هو حماية السلطة التي يتقاسموها مع (مالكي السلطة) بوصفها مشروع تجاري مشترك وبوصف السلطة حقل الدجاج يبيض مليارات الدنانير وملايين من الدولارات ويمنحها الإمتيازات التي لا يمكن لعقولهم ولا جيوبهم ولا خزائنهم إستيعابها وكذلك حماية القائد الأعلى ولي النعمة المقدس الحاكم بامره مثل عقل العصابة حيث يدور حول الغنيمة حتى لو أدى الأمر إلى تصفية الضحية. ولكن قوانين الحياة ستسقط ريش الدجاجة التي تبيض ملايين الدولارات وستنكشف عارية تماماً وستبصق دماً ويسيل من جلدها العاري قيحاً . لذا فهم أبعد الناس عن السياسة والصراع السياسي بل هم إن تدخلوا فيها فعلى الدنيا الخراب وللناس المضرة وعلى “دولته” سحبهم بعيداً والتوجه في معالجة أزمة أهل السُنة مع السلطة إلى العقل السياسي المتدبر المستنير الذي يهمه إيجاد حل عقلاني وعادل بلا تحيز ويهمه تحقيق السلم والوفاق الأهلي والأمن الإجتماعي وتجنب كل ما قد يهدد الوحدة الوطنية لذا هو يبحث في الطرف الثاني عن وحدة القرار ومصداقية تمثيله (لا عن تشتته وتزويره) ليسهل التفاوض معه واثقاً به لإنهاء الأزمة (خصوصاً إن كانت أزمة مكون وليس أزمة حزب) وكذلك العقل الوطني يسعى لتجنب أي تفكك مجتمعي وهو حريص على وحدة المكونات حيث لا تتحقق الوحدة الوطنية من دون وحدة المكونات نفسها من أجل كل هذا فأن وجود قيادة موحدة للمعتصمين الموحدين مخولة من قبلهم تمتلك صلاحية القرار أمراً يسهل تحديد المشكلة ويساعد في الوصول الى الحل وذلك هو عقل التمدن والتحضر فأي منها ستختار الحكومة !؟ وعلى الدولة التي تريد الإصلاح والخروج من الأزمة أن تذهب إلى ميادين الإعتصامات بغصن الزيتون بعقل منفتح وبشعور صادق أن ذلك واجبها إزاء شعبها وليس أعدائها بل أن المعتصمين قدموا الحل السلمي وعرضوا التفاوض من أجل الوصول إلى الحل ! وهناك تجد الحل العملي والعلمي والواقعي وهناك تجد الشرعية بكل انواعها ومنها شرعية التمثيل وعدم دفن الرؤس بالرمال وتزوير الحقائق وتزوير الارادات والإعتماد على القرقوزات التي يعرفها الناس تماماً فهم رؤساء عصابات فاشلين (أكسباير) كما هي خطط دولتك اصبحت (اكسباير) هي الاخرى . ومتى تشبعون من أنهار الدم وبحر الظلم والإرهاب وتخرجون من الظلمات إلى النور .
[email protected]