احمد موسى جياد
استشارية التنمية والابحاث/ العراق
النرويج
شهد القطاع النفطي العديد من التطورات منذ عام 2003 كان لبعضها اثار ايجابية وللأُخرى اثار سلبية؛ ونتيجة لذلك حقق القطاع بعض النجاحات وعانى في نفس الوقت من اخفاقات عديدة ومؤثرة ساهمت بمجملها في اولا خلق حالة من التطور غير المتوازن في القطاع ذاته وثانيا في ادامة وترسيخ الخلل الهيكلي للاقتصاد العراقي والمتمثل بتعميق الاعتماد على انتاج وتصدير النفط الخام في المستقبل المنظور.
على الرغم من أن الدولة تضطلع بالدور الرائد في تطوير القطاع النفطي ، فقد شهدت فترة ما بعد عام 2003 الانفتاح الكبير لمساهمة شركات النفط الدولية IOCs والاستثمار الاجنبي حيث تم اقتراح أو اعتماد أُطر مختلفة، تعكس في الغالب خصائص كل قطاع فرعي (ضمن القطاع النفطي)، لتنظيم العلاقات التعاقدية والقانونية والاستثمارية مع الشركات الدولية.
إن المتابعة الشاملة والبحث المستمر يشيران إلى أن معظم التطور الملحوظ قد حدث في قطاع الاستخراج حيث دخلت شركات النفط العالمية في عقود تتعلق بتطوير معظم حقول النفط الكبيرة المعروفة والتي بدورها تغطي جزء كبير من احتياطيات النفط المثبتة.
لكن ” ثلاثية الصدمات Triple shocks ” المتمثلة في انهيار أسعار النفط منذ حزيران 2014 (المخاطر الاقتصادية) المصحوبة بتأثيرات داعش (المخاطر الأمنية) و استيلاء حكومة إقليم كردستان على بعض حقول نفط شركة نفط الشمال -NOC (حزيران 2014- أكتوبر/تشرين اول 2017) (المخاطر السياسية) مع الشعور الذي كان سائدا في حينه حسب مقولة احتمال بقاء أسعار النفط “منخفضة لفترة اطول “lower-for- longer” ” قد ساهم في استمرار تعميق الأزمة المالية للدولة وبروز وسيطرة تأثير “عامل الخوف” بين وعلى صانعي القرار العراقيين. وقد أدى ذلك ، بالاقتران مع وجود ثغرات واضحة في القدرات البشرية والتنظيمية والمؤسسية (مخاطر الاعمال business risks) ، إلى قيام العراق بتقديم تنازلات هامة جدا إلى شركات النفط العالمية دون أن يحصل في المقابل على فوائد ملموسة.
وبسبب عدم تبني سياسة نفطية واضحة ومتناسقة ولكون خطط التنمية الوطنية ذات طبيعة إسترشادية ولانعدام الادارة السليمة للعوائد فقد اصبح الاقتصاد العراقي اكثر هشاشة في مواجهة تحديات تقلبات اسعار النفط واللايقين في عوائد مستدامة لصادرات النفط: اي تكرر حالة كابوس الازمة المالية للدولة والذي حذرنا منه مرارا منذ ازمة انهيار اسعار النفط خلال النصف الثاني من عام 2008.
تهدف هذه الدراسة الى تقييم وتحليل اهم متغيرات واقع القطاع النفطي وتشخيص ما يمكن القيام به خاصة في المديين القصير والمتوسط. يتناول القسم الاول واقع ومعضلات او انجازات واخفاقات القطاعات الفرعية الثلاث المكونة للقطاع النفطي منذ عام 2003؛ اما القسم الثاني فيوفر نظرة مستقبلية للفرص والتحديات لما يمكن- او يجب- القيام به ومبررات ذلك وخاصة خلال ولاية الحكومة الحالية. ويتناول القسم الثالث الاطر القانونية والمؤسسية والتنظيمية المطلوبة بحكم دورها في ادارة القطاع النفطي وفي النهاية تقدم بعض الملاحظات الختامية.
وبسبب محددات النشر المعروفة فقد تم التركيز الشديد على اهم التطورات واختصار المعلومات بشانها وتجنب الخوض في او عرض المعلومات التفصيلية والاحصائية على الرغم من اهميتها؛ وقد تم الاكتفاء باعداد ملحق واحد يلخص الموازنات الاساسية للقطاع النفطي والتي سيشار اليها في عقد المقارنات. كذلك تم اعتماد واستخدام احدث المعلومات الرسمية المتوفرة قدر الامكان وتجنب الاشارة الى كل مصادر البحث والاكتفاء بتوفير الرابط الضروري وعدم استخدام الهوامش التوضيحية.
القسم الاول: واقع ومعضلات القطاع النفطي خلال خمسة عشر عاما
قبل البدء لابد من الاشارة الى ان القطاع النفطي يتكون، من النواحي العملية والتخصصية والتنظيمية والاطر القانونية والتعاقدية، من ثلاثة قطاعات فرعية مختلفة ولكنها مترابطة بشكل كبير وعضوي من خلال العلاقات البينية المادية الأساسية: فقطاع الاستخراج Upstream هو الاساسي الاولي الذي يشمل عمليات ونشاطات الاستكشاف والتطوير والإنتاج؛ والقطاع الوسيط Midstream يشمل المنشئات السطحية مثل خطوط الأنابيب وطاقات التخزين ومحطات الضخ وموانئ التصدير وما يرتبط بها ؛ اما قطاع الصناعة التحويلية البترولية Downstream فيشمل المصافي وتكرير النفط الخام ، معالجة وتصنيع الغاز، توزيع المنتجات البترولية وصناعة البتروكيماويات.
أهم معالم ومراحل تطور القطاع الاستخراجي النفطي 2003-2018
يشهد القطاع ألإستخراجي، منذ عام 2003 ، العديد من التطورات التي كان ويكون لها آثار مباشرة كبيرة على تطوير القطاع النفطي بأكمله وكذلك على الاقتصاد الوطني ولو بدرجات مختلفة. وتشكل بعض معالم هذه التطورات، بحكم طبيعتها الخاصة ، مرحلة متميزة وأحيانا متداخلة و التي يمكن، على الأرجح، ان يكون لبعضها تاثير واضح على نمط تطوير القطاع الاستخراجي لعدة عقود قادمة.
