خاص: قراءة – سماح عادل
رواية (الزوج الأبدي) للكاتب الروسي الشهير “فيودور دوستويفسكي” تحكي من خلال التحليل النفسي حكاية مثلث العشق الشهير، الزوج والزوجة والعشيق، لكنها تحكي بشكل خاص عن العشيق.
الشخصيات..
إلكسي إيفانوفيتش فيلتشانينوف: هو البطل، رجل تجاوز الأربعين من عمره، وبدأت تظهر عليه علامات الكآبة المصاحبة للدخول في مرحلة الشيخوخة، وقد أصرف الراوي في سرد هذه العلامات، وكيف أن البطل بدأ ينسى أشياء كثيرة وأصبحت الذاكرة تراوغه، كما وأنه في بداية الرواية كان يمر بمرحلة قاسية، حيث أنه في مرحلة التقاضي بخصوص قطعة أرض تخصه وكان يوشك على الإفلاس، وهو في زمن ماضي كان عشيقا لسيدة تدعى “ناتاليا”، لكنها هجرته لأجل رجل آخر ونسى أمرها، وبعد مرور تسع سنوات يتصادف أنه يتقابل مع زوجها في “بطرسبرغ”.
بافيل بافلوفيتش (تروسوتسكي): الزوج المخدوع ل”نتاليا”، والتي لم تكتف بخيانته مع بطل الرواية فقط، بل خانته مع رجال آخرون وامتدت فترات خيانتها أوعشقها للرجال، دون أن يعلم زوجها بأمر تلك الخيانات، والزوج هذا رجل ثري يستقبل الأصدقاء في بيته مدد طويلة من الزمن، ويتعامل معهم بطيبة وبترحاب، حيث أن زوجته هي المتحكمة في حياتهما الزوجية، وحين تموت زوجته يكتشف كل ما كانت تفعله عن طريق الخطابات التي كانت تحتفظ بها في صندوق صغير، بعد موتها المفاجئ بمرض السل، حيث أنها هي نفسها لم تكن تتوقع أن تموت وكانت تستعد قبل موتها بساعات قليلة للذهاب إلى قريبة لها لزيارتها، هذا الزوج تنقلب حاله بعد أن يكتشف خيانات زوجته، ويصبح سكيرا وقاسيا حتى أنه يتسبب في موت ابنته “ليزا” التي يعرف أنها ليست ابنته وإنما ابنة البطل.
الزوجة: يصفها الراوي الذي يتقمص وجهة نظر البطل أنها امرأة قوية متسلطة، هي من تتحكم في زوجها وفي حياتها حتى أنها تتحكم في عشاقها فتهجرهم وقتما تريد لتذهب إلى آخر، والبطل كان يريد منها أن تهرب وتعيش معه لكنها ترفض وتأمره أن يترك منزلها، ثم تخفي عنه أمر حملها ولا تعرفه أنها أنجبت منه طفلة، رغم أنها خطت رسالة لتعلمه بالأمر لكنها تراجعت عنها وكتبت رسالة أخرى أنكرت فيها أن حملها كان صحيحا.
ليزا: الطفلة التي نتجت عن علاقة العشق بين البطل والزوجة، وهي التي عانت من العواقب حيث عاملها الزوج معاملة قاسية بعد موت أمها وبعد اكتشافه أنها ابنة البطل، حتى أنه كان يهددها بأنه سينتحر كما كان يقرصها في إنحاء جسدها بدلا من ضربها، وكان يغضب عليها كثيرا حتى أن حالة الطفلة النفسية تسوء وتدخل في حمى بعد أن يأخذها البطل إلى بيت أصدقاء له، وتشعر أن أباها هجرها وتموت من الحمى.
الراوي..
الراوي هو راو عليم لكنه يهتم بعرض وجهة نظر البطل “فيلتشانينوف” فقط، حيث ينقل رؤيته للشخصيات الأخرى كما يحكي عنه من بداية الرواية لأخرها، ويحكي تقلباته النفسية.
السرد..
الرواية تعتمد على التحليل النفسي للشخصيات وفق ما هو معروف في نهاية القرن التاسع عشر وقت كتابة الرواية، كما تهتم بعرض أفكار حول الخير والشر، وحول العلاقات الإنسانية، لكنها رغم ذلك تنتصر للعشيق والذي لا يتحلى بصفات أخلاقية نبيلة، وإنما يتعالي على الزوج المخدوع ويعامله باحتقار طوال الوقت، وكأنه أفضل منه بكثير لأنه لم يكن يوما زوجا مخدوعا، كما أنها تكشف نوع من نمط العلاقات الإنسانية في وسط الطبقة الوسطى في روسيا في أواخر القرن التاسع عشر، الرواية تقع في حوالي 220 صفحة من القطع المتوسط.
