5 نوفمبر، 2024 12:32 م
Search
Close this search box.

شط العرب ما له وما عليه

شط العرب ما له وما عليه

ألغى شاه إيران محمد رضا بهلوي معاهدة عام ١٩٣٧ من طرف واحد، وبذلك خالف القانون الدولي فيما يخص إصولية إلغاء المعاهدات. وفعلها إيضاً رئيس جمهورية العراق صدام حسين وألغى إتفاقية الجزائر عام ١٩٧٥ بذات الطريقة، بغض النظر عن الإدعاءات الخاصة بمخالفة إيران بنود الإتفاقية بعد مجيء نظامها الجديد عام ١٩٧٩. لسنا هنا في وارد الإجحاف الذي أصاب العراق من جراء إبرام تلك الإتفاقية للأسباب المعروفة في حينها وإضطرار العراق على مضض إبرامها بحجة الوضع الخطير في شمال العراق ودعم الشاه للأكراد في ذلك الحين. والعراق لو إنه فرط بشماله في أسوء ظرف لكان أفضل له من التفريط بشط العرب، وهو، بذلك، قد فرط بإطلالته الحيوية المحدودة جدا على الخليج العربي، وهي إطلالة وحيدة على المياه العميقة. هذا ما جرى، وإذا ما فكر العراق في تصحيح هذا المسار فإن عليه سلوك طرق أخرى إجد إنها غاية في الصعوبة في ظرفه الراهن.

الآن؛ ينشط كثير من الذين يخوضون في هذا الموضوع دون دراية حقيقية في حيثياته وكأن الأمر يحدث بالتمني، أو في نبش مواضيع لا يمكن تحقيقها والعراق في ظرفه الحالي مطالب في أن يستطيع المحافظة على تماسكه ووحدة المتبقي من أراضيه وإبعاد التأثيرات الخارجية عنه من صغير الدول وليس من كبيرها. أقول، وليس في وارد الدفاع عن هذه الحكومة، أو عن من مثلها في المفاوضات الاخيرة، أو عن الحكومة الإيرانية. ولكن، شيء يحسب لها، بمشيئة المفاوض العراقي، أم بمشيئة المفاوض الإيراني” المشهود له بالمماطلة “، الذي قد يكون في تباحثه كان بعيد النظر، لأن ليس في مفاوضات الدول بشأن كهذا، أن تكون للعواطف أو الأخوة أو مفاهيم الجيرة قيمة تذكر، فالمعروف عن المفاوض المتمرس هو من يحقق أكبر إنجاز لبلده على حساب المفاوض الآخر، وهذا ما لم تفعله إيران، ليس حباً، ولكن لعقلانيتها في الحفاظ على مكسب تأريخي كبير حققته في زمن ما لا تريد التفريط به على الإطلاق، وهو مكسب إتفاقية الجزائر .

من المعروف إن مصب شط العرب إنحرف عن مجراه على الخليج العربي مسافة كيلومترين، تاركاً وراءه أراضٍ عراقية بهذه المسافة تمتد لمسافات يعرفها جيداً الخبراء في كلا البلدين، إضافة الى ما يقابلها من حدود بحرية سيتركها العراق الى إيران بحكم هذا الإنحراف بما فيها ميناء العمية العراقي. وإن الاتفاقية التي وقعها العراق مع إيران لدى زيارة الرئيس الإيراني حسن روحاني، في إعادة مجرى شط العرب الى ما كان عليه عام ١٩٧٥، تعد مكسباً للعراق، وفق المعطيات المتوفرة، كثيراً ما راود مختصين في وزارتي الخارجية والمياه، لأن إيران وفقاً للقانون الدولي أن تصر على عدم العودة الى ما كان عليه النهر، وارداً، وفق مفهوم التقادم، وعدم فاعلية المطالبة فيه لأكثر من ٤٠ عاماً على هذا الإنحراف ودون جدية واضحة من العراق في إعادة المجرى الى ما كان عليه.

لذلك، فإن الإتفاقية التي جرى توقيعها مؤخراً بين العراق وإيران فيما يخص إعادة مجرى النهر الى ما كان عليه، وفي رفع الغوارق التي خلفتها الحرب العراقية الأيرانية عام ١٩٨٠، وفي إعادة تشغيل مكتب الإرتباط، وإعادة العمل في الشط، تعد خطوة هامة في الإتجاه الصحيح لإعادة الحياة لهذا الشريان الهام للعراق وفي إعادة تشغيل ميناء البصرة وميناء المعقل، الى جانب أهميته لإيران وموانئها. هذا هو الممكن الآن، أما الحديث عن إتفاقية عام ١٩٧٥، المسماة من جميع الأطراف ” بالمشؤومة”، ولست متفائلاً، فلتترك لعراق آخر ولزمان آخر.

أحدث المقالات

أحدث المقالات