أولاً: مذكرات التفاهم Memoranda of Understanding بين وزارة النفط و شركات النفط العالمية
أبرمت وزارة النفط بين عامي 2004 و 2008 ما يقرب من 40 مذكرة تفاهم (او تعاون) مع العديد من شركات النفط الدولية. وقد ساهمت مذكرات التفاهم هذه بتوفير فرص ثمينة وغير مسبوقة لشركات النفط الدولية للاطلاع على جميع المعلومات المتعلقة بالنفط والغاز في البلاد من جهة والى معرفة واقامة علاقات مع العديد من الفنيين من جهة ثانية والتي ساعدت تلك الشركات على تحديد الحقول والنشاطات التي ستشارك فيها وما يمكن أن تقدمه لتخطيط طريقها نحو التغلغل في القطاع النفطي وخاصة الاستخراجي.
ومن النتائج الهامة لمذكرات التعاون/التفاهم هذه المساعدة في صياغة عقود الدعم الفني التي حددت فترتها في حينه بمدة عامين، والتي تم اقتراحها للتنفيذ من قبل شركات النفط العالمية خلال عامي 2008 و 2009. إلا ان الاتفاق على تنفيذ تلك العقود قد تعثر بسبب تقليص المدة من سنتين لسنة واحدة.
وفي ضوء تجربة عقود الدعم الفني والتوجه نحو تبني جولات التراخيص، بدأت الوزارة في صياغة العقود النموذجية لجولات التراخيص التي ستشكل الإطار التعاقدي ليحكم العلاقة القانونية مع الشركات النفطية.
ثانياً: البرنامج المعجل والندوة الخاصة بمراجعة السياسة النفطية
تركز النقاش المكثف داخل العراق خلال الفترة من ايلول 2008 إلى نيسان 2009 على الحالة البائسة لانتاج النفط، خاصة في الحقول الجنوبية المهمة، وبسبب التدهور الكبير في اسعار النفط؛ حيث انخفض معدل سعر برميل النفط العراقي من 113.81 دولار في شهر تموز 2008 الى 34.57 دولار في شهر كانون اول من العام ذاته.
وقد كُلف فريق عمل عالي المستوى لدراسة الموضوع والذي قدم تقرير نهائي ومفصل في 12كانون ثاني 2009 اقترح فيه تبني برنامج معجل. تم توزيع نسخة من التقرير خلال ندوة مراجعة السياسة النفطية التي عقدت في بغداد من 27 شباط – 1 اذار 2009 والتي اعتمدت البرنامج المعجل/المتسارع لمعالجة الموقف.
لكن حالة الحقول الجنوبية المنتجة كانت تسير من السيء إلى الأسوأ وأن البرنامج المتسارع الذي هدف، على الأقل، الي التصدي للانحدار في الانتاج ومنعه من التدهور لم ينفذ بشكل فعلي. وفي ضوء البيانات الرسمية انخفض مجموع صادرات الجنوب من 46.9 مليون برميل في شهر تموز 2008 الى 37.9 مليون برميل في شهر شباط 2009 . وبسبب تدهور كل من الاسعار والانتاج والصادرات فقد انخفضـت مجموع عوائد الصادرات النفطية من 6.692 بليون دولار الى 1.922 بليون دولار خلال تلك الفترة.
ثالثًا: تحويل عقد حقل الأحدب النفطي
وقع عقد “المشاركة في التطوير والإنتاج” لحقل الاحدب (محافظة واسط) في حزيران 1997 ثم قررت الوزارة إعادة التفاوض في عام 2006 لتحويل “عقد المشاركة” إلى “عقد خدمة” مدته 20 سنة وتم توقيع عقد الخدمة في تشرين ثاني 2008.
تبرز أهمية هذا التحويل في اكثر من جانب: فهو يمثل أول استجابة لشركة نفط دولية كبيرة للاستثمار في القطاع النفطي العراقي منذ الغزو الذي قادته الولايات المتحدة عام 2003؛ كما وفر المؤشر على نوعية وطبيعة العقد الجديد الذي تعتمده الحكومة العراقية وهو عقد خدمة طويل الأجل وبذلك قطع الطريق امام الدعوة الى ومؤيدي عقود المشاركة في الانتاج؛ تحديد ومعرفة شروط وأحكام ومضامين هذه النوع من العقود؛ تسليط الضوء على أهمية العلاقات الحكومية الثنائية أو “الدبلوماسية النفطية”؛ واخيرا، يمثل الصيغة الاولى للعقد النموذجي الذي تم تبنيه (ولكن مع العديد من التعديلات المهمة التي تعكس منحنى التعلم) لأربع جولات تراخيص لاحقة.
كما أتاح هذا العقد فرصة مهمة وقوية لتأكيد وتوطيد دور مجلس النواب العراقي في الموافقة على العقود النفطية لان ذلك يشكل سابقة قانونية مهمة للغاية؛ ولكن من المؤسف ضاعت الفرصة بسبب الإهمال أو عدم الكفاءة أو القصد المتعمد من قبل بعض المتنفذين في مجلس النواب.
رابعا: استراتيجية الدفعة الكبيرة Big-Push Strategy بواسطة جولات تراخيص
من خلال الاستفادة من تجارب مذكرات التفاهم وحالة البرنامج المعجل والدروس من التحويل الناجح لعقد الأحدب ، تبنت وزارة النفط ما يمكن ان نطلق عليه استراتيجية الدفعة الكبيرة سريعة الزخم Fast-tempo big-push strategy ليكون للعراق دور “مُغَير اللعبة Game changer
وقد تمثلت هذه الاستراتيجية بمنح العديد من عقود الخدمة لتطوير اكبر الحقول النفطية المنتجة والمكتشفة وحقول الغاز الحر والرقع الاستكشافية من خلال اربع جولات تراخيص تم اجرائها ضمن ضوابط ومراحل واساليب متشابهة.
