حراك دبلوماسي تشهده البلاد خارج عن المألوف منذ عام ٢٠٠٣ بل حتى ما قبل ذلك التاريخ، بعد ان كانت الزيارات ما قبل ٢٠١٤ تقليدية لا تعدو أطار المجاملات ربما فقط لكسر الجليد لا تغني ولا تسمن من جوع؛ الا انها لم تفلح في السيطرة على الحدود ومنع تسلل الإرهابيين، ويتضح ذلك جليا في القمة العربية التي عقدت في بغداد آنذاك.
في حقبة العبادي وتحديدا من عام ٢٠١٤ إلى ٢٠١٨ لا يمكن إنكار حقيقة الحراك الدبلوماسي من أجل الحصول على دعم عسكري ولوجستي من أجل تحرير الأراضي والقضاء على الإرهاب، وتلك المحاولات ساهمت إلى حد كبير في رفد المؤسسة العسكرية بالسلاح آنذاك وكسر العزلة التي كان يعيشها العراق، لكن بقيت كثير من الملفات الشائكة التي لم تجد حلولا لأن الشغل الشاغل للحكومة آنذاك توفير الأمن وتحرير الأراضي، وسرعان ما بدأت تأثيرات تلك الملفات العالقة تفرض نفسها وتؤثر على العراق بقوة منها ملفات المياه التي تسببت بأزمة جفاف ضربت الأراضي العراقية واضرت بشكل كبير بالواقع الزراعي والاهوار، بالإضافة إلى أزمة استيراد الطاقة والتبادل التجاري والاقتصادي.
الحراك الدبلوماسي الحالي أعاد ترتيب الأوراق من جديد وبصورة أخرى تماما حتى مع الدول التي كانت علاقتها مع العراق جيدة الى حد ما، وزيارة الرئيس الايراني روحاني الأخيرة الى العراق وما نتج عنها من اتفاقيات تؤكد تلك الحقائق، وابرزها إعادة العمل ضمن اتفاق الحدود المائية لعام ١٩٧٥ الذي يضمن للعراق ما تمت خسارته بسبب عوامل انجراف النهر تجاه العراق بما يقارب ٣ كم، يثبت ان البلد دخل مرحلة دبلوماسية مهمة قائمة على مبدأ السيادة المطلقة.
هذا ما أكد عليه سماحة المرجع الأعلى دام ظله في حديثه عن الترحيب بأي خطوة في سبيل تعزيز علاقات العراق بجيرانه وفقا لمصالح الطرفين وعلى أساس احترام سيادة الدول وعدم التدخل بشؤونها الداخلية في اشارات الى ما يذكر عن تدخل ايراني او امريكي في شؤون البلاد، لم يخل الحوار من ذكر الحرب التي خاضها العراق ضد التنظيمات المتطرفة وأبعاد الخطر عن المنطقة، وما تواجهه الحكومة من تحديات حقيقية كمحاربة الفساد الذي شرع كل أبواب الخراب والإرهاب ، وتحسين الخدمات التي بدأت تقرع جرس إنذار حقيقي على نفاذ صبر المواطن العراقي الذي مل الوعود والشعارات، وحصر السلاح بيد الدولة واجهزتها الامنية للتخلص من ظاهرة الفوضى والارباك والانفلات الأمني وما يشكله من عقبة حقيقة في طريق توفير الاستقرار.
مطالبة المرجعية الالزامية للحكومة بالتصدي لتلك الازمات يحتم عليها بذل الجهود لأعادة ترتيب أوراق المشهد السياسي المقبل لأستثمار حكومة الفرصة الأخيرة من جهة ، ومن جهة أخرى يتطلب ترميم العلاقات الدولية مع العراق إلى حراك لأبراز ملامح المرحلة المقبلة ويذيب جليد العزلة السياسية، ويشرع أفق تعيد العراق لدوره الريادي، القائم على التواصل والحياد، تلك المرتكزات السياسية والدبلوماسية من شأنها أن تعيد التوازن إلى المنطقة، وحصاد تلك العلاقات التي لم يتمكن اي من الحكومات السابقة تحقيقها، من شأنها أن تنعكس ايجابيا على النظام الاقتصادي وعلى الحوار الاعلامي، ويتضح ذلك من خلال صورة أخرى للعراق في الإعلام العربي واختلفت لغة الحوار وبدأت الانظار تتجه لملامح الحياة بعيدا عن اخبار الموت والطرف والفتن الطائفية.
مجموعة مؤشرات في حديث المرجعية توضح أبعاد المشاكل التي يجب على الحكومة أن تأخذها بعين الاعتبار، لتجاوز تلك التحديات وأستثمار الفرص المتاحة لتغيير الواقع السياسي برمته اذا ما توفرت النوايا المخلصة لذلك