اعتقد ان تسمية (الجكسارة ) عراقية بامتياز ،وهو اسم يطلقه العراقيون على السيارة (لاندكروز Gxr) مثل تسميات عديدة لاتعرفها الشركات المنتجة ولاتعرفها الشعوب الاخرى على مااظن ، وعلى كل حال فقد سلبت هذه السيارة عقول الناس في العراق وجعلوا من فخامتها ومتانتها وغلاء ثمنها معياراً لكثير مما يروق لهم او لايروقهم من اوصاف ،فهي مقياس للمكانة الاجتماعية وللموقع السياسي والاقتصادي وهم في ذلك (ماركسيون وان لم ينتموا !) حيث ترى الماركسية ان الموقع الاقتصادي يحدد الموقع الاجتماعي للانسان ! والعراقيون لايؤمنون بالماركسية فهي كانت ولازالت بنظرهم كفر والحاد لكنهم لايرون تثريباً في تطبيق مبادئها وافكارها متى ماكانت تؤدي الى النتائج التي يريدون الوصول اليها ، وهي ايضاً معيار للفساد واللصوصية فمالكها متهم بالفساد مطعون بنزاهته مشكوك في حلية ماله ! واذا كان مالكها سياسياً فلايمكن لاحد ان يناقش في كونها مال حرام استولى عليه من قوت الشعب ومن اهات المرضى ودماء الشهداء وانين الجرحى ، ولست هنا بصدد تتبع المقدمات والنتائج وتحديد الموقف الاجتماعي انما يهمني نمط التفكير واساليبه وكيفية الاستنتاج
ذات مرة استاجرت سيارة اجرة نوع (اوبل ) وقد اتفقت مع سائقها على الاجرة وكان مقدارها (1250)دينار ! كان ذلك في 2004 ،حدثني السائق وكان شاباً عن اهمية السيارة في حياة الانسان خاصة السيارة الحديثة كالتي استاجرتها ! وان سيارة الانسان تعني احترامه وتقديره في مجتمعه !
كان شاباً حدثاً مندكاً تمام الاندكاك في سيارته وقيمتها التي تعكس قيمته وتقديره واحترامه في مجتمعه ! فقلت له : هل تسمح لي بتصحيح افكارك ولو كان في ذلك احراج لك لانك بحاجة لتصحيح هذه الافكار؟؟ فقلت له بصراحة : هل تستطيع ان تترك سيارتك توصلني الى حيث اريد بعد دفع الاجرة ؟ فقال :لا لايمكن ان توصلك السيارة وحدها من غير سائقها !
فقلت له :اذن ماقيمتك وانا وغيري نستاجرك انت وسيارتك بمبلغ زهيد لايساوي 1%من ثمن السيارة؟؟! فصمت الرجل برهة وقال وقد تملكه الخجل ،نعم صحيح ماتفضلت به ، فقلت له : ياولدي ،قيمة الانسان في كماله الاخلاقي وقربه او بعده من العدل والحق وغير ذلك ليس سوى ترهات !
سقت هذا المثال لاني اسمع كل يوم كلاماً حول امتلاك زيد من الناس لـ(جكسارة ) وقد كان قبلذاك يملك عربةً وحماراً ينقل بواسطتها احتياجات الناس ! وآخر ارتفع شانه فجأة فامتلك الجكسارة ايضاً ! ولاغرابة في متابعة الناس للناس ومراقبة بعضهم للاخر فهي سمة بشرية شرقية بامتياز وتستوطن في الصحراء والاماكن النائية وقد ذكر ابن خلدون في مقدمته ان الحسد سمة طبيعية لدى البدو ولايفارقهم ابداً وهذا مادعاه الى القول باستحالة قيام دولة حضارية لدى سكان الجزيرة العربية لتغلغل الصفات والطباع البدوية فيها وعدم امكانية تنازل كل فرد فيها عن حقه في حماية نفسه وممتلكاته لصالح الدولة ! غير ان الامر لم ينقرض عند البدو وعند سكان الجزيرة الذين قامت لديهم دول ومؤسسات ترعى الانسان ورفاهيته مقابل التنازل عن المشاركة السياسية ،بل تعدى هذا التفكير سكان الصحراء ليصل الى الاماكن الحضرية ويستوطنها ايضاً!وفي رايي ان الامر يعود لاسباب عديدة منها التحول الاجتماعي السريع الذي ادى الى سحق الطبقة الوسطى ومنها ايضا الفساد المستحكم في مؤسسات الدولة الذي ترك اثاراً اخلاقية كارثية يصعب معها تمييز الصالح من الطالح وغير ذلك من اسباب ليس هذا مورد تعدادها لكن السبب الاهم هو تعطيل العقل لدى الفرد العراقي وتوجيهه نحو مالاينفع في دنيا ولادين ! وهذا التوجيه ليس خارجيا 100%انما هو توجيه ذاتي ناشئ من القدرة العقلية وحصرها في جوانب محددة لاتتجاوزها رغم الامكانية الهائلة التي يكتنزها العقل البشري غير انه يقف منبهراً وعاجزاً امام العقل الذي يدير الـ(جكسارة ) ويحركها ! فهو عقل يوزع المهام تلقائياً ويؤشر حالة العطب والخلل في السيارة ويتفوق بكثير على عقل الانسان الذي لايحسن توجيه ذاته غفلة او خمولا وقد قال الفلاسفة والمتكلمين (ان الانسان الغافل والبهيمة بمنزلة سواء )! فلاجريمة يرتكبها الانسان بحق نفسه كجريمته في تعطيل عقله بعدما علم ان الله عزوجل يثيب ويعاقب بهذا العقل ! ومثل هذا العقل فاقد للحكمة التي من الله عزوجل بها على الانبياء والاولياء والصالحين ( ولقد آتينا لقمان الحكمة )
( وآتيناه الحكمة وفصل الخطاب )
كما وصف سبحانه وتعالى نفسه كثيراً بالحكمة فيما انزله من الكتب السماوية التي تهدف جميعاً الى تنمية الاخلاق الحميدة والحكمة لدى الانسان وقد قال صلى الله عليه واله (انما بعثت لاتمم مكارم الاخلاق ) وليس من الاخلاق ان يهمل المرء تهذيب نفسه وترويضها على كبر النفس وكبريائها والانشغال فيما يصلحها بدل الانشغال في احوال الناس !
ومادمنا نشخصن كل شيئ وكل نقد فلابد من التنبيه الى اني كتبت ماكتبت انتصاراً لمفاهيم السماء والقيم الاخلاقية التي جاء بها النبي الاعظم صلى الله عليه واله وليس فيما كتبت دفاع عن نفسي اوتعريض باحد فانا لااملك (جكسارة ) ولااتمنى امتلاكها ،انما وجدت ضياعا وتيها وانشغالا بالمخلوق دون الخالق فادليت بدلوي عسى ان ينتفع به من ينتفع