وقد توقع من تلك الجولات ان يحقق العراق هدف انتاج الذروة Production plateau target يزيد على 12 مليون برميل يوميا في نهاية عام 2017 ويستمر لمدة سبع سنوات. علما ان عقود تلك الجولات تغطي حوالي 67 مليار برميل، او ما يشكل 58٪ من احتياطيات البلد المؤكدة في ذلك الوقت.
وقد أدى القرار الخاص ببدء جولات التراخيص ونتائجها ، لا سيما الجولات الأولى والثانية، إلى نقاش حيوي مكثف وشجاع بين خبراء النفط داخل العراق وخارجه حول العديد من الجوانب المتعلقة بالتوقيت ونوع وعدد حقول النفط المعروضة وطبيعة وشروط العقود، والتشكيك بامكانية الوصول واستدامة وجدوى أهداف انتاج الذروة العالية والمتطلبات المادية والبشرية والمالية اللازمة لذلك وغيرها.
خامسا: الاستراتيجية الوطنية المتكاملة للطاقة واعادة النظر بانتاج الذروة
تعاون العراق مع البنك الدولي في اعداد الاستراتيجية الوطنية المتكاملة للطاقة -INES (2013-2030) ومع وكالة الطاقة الدولية IEA في اعداد تقرير خاص عن آفاق الطاقة في العراق. وكان من اهم نتائج هذين النشاطين هو اقتناع السلطات العراقية بضرورة اعادة النظر بجدية في خفض أهداف الإنتاج المتعاقد عليها سابقاً واتخاذ ما يترتب على ذلك من خلال تعديل العقود.
بدأت وزارة النفط، وبشكل سري، التفاوض على تخفيض انتاج الذروة مع كل شركة على حده. وبحلول أيلول / سبتمبر 2014، وبناءً على المعلومات الموجزة المتاحة، توصل هذا المؤلف، أن إجمالي انتاج الذروة المعدل في العقود الموقّعة سيتم تخفيضه إلى 7.15 مليون برميل يوميا.
ولكن المثير للريبة انه في الوقت الذي قدمت فيه الوزارة تنازلات مهمة طويلة الأمد فانها لم تحصل على أي شيء بالمقابل. علاوة على ذلك ، فقدت الوزارة فعلياً وعملياً اي تاثير مالي على شركات النفط العالمية للتعامل مع تأثير انخفاض أسعار النفط، على سبيل المثال. لكن يبقى من المهم معرفة سبب السماح بذلك وكيف تمكن الوزير في حينه، عبد الكريم اللعيبي ، من إلحاق اضرار مالية ضخمة على العراق تقدر بمليارات الدولارات من الإيرادات التي سيخسرها العراق خلال مدة العقود التي تم تمديدها ولصالح الشركات النفطية؟
سادسا: الدعوة الرسمية لإعادة النظر في عقود جولات التراخيص
بعد فترة وجيزة على تشكيل الحكومة الجديدة في ايلول/ سبتمبر 2014 بدأت حملة قوية جديدة منسقة ضد عقود جولات التراخيص. وقد توج تأثير هذه النداءات والآراء في فرض، من قبل مجلس النواب، مادة في قانون الموازنة العامة للدولة لعام 2016 ثم لعام 2017 ، تلزم الحكومة ووزارة النفط بـ”تعديل عقود جولات التراخيص بهدف حماية المصالح الاقتصادية للعراق وزيادة إنتاج النفط وخفض النفقات وإيجاد آلية تربط بين استرداد التكلفة وفقا لأسعار النفط”.
كانت جميع تلك المحاولات في الغالب غير واقعية وكانت لدوافع سياسية ومشَخصَنة من قبل مسؤولين (سياسيين) ليس لديهم خبرة في الصناعة النفط بشكل عام ومعرفة محدودة للغاية في العقود المبرمة بشكل خاص. وعليه لم يتم تعديل اي من العقود الموقعة بموجب جولات التراخيص الاربع تنفيذا لما ورد في قوانين الموازنة المذكورة.
سابعا: الالتفاف على والتخلي عن عقود الخدمة في الجولة الخامسة
بسبب الفشل في تعديل اي من العقود الموقعة بموجب جولات التراخيص الاربع عمدت وزارة النفط، في عهد جبار لعيبي، لعقد جولة خامسة تشمل العديد من الحقول والرقع الاستكشافية الحدودية (مع ايران والكويت) بموجب عقود جديدة اطلق عليها عقود المشاركة في الارباح؛ وهي في الحقيقة ومن الناحية الفعلية شكل من اشكال عقود المشاركة في الانتاج.
لقد خطط للجولة ونفذت بتوقيت واسلوب مريب قبل عدة ايام من الانتخابات النيابية التي تقود الى تشكيل حكومة جديدة. ولم يتم نشر العقود النموذجية إلا بعد اجراء الجولة الخامسة في نيسان 2018.
لقد تسبب اسلوب وتوقيت ونتائج ونوعية الشركات المشاركة والفائزة وطبيعة العقود النموذجية لهذه الجولة في استياء معظم خبراء النفط والاقتصاد العراقيين المعروفين؛ حيث عبروا عن معارضتهم القوية لها ورفضها. ولغاية تاريخه لا يوجد اي مؤشر رسمي علني على توقيع او المصادقة على اي من العقود الخاصة بهذه الجولة؛ ولكن يتوقع تمرير جميع او بعض من هذه العقود وذلك لوجود علاقة قوية بين بعض الشركات المعنية وبعض المسؤولين في مجلسي الوزراء والنواب.
انجازات واخفاقات القطاع الاستخراجي
حقق هذا القطاع نتائج جيدة وعانى من اخفاقات مؤثرة ومكلفة نوجزها بما يلي:
انتاج النفط الخام
ازداد المعدل الشهري لانتاج النفط الخام من 2.338 مليون برميل يوميا (مبي) في عام 2009 الى 4.4 مبي خلال الاشهر الثمانية الاولى من عام 2018؛ أي بنسبة زيادة قدرها 88.2%.