الزوج المنصاع والعشيق الجذاب..
تكمن أهمية الرواية في أنها ترصد نمط من العلاقات في أواخر القرن التاسع عشر في روسيا القيصرية، وسط الطبقة الوسطى التي كانت تتقرب من النبلاء والأغنياء، والتي كانت تعتمد على الثراء والمال والتقرب من الطبقة الأعلى كوسيلة لاكتساب القيمة الاجتماعية، وهذا بشكل غير مقصود من “ديستوفسكي” نفسه، فقد تعطينا أية رواية معلومات وملامح عن مجتمع ما أو طبقة ما داخل المجتمع في فترة زمنية معينة.
وقد بين الكاتب كيف أن هناك داخل هذه الطبقة الوسطى علاقات حب غير مشروعة اجتماعيا ومرفوضة ضمن أخلاق هذا الزمان وضمن قيم الطبقة، لكنها تفرض وجودها، فقد توجد زوجة قوية الشخصية متحكمة، تحب الامتلاك أو يستهويها تعدد علاقات العشق وانجذاب الرجال حولها، مثلما كانت الزوجة في الرواية، حيث أنها كانت تقيم علاقات عشق مع بعض الرجال وتستضيفهم في بيتها لشهور طويلة، وقد تمتد علاقة العشق لسنوات طوال، كل ذلك وزوجها لا يعلم عن الأمر شيء، أو ربما يعلم ويتغاضى عن ذلك، أو يوهم نفسه أنه لا توجد أية علاقة بين زوجته وبين هؤلاء الرجال، مثلما يبين لنا البطل حين يفكر في شخصية الزوج الأبدي .
فقد ظن البطل العشيق أن هذا الزوج هو ما يعرف بشخصية “الزوج الأبدي” الذي ينصاع داخل علاقة الزواج ويكون الطرف الأضعف، في حين أن الزوجة تكون متحكمة في كثير من الأمور وهي من تدير شئون علاقة الزواج وشئون الحياة، ورغم كونه ثريا، وهو من ينفق على الزوجة وعلى عشاقها الذين تستقطبهم وتسكنهم في منزلها، إلا أنه يوهم نفسه أن كل شيء طبيعي ولا يشك بزوجته أبدا، وقد ميز البطل نفسه عن شخصية الزوج واعتبر نفسه أفضل منه حتى أنه في مشاهد كثيرة كان يعامله باحتقار وغضب ودونية.
وكان الزوج ذا شخصية مذبذبة وضعيفة حتى أنه كان يتردد في البوح للبطل بأنه عرف بأمر علاقته بزوجته وعرف حتى أن طفلته لا تخصه وإنما هي طفلة البطل. ونجد الزوج يقوم بأمور غريبة، أولا يحاول فتح باب منزل البطل ثم حين يقابله يكون سكرانا ويقوم بأفعال بهلوانية، حيث يطلب منه أن يقبله أو يبادله مشاعر ما، ويعترف له في مشهد آخر أنه كان يحبه وأنه كان واقع تحت تأثير الإعجاب بشخصيته وحضوره، وفي مرة أخرى يعالجه من المرض باستماتة ويخفف آلامه، وفي نفس الليلة يحاول ذبحه بموسى للحلاقة وجدها في بيت البطل.
وتذبذب شخصية الزوج ناتج عن ضعف أصيل في شخصيته كما يصور البطل والراوي، كما أن جزء منه راجع إلى صدمته في زوجته التي عاش معها سنوات طوال، لكنه حين يتحرر من وطأة هذه الصدمة يعود لسيرته الأولى ويتزوج من امرأة أخرى تحمل نفس المواصفات، توبخه أمام الجميع وتلتصق بشاب آخر في محطة القطار، كما أنها تعرض على البطل بجرأة أن يقضى في منزلها وقت للنزهة، ويظل الزوج خائفا من تكرار الأمر ويأخذ وعدا من البطل أنه لن يلبي دعوة زوجته الجديدة، ولا يرتاح إلا بأخذ هذا الوعد.