وبما ان معظم هذه الزيادة في الانتاج قد تحققت في المحافظات المنتجة الوسطى والجنوبية (البصرة، ميسان، ذي قار وواسط) وان اغلب الحقول المنتجة في هذه المحافظات قد شُملت بجولتي التراخيص الاولى والثانية فانه يمكن الاستنتاج بان معظم الزيادة المتحققة والبالغة 2.062 مبي ( كحد ادنى) هي حصيلة عقود جولتي التراخيص. ونظرا لوجود معدل انخفاض طبيعي سنوي حدد في عقود جولة التراخيص الاولى بواقع 5% على مستوى انتاج خط الشروع Baseline production المتفق عليه لكل حقل قبل توقيع العقد المعني، فان حجم الزيادة الفعلية في الانتاج – نتيجة لعقود جولات التراخيص- يفوق الزيادة المحتسبة اعلاه.
ومع ذلك فان تحقق مستوى انتاج 4.4 مبي في منصف عام 2018 يمثل فقط ثلث مستوي انتاج الذروة الذي تم التعاقد عليه والذي كان يفترض ان يتحقق في نهاية 2017. وهنا لابد من التذكير بتاثير عاملين مهمين؛ الاول هو تاثير الازمة المالية الناجمة عن انخفاض اسعار النفط وعوائد التصدير منذ منتصف عام 2014 مما ساهم في تاخير نشاطات تطوير الحقول؛ والثاني يتعلق بتاثير اتفاق ألأوبك الذي بدأ سريان مفعوله منذ بداية عام 2017-على الرغم من تباين وجهات النظر بمدى التزام العراق بذلك الاتفاق .
ولكن بالمقابل، لو تمكن العراق من تحقيق انتاج الذروة المتعاقد عليه وحسب التوقيت المذكور لأصبح العراق يعاني من طاقة انتاجية فائضة بحدود 8 مبي صرفت عليها بحدود 120 مليار دولار، ويحتاج الى تخصيص مبالغ اضافية ضخمة للغاية ككلف صيانة سنوية لإدامة هذه الطاقة الفائضة لحين يأتي وقت استخدامها؛ ولكن متى، ولأية مدة وبأي مستوى؟؟؟
انتاج وحرق الغاز المصاحب
كما هو معروف فان مجمل الغاز المنتج في العراق هو من الغاز المصاحب لانتاج النفط، فكلما ازداد انتاج النفط ازداد- طرديا- انتاج الغاز المصاحب له؛ ويتم ذلك في محطات او وحدات متخصصة لعزل الغاز. وتتحدد كمية الغاز المصاحب على ما هو معروف بنسبة الغاز الى النفط Gas Oil Ratio- GOR والتي تتباين حسب نوعية النفوط المنتجة في الحقول النفطية المعنية.
تشير المعلومات الرسمية ان المعدل اليومي لانتاج الغاز المصاحب قد ازداد الى اكثر من ضعف بين عام 2009 والثمانية اشهر الاولى لعام 2018. وعند مقارنة نسبة الزيادة هذه مع تلك المتعلقة بانتاج النفط الخام ولنفس فترة المقارنة نجد فارق قدره حوالي 9.1% لصالح انتاج الغاز؛ وهذا يمكن تفسيره بارتفاع نسبة GOR في بعض النفوط التي انتجت خلال عام 2018 وربما منذ دخول حقول جولة التراخيص الثانية مرحلة الانتاج التجاري.
إلا ان ما يثير القلق ان كميات ونسبة ما تم “حرقه” من الغاز المصاحب قد تزايدت بشكل كبير خلال نفس فترة المقارنة. فقد ارتفعت كمية الغاز المحروق من 712 مليون قدم مكعب قياسي يوميا-مقمقي- في عام 2009 الى 1609 مقمقي في 2018؛ أو بنسبة زيادة قدرها 100.26% (أي بنسبة زيادة تفوق تلك المتعلقة بانتاج النفط وانتاج الغاز المصاحب).
كذلك ارتفعت “نسبة الحرق Flaring Ratio” (أي كمية الغاز المحروق الى كمية الغاز المصاحب المنتج) من 51% في عام 2009 الى 56% في عام 2018.
ان المعلومات اعلاه تشير وبوضوح الى فشل كبير ومكلف ومؤثر اقتصاديا وماليا وبيئيا ويدلل على انعدام التطور المتوازن والمتناسق ضمن القطاع الانتاجي ذاته. كما ان تزايد نسبة وكميات الغاز المحروق يطغى على ما تحقق فعلا من انجازات في استغلال الغاز المصاحب في توليد الطاقة الكهربائية وفي تصنيع الغاز من خلال شركة غاز البصرة (المشروع المشترك لشركة غاز الجنوب مع شركتي شل ومتسوبيشي-وسوف نعود لمناقشة هذا الموضوع عند تناول تصنيع الغاز)
مساهمة الشركات النفطية الدولية في تطوير القطاع الاستخراجي
تعتبر مساهمات الشركات النفطية الدولية في مختلف نشاطات تطوير القطاع الاستخراجي مهمة للغاية لاعتبارات مختلفة وعديدة منها ما يتعلق بنقل التكنولوجيا والمعرفة التكنولوجية او الاستثمار او تسويق النفط والتمركز التسويقي وغيرها من جانب؛ ومن الجانب الاخر فان جوهر هذه المساهمات يحدد طبيعة الاقتصاد السياسي للعلاقات بين الدولة المضيفة –العراق- والشركات النفطية الاجنبية.
ومن خلال متابعة مساهمة جميع الشركات النفطية الدولية المتعاقدة في جميع جولات التراخيص (ولا يتضمن ذلك شركات الخدمات كمتعاقد ثانوي) يمكن تسجيل الملاحظات التالية:
إنحسار دور الشركات النفطية الغربية الكبيرة. وقد حصل ذلك نتيجة الى ما يلي: تقليل مساهمة شركة أكسن موبل في حقل غرب القرنة1؛ تخلي Relinquished شركة أوكسدنتال عن مساهمتها في حقل الزبير واعادتها الى الجانب العراقي؛ تخلي شركة شل عن مساهمتها في حقل مجنون الى الجانب العراقي؛ واخيرا، بيع شركة شل مساهمتها في حقل غرب القرنة1 الى شركة يابانية.
في المقابل فقد تعزز دور كل من الشركات الصينية والروسية بشكل كبير سواء كان ذلك في تطوير الحقول النفطية (جولتي التراخيص الاولى والثانية وعقد حقل الاحدب وعقد حقل شرقي بغداد-ان تم تنفيذه!) او في جولة الرقع الاستكشافية (بالنسبة للشركات الروسية)؛ كذلك تعزز عدد ودور الشركات الاسيوية (من ماليزيا, كوريا الجنوبية، اليابان، اندونيسيا، باكستان، تركيا والكويت) ولو بشكل طفيف.
ان زيادة مساهمة الشركات الصينية والروسية والاسيوية قد توفر للعراق مزية تسويقية مستقبلية حيث تشير جميع التوقعات والمعطيات الاستراتيجية الى اهمية الاسواق الاسيوية في نمو الطلب على النفط مما يحتم على العراق تحقيق نوع من التموضع التسويقي الاستراتيجيMarketing Strategical Positioning علما ان عقود جولات التراخيص تسمح بتسديد مستحقات الشركات عينا. وتشير معلومات سومو بان 67% من صادرات نفط العراق لعام 2019 ستكون الى الاسواق الاسيوية مقابل 20% الى اوربا و13% الى اميركا الشمالية والجنوبية.
ان استرجاع حقل مجنون وانهاء الالتزام التعاقدي لحصة شركة أوكسيدنتال في حقل الزبير وانهاء عقد Termination حقل المنصورية للغاز (مع الشركات التركية والكويتية والكورية الجنوبية) واعادتها الى عهدة وزارة النفط يعني زيادة دور ومساهمة الشركات العراقية والجهد الوطني في تطوير الحقول النفطية والغازية وما يترتب على ذلك من نتائج ايجابية.
قطاع تصديرالنفط الخام
ازادت الصادرات اليومية من 1.442 مبي في عام 2009 الى 3.488 مبي خلال الاشهر العشرة من عام 2018 وان جميع هذه الزيادة في معدلات التصدير قد تحققت في موانئ التصدير الجنوبية فقط. وقد تاثر معدل التصدير الكلي بانعدام التصدير من شركة نفط الشمال حيث توقفت تلك الصادرات بالكامل منذ شهر تموز 2017 علما ان معدل صادرات مزيج نفط كركوك (شركة نفط الشمال) كان بحدود 465 الف برميل يوميا في عام 2009 او ما يعادل ثلث صادرات العراق في ذلك العام.
ان الزيادة في طاقة تصدير النفط من الموانئ الجنوبية قد تحققت بفضل مشروع توسيع صادرات النفط الخام العراقي (ICOEE) الذي اعتمد في عام 2011 وتضمن انشاء اربعة عوامات تحميل SPM بسعة 900 الف برميل يوميا لكل منها اضافة الى صيانة وتحديث مينائي تحميل البصرة وخورالعمية وبناء الخزانات ومحطات الضخ في مجمع الفاو والانابيب البحرية المطلوبة وانشاء منصة بحرية مركزية للعدادات CMMP
علما ان مشروع التوسيع المذكور واجه ويواجه مشاكل تنفيذية وتعاقدية وتورط احدى الشركات الاجنبية بقضايا فساد مما ساهم في تعثر المشروع بحيث بلغ معدل التشغيل الفعلي لكل عوامة تحميل بحدود ثلثي الطاقة التصميمية. وحسب مصادر المعلومات الامريكية فان تشغيل كافة عوامات التحميل بطاقتها القصوى يتطلب استثمارات بحوالي 4 مليار دولار في الخزانات ومحطات الضخ والانابيب وغيرها من المعدات.
وبضوء اخر المعلومات من شركة نفط البصرة فان اجمالي الطاقة التصديرية من الموانئ الجنوبية يخطط ان تصل الى 6 مبي بحدود 2023.
ومن الجدير بالذكر ان تصدير نفط كركوك قد تاثر بشكل كبير بسبب نشاطات داعش والتفجير المتكرر لانبوب التصدير الي ميناء جيهان التركي منذ شهر اذار 2014 ؛ ثم استيلاء حكومة الاقليم على بعض حقول شركة نفط الشمال واستمرار الخلافات بين الحكومتين الاتحادية والاقليم. وقد اعلن مؤخرا عن “اتفاق مبدئي” بين الحكومة الاتحادية وحكومة الاقليم تقوم سومو بموجبه بتصدير بين 50 الى 100 الف برميل يوميا من نفط كركوك عبر الانبوب المار في الاقليم الى ميناء جيهان التركي؛ لم تدم مثل هذه الاتفاقات طويلا في السابق، فهل ينجح هذا الاتفاق المبدئي؟!
قطاع الصناعة التحويلية البترولية
يشمل هذا القطاع نشاطات تصفية النفط الخام (المصافي) وتصنيع الغاز وتوزيع المنتجات النفطية والصناعات البتروكيماوية.
يشكل هذا القطاع اهم وابرز مجالات التنويع الهيكلي العمودي Vertical Structural Diversification في القطاع البترولي والاقتصاد العراقي حيث ان التوسع فيه يساهم في توسيع الطاقات الاقتصادية الانتاجية وتعدد مصادر الدخل القومي بعيدا عن انتاج المادة الخام الاولية الى المنتجات ذات المردود العالي في سلسلة القيم Value Chain والاستفادة من ما تتصف به بالمزايا المقارنة Comparative Advantages . وبسبب كل ذلك فان هذا القطاع يحتل اهمية متميزة في اشهر استراتيجيات التنمية الاقتصادية وهما استراتيجية احلال/تعويض الاستيرادات Import Substitution واستراتيجية تشجيع الصادرات Export Promotion
من الناحية الوظيفية التنظيمية تقع نشاطات المصافي وتصنيع الغاز وتوزيع المنتجات النفطية ضمن مهام ومسؤوليات وزارة النفط في حين تقع جميع الصناعات البتروكيماوية ضمن مهام ومسؤوليات وزارة الصناعة والمعادن؛ ولكن هذا يتطلب مزيدا من التناسق بين الوزارتين علما ان التركيز هنا ينصب على وزارة النفط.