الرواية صورت البطل وانفعالاته وتقلباته النفسية رغم مساوئه الأخلاقية وانتصرت له بل وتعاطفت معه حين ماتت ابنته “ليزا” وأظهر ضعفا نفسيا وانهيارا، كما أنها انتصرت له حين تعافى من قلقه النفسي وحالات اكتئابه وشفى منها تمام، وعاد غنيا بعد أن حسمت القضية التي كان ينتظر نتائجها وأصبح قويا ومعافى نفسيا، كما كان واضحا أنها بينت الزوج دوما على أنه الشخصية الشريرة القاسية المتوحشة ونبذته لأنه زوج مخدوع منصاع، ووحشا حين يكتشف خيانة زوجته، حتى أنه تسبب في مقتل طفلة بدماء باردة.
كما صورت تذبذب الزوج النفسي حين ألح على البطل في أن يصطحبه معه إلى بيت خطيبته الجديدة، لكي يغيظه بها، لكن ينتصر البطل أيضا وينال قبول العائلة والفتيات الصغار، في حين يبقى الزوج مكروها ويعاملونه على أنه شخصية متطفلة، وترفض الخطيبة الزواج منه لأنها تحب صديق لها شاب في نفس عمرها.
الرواية..
(الزوج الأبدي رواية) للأديب الروسي “فيودور دوستويفسكي”، نشرت سنة 1870 بمجلة (الفجر) الأدبية. تسرد الرواية، عبر فصولها السبعة عشر، علاقة معقدة بين “فيلتشانينوف” و”تروسوتسكي”، الزوج الأرمل لعشيقته المتوفاة. تتميز الرواية بأسلوب يتراوح بين التراجيديا والكوميديا، وعمق التحليل النفسي لشخصياتها.
كتب “دوستويفسكي” الرواية خلال مقامه بمدينة “دريسدن” الألمانية، إبان هجرته الأوروبية، بين صيف وخريف سنة 1869، بطلب من صديقه الناقد “ستراخوف”، بنية نشرها، مسلسلة، في مجلة (الفجر) الأدبية. قام “دوستويفسكي” بإحراق المخطوطة الأصلية للرواية، خوفا من تفتيش حرس الحدود الروس، قبل عودته إلى روسيا في ربيع 1871.
يقول “دوستويفسكي” في خريف عام 1869، حين انتهى من كتابة روايته (الزوج الأبدي)، في رسالة بعث بها إلى صديقه الشاعر “آبولون مايكوف”: “لقد استغرقتني كتابتها ما لا يقل عن ثلاثة أشهر. وخلال هذه الفترة حبّرت إحدى عشرة ملزمة من ملازم المطبعة على الأقل. بهذا يمكنك أن تتصور هذا الجهد من الأشغال الشاقة الذي بذلته. إنه أشبه بالعمل الذي يفرض على المحكومين في المعتقلات. أضف إلى هذا أنني منذ بدء كتابتي لها، أخذت أكره هذه القصة الرديئة كراهية كبرى. شعرت أنه كان في إمكاني أن أكتب ثلاث ملازم على أبعد تقدير. لكني خلال الكتابة شعرت أن الأفكار تطلع في رأسي تباعاً وفي شكل غير متوقع، وهكذا وصلت إلى كل تلك الملازم وصفحاتها».
الكاتب..
“فيودور ميخايلوفيتش دوستويفسكي” (1821- 1881)، راوي وكاتب صحفي وفيلسوف روسي، تميزت كتاباته بإتباع الفهم والعمق النفسي للإنسان، وتضمنت تحليل للحال السياسي والاجتماعي في روسيا. روايته الأولى حملت عنوان (المساكين)، وأكثر رواياته شهرة هي: (الإخوة كارامازوف، والجريمة والعقاب، والأبله، والشياطين).
والداه لهم دور كبير في هذه المكانة العظيمة، لأنهم جعلوه يدرس الأدب، و كان يحب والده لذلك تعتبر من أصعب المواقف في حياة الكاتب هي وفاة والده، و التي أثرت بشكل كبير على الكاتب نفسه، حيث بدأت أعراض مرض الصرع في الظهور على الكاتب، و ذلك بعد وفاة والده المؤلمة.
أكمل “فيودور دوستويفسكي” دراسته، حتى حصل على لقب مهندس عسكري، و كان محبوب بين جميع زملاءه و كانوا يقدرونه و يحترمونه، أعمال الكاتب تعتبر كثيرة و متنوعة، حيث كان مؤلف قصص قصيرة بجانب تأليف الشعر، و كان يقوم بتأليف روايات قصيرة أيضاً، و نجد أن من أبرز كتاباته الرسائل أيضاً، و عدد هذه الرسائل كان كبير جداً حيث يصل إلى أكثر من ٧٠٠ رسالة تم كتابتها، و أبرز ما يميز ما يكتبه عن باقي الكاتبين، أن جميع ما يكتبه كان يعبر عنه و يعبر عن أفكاره المختلفة.