فيما يتعلق بقطاع التصفية يوجد العديد من المؤشرات الكمية التي يمكن استخدامها لقياس مدى التطور المتحقق خلال اية فترة زمنية ومن اهمها:
المقارنة بين الطاقة التصميمية Designed/ Nameplate Capacity والطاقة التشغيلية الفعلية؛ وهذه المقارنة تشير الى مستوى استخدام الطاقة المتاحة: فكلما اقتربت الطاقة التشغيلية الى الطاقة التصميمية ازدادت نسبة استخدام طاقة التصفية المتاحة والعكس صحيح. ويمكن استخدام هذا المؤشر-في حال توفر المعلومات التفصيلية- لكل مصفى او لكل شركة (شركة مصافي الجنوب، الوسط او الشمال) او على مستوي العراق ككل.
قبل تدمير داعش- بعد حزيران 2014 – لطاقات شركة مصافي الشمال كان اجمالي طاقة التصفية التصميمية في العراق بحدود 892 الف برميل يوميا وكان مجموع انتاج المصافي العراقية في النصف الاول من ذلك العام بحدود 598 الف برميل يوميا؛ وهذا يشير الى نسبة استخدام قدرها 67%. وعلى الرغم من انه من غير المتوقع ان تعمل المصافي بكامل طاقتها التصميمية فان الطاقة التشغيلية الفعلية اعلاه يمكن ان تفسر بقِدم المصافي العراقية والتكنولوجية وتركيبة ما تنتجه من مختلف المنتجات النفطية كما سنرى ادناه.
المقارنة بين الاهمية النسبية لكمية كل منتج الى مجموع المنتجات النفطية في فترة زمنية معينة. وهذه المقارنة تؤشر مدى حداثة تكنولوجيا التصفية المستخدمة؛ فكلما كانت كمية (وبالتالي نسبة) المنتجات النفطية الثقيلة (مثل نفط الوقود/النفط الاسود) عالية فهذا يشير الى قدم وتخلف تقنيات التصفية، والعكس صحيح. وهنا ايضا يمكن استخدام هذا المؤشر (عند توفر المعلومات المقارنة) لكل مصفى او لكل شركة (شركة مصافي الجنوب، الوسط او الشمال) او على مستوى العراق ككل.
عند مقارنة المعلومات الاحصائية للنصف الاول من عام 2018 مع نفس الفترة من عام 2009 نجد ان نسبة انتاج زيت الوقود ثابتة نسبيا؛ بحدود 45% و46% من مجمل انتاج المصافي العراقية في كل من فترتي المقارنة على التوالي؛ وهذا يشير بوضوح الى عدم تحقق تطور(تحديث) ملموس في هذه المصافي او في انشاء مصافي حديثة التكنولوجية.
كما يمكننا القول ان عقد مقارنة دولية بين انتاج المصافي العراقية مع مصافي كل من ايران والسعودية وتركيا وثلاثة مجموعات قارية من دول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية OECD توفر دليل اخر ومهم. وقد وجدنا ان نسبة انتاج زيت الوقود (في عام 2016) هي الاعلى في العراق بينما نسبة كل من الكازولين (البنزين) وزيت الغاز (كازاويل)/ديزل و”المنتجات الاخرى” هي الاوطأ في العراق. وهذا مؤشر اخر على مدى تخلف تكنولوجية وقدم المصافي العراقية.
المقارنة بين نمط الطلب (استهلاك) على كل من المنتجات النفطية ونمط ما تنتجه المصافي من تلك المنتجات تشير الى وجود تباين/عدم تناغم مزمن Chronic Misalignment خلال العشرة سنوات الماضية بين انماط الطلب والانتاج؛ وهذا التباين يحدد متطلبات استيراد تلك المنتجات التي يعجز الانتاج المحلي عن توفيرها وتصدير المنتجات النفطية الفائضة عن الطلب المحلي. ومن الناحية العملية يستخدم هذا المؤشر على مستوى الاقتصاد الكلي وليس على مستوى شركات التصفية الثلاثة او كل مصفى على حدة.
ان تحليل موازنة الطلب على وانتاج المشتقات النفطية للنصف الاول من عام 2009 مقارنة بنفس الفترة من عام 2017 تشير الى عدة حقائق:
(1) في الوقت الذى سجل عجز في انتاج جميع المشتقات النفطية عدا زيت الوقود، سجل مجموع الموازنة للنصف الاول من عام 2009 فائض قدره 1570 الف برميل؛ وهذا يعني كان على العراق تصدير (او خزن او التخلص من!) 19311 الف برميل من زيت الوقود من جهة واستيراد ما مجموعه 17741 الف برميل من بقية المشتقات النفطية الاخرى (باستثناء النفثا) خلال تلك الفترة من جهة اخرى؛
(2) اما في النصف الاول من عام 2017 فعلى الرغم من موجود فائض في انتاج كل من زيت الوقود والنفط الابيض وغاز البترول المسال والنفثا فقد سجل مجموع الموازنة عجزا قدره 28344 الف برميل وذلك بسبب الطلب (حسب الاهمية النسبية) على “المنتجات الاخرى” والكازولين (البنزين) وزيت الغاز/ديزل حيث بلغ مجموع فائض الطلب (العجز في الانتاج) لهذه المنتجات حوالي 48057 الف برميل؛
(3) تتباين التقديرات حول قيمة استيراد مختلف المنتجات النفطية حيث لم تقم وزارة النفط بنشر اية احصاءات رسمية منتظمة. ولكن نشر مؤخرا عن وزارة التخطيط ان اجمالي استيرادات المنتجات النفطية لعام 2017 بلغ 2.4 مليار دولار.
(4) ومما يجب التنبيه اليه هو توقف وزارة النفط عن تزويد منظمة JODI منذ شهر ايلول 2017 بحجم الطلب المحلي على “المنتجات النفطية الاخرى” مما دفع المنظمة على عدم ذكر مجموع الطلب على المنتجات النفطية في العراق منذ ذلك الشهر؛ علما ان فئة “المنتجات النفطية الاخرى” شكلت اكثر من 23% من مجموع الطلب على كافة المنتجات النفطية خلال الاشهر الثمانية لذلك العام والتي لابد من استيرادها لان انتاج المصافي منها لا يشكل سوى 1.8% من مجموع الطلب المحلي. فما الذي دفع الوزارة الى اتخاذ هذا الاجراء ولماذا!؟
يتضح مما تقدم ان عدم تحقيق التطور الكمي والنوعي والتقني في قطاع تصفية النفط الخام منذ عام 2003 ولغاية الوقت الحاضر انما يشكل احد مؤشرات فشل السياسة النفطية وما ترتب ويترتب عن ذلك من اثار اقتصادية ومالية وهيكلية سلبية ومؤثرة للغاية.
ويأتي هذا الفشل رغم تعاقد وزارة النفط منذ عام 2010 مع العديد من شركات الاستشارات الدولية لاعداد دراسات FEED الفنية والاقتصادية لخمس مصافي حديثة بطاقة اجمالية اضافية قدرها 890 مبي. وقد تم عرض تلك المصافي للاستثمار لمرات عديدة واصدار قانون خاص بذلك وبامتيازات كثيرة ومجدية دون ان تثمر كل تلك الجهود؛ باستثناء احالة مصفى ميسان الى شركة مفلسة ماليا وغير مؤهلة تقنيا وليست ذات خبرة دولية (شركة ستاريم) وتمت الاحالة باسلوب يشوبه الفساد منذ نهاية عام 2013 ولازال عقد تنفيذ ذلك المصفى مجرد حبر على ورق. كما وتعثر تنفيذ مصفى كربلاء رغم انه ممول من قبل الحكومة العراقية وبُدء بتخصيص الموارد المالية له منذ عام 2013.
اما ما يتعلق بتصنيع الغاز وعلى قدر تعلق الامر بشركة غاز البصرة فمن الجدير بالذكر ان آخر المعلومات الرسمية من وزارة النفط عن هذه الشركة تشير الى انها لم تصل، كما في نهاية تشرين ثاني من عام 2018، حتى الى نصف الانتاج المستهدف (وهو 2000 مقمقي من الغاز المصاحب من حقول الرميلة وغرب القرنة1 والزبير) بعد عشر سنوات من توقيع اتفاقية الاطار العام وبعد خمس سنوات من توقيع عقد الشركة. علما ان انتاج الشركة من الغاز السائل ومادة المكثفات (الكازولين الطبيعي) بدء بتصديرها بعد سد الحاجة المحلية حيث حققت الشركة لغاية تاريخه ما مجموعه نصف مليار دولار من عوائد التصدير.
القسم الثاني؛ النظرة المستقبلية- الفرص والتحديات
شخص التحليل اعلاه الانجازات والاخفاقات في اهم اربعة موضوعات تتعلق بالقطاع النفطي خلال العشرة اعوام الماضية وهي: انتاج النفط؛ الصادرات النفطية؛ انتاج وحرق الغاز المصاحب؛ واخيرا نشاطات التصفية وموازنة عرض وطلب المنتجات النفطية.
تتناول الصفحات التالية مقترحات عملية ومجدية لما يمكن عمله ومبررات ذلك في كل من هذه المواضيع وغيرها من ذات العلالقة مع التركيز على الامدين القصير والمتوسط وخاصة خلال الاربع سنوات القادمة. وبما ان هذا التوقيت يتوافق مع ولاية الحكومة الجديدة، فان ما سيتم طرحة يشكل في نفس الوقت بعض المقترحات للسياسة النفطية للحكومة الجديدة.
القطاع الاستخراجي – استكشاف وتطوير وانتاج النفط الخام
في هذا القطاع اقترح ما يلي:
عدم تطوير اي حقل نفطي جديد باستثناء الحقول الحدودية (كما سيناقش ادناه) او المشاريع المتكاملة (التي تربط تطوير الحقل مع مصفى حديث) وعدم احالة اي حقل نفطي منتج او مكتشف الى الشركات النفطية الدولية خلال الاربع سنوات القادمة؛ ويتم ذلك اما بالنص عليه في البرنامج الحكومي او بقرار يصدر من قبل مجلس النواب يلزم الحكومة بذلك.
ماهي مبررات وجدوى هذا المقترح وكيفية التعامل في حالة تغير الظروف التي تستدعي زيادة الانتاج؟ استند في هذا المجال على المعطيات التالية:
حسب المعلومات الرسمية لوزارة النفط كان معدل انتاج العراق من النفط في اشهر تموز الى تشرين ثاني من عام 2018 ثابتا بحدود 4.460 مليون برميل يوميا (مبي) وان الطاقة الانتاجية ستصل او تتجاوز 5 مبي في نهاية هذا العام ويتوقع ان تبلغ الطاقة الانتاجية 8 مبي بحدود 2025؛
وبما ان عهدة الحكومة الجديدة محددة بأربع سنوات فان عليها التركيز والاهتمام لتحقيق حوالي 6.5 مبي كحد اعلى في نهاية مدتها الدستورية عام 2022؛
ان الحقول النفطية المتعاقد عليها في جولتي التراخيص الاولى والثانية كفيلة بتحقيق الزيادة المطلوبة خاصة وان المراحل النهائية للوصول الى انتاج الذروة في عقود تلك الحقول ستبدأ او تكتمل خلال فترة الحكومة القادمة؛
لا يوجد اي مؤشر على مستوى سوق النفط الدولي وحصة الاوبك فيه وحصة العراق ضمن الاوبك ما يدلل ان طاقة العراق الانتاجية خلال الاربع سنوات المقبلة يمكن او عليها ان تتجاوز 6.5 مبي. وفي حالة حصول ما يبرر تجاوز هذا المعدل عندها يمكن “تسريع” نشاطات التطوير ضمن حدود 8 مبي المذكورة انفا.
اقتصار اي تطوير للحقول النفطية غير المتعاقد عليها على الجهد الوطني حصرا مع الاستعانة بشركات الخدمة النفطية الدولية عند الضرورة وضمن عقود الخدمة التقليدية لفعالية معينة ولفترة زمنية محددة؛ اي عدم اللجوء الى التعاقد مع الشركات النفطية الدولية او عقد جولات تراخيص لتطوير اي من الحقول والتراكيب النفطية المكتشفة او ما سيتم استكشافه خلال فترة الحكومة المقبلة.
ان مبررات هذا الاقتصار على الجهد الوطني هي:
تشكل نشاطات الجهد الوطني المجال المادي لتطوير الطاقات البشرية والمؤسسية والمعرفية والتنظيمية في هذا القطاع الحيوي للصناعة النفطية العراقية؛
تعتمد نشاطات الجهد الوطني على الكوادر العراقية وبذلك تساهم، ولو بشكل نسبي، في معالجة مشكلة البطالة وخاصة بين الشباب المؤهلين فنيا اكثر مما تقوم به الشركات النفطية الدولية التي تفضل عادة العمالة الاجنبية؛ وهذا ما بينته تظاهرات المحافظات الجنوبية منذ شهر تموز الماضي؛
كما اوضحته وزارة النفط (ولكن دون تقديم الادلة المادية) ان كلفة التطوير من خلال الجهد الوطني تقل كثيرا مقارنه بتلك التي تتم بواسطة الشركات النفطية الدولية؛
بالتأكيد ان صلاحية “اتخاذ القرار” تكون عراقية بالمطلق تحت الجهد الوطني في حين انها تشاركية مع الشركات الاجنبية تحت عقود جولات التراخيص التي تتطلب “الاجماع” عند اتخاذ القرار في “لجان الادارة المشتركة” لكل حقل؛
ان نمط وموقع واسلوب عمل الجهد الوطني يكون عادة محليا في حين تتواجد المكاتب المعنية للشركات الاجنبية خارج العراق وهذا ينعكس على محدودية شفافية عمل الشركات الاجنبية وما يتطلب ذلك من جهد، من قبل الجهات العراقية، للتحقق من مصداقية وواقعية الكلف التي تدعي الشركات بتحملها ودفعها.
يحتل تطوير الحقول الحدودية اهمية خاصة وحساسة ومتميزة بحكم امكانية تطويرها المشترك باسلوب “التوحيد Unitization” مع دولة الجوار المعنية وخاصة الكويت وايران. وحسب ما تشير اليه التجربة الدولية فان اعتماد اسلوب التوحيد له الافضلية في تطوير هذه الحقول بسبب العديد من المبررات والاعتبارات الاقتصادية والعملياتيه والادارة السليمة للمكامن النفطية؛ ونضرا للاحتمالية المرتفعة لاعتماد اسلوب التوحيد مع دول الجوار فإنني ارى ما يلي:
ان يقتصر اي نشاط يتعلق بتطوير هذه الحقول على الجهد الوطني حصرا لحين التوصل الى اتفاقية التطوير الموحد مع الدولة المعنية؛
في حالة قيام الدولة المعنية بتسريع تطوير الحقل الحدودي بشكل احادي منفرد يقوم الجانب العراقي بإعطاء الأولوية في تطوير الجانب العراقي لذلك الحقل؛
تأخذ الحكومة العراقية زمام المبادرة لحث دول الجوار (خاصة ايران والكويت) على ضرورة انجاز الاتفاقات الضرورية لبدء التطوير الفعلي للحقول الحدودية المهمة بإسلوب التوحيد المعمول به دوليا على نطاق واسع؛
عدم تصديق مجلس الوزراء على أي من العقود الخاصة بهذه الحقول والتي منحتها وزارة النفط نتيجة لجولة التراخيص الاخيرة الى عقدت قبل الانتخابات التشريعية في شهر ايار 2018.
عقود جولات التراخيص
اعتمدت وزارة النفط عقود الخدمة بعيدة المدى لكل من عقد حقل الاحدب وعقود جولات التراخيص الاربع الاولى ويوجد تباين واضح في الشروط المالية بين تلك العقود نتيجة لخصوصية الحقول والرقع الاستكشافية المعنية.
من الناحية التحليلية تعتبر هذه العقود “هجينة” لأنها تتضمن بعض من خصائص عقود الخدمة التقليدية و بعض من خصائص عقود المشاركة في الانتاج.
وعليه فانني ارى ضرورة الكف عن المطالبة او الدعوة لإعادة التفاوض بشان عقود جولات التراخيص الاربع واستند في ذلك على المعطيات التالية:
من ناحية التحليل المقارن فإن هذه العقود تعتبر من افضل العقود المعمول بها في حينه من حيث المردود الاقتصادي او ما يطلق عليه بحصة الحكومة Government take؛ وقد اثبتت معظم الدراسات المتخصصة ان عقود الخدمة التي اعتمدت في تلك الجولات تعطي للعراق افضل مردود مالي مقارنة باي عقود اخرى وخاصة عقود المشاركة في الانتاج ومنها عقود حكومة الاقليم؛
ان اية اعادة تفاوض سيمنح الشركات النفطية الدولية فرصة فريدة للحصول على مزايا اضافية مهمة للغاية وذات تأثير مادي ضخم على حساب مصلحة العراق لطيلة مدة العقود؛
سبق وان قدم وزير النفط الاسبق عبد الكريم لعيبي تنازلات مهمة للشركات النفطية دون ان يحصل العراق على اي شيء في المقابل وبهذا فقد العراق اهم واقوى اوراقه التفاوضية هذا من جهة، ومن جهة ثانية ادت وتؤدي تلك التنازلات الى قيام الشركات النفطية برفع سقف طلباتها وبشكل غير معقول مما اثر سلبا على تنفيذ العقد المعني وهذا ما اوضحته قضية ايقاف عقد تطوير حقل المنصورية للغاز في منتصف شهر ايلول 2018. ومن الغريب فقد اقترح (في وزارة النفط) اعطاء اي شركة اجنبية نسبة شراكة قدرها 25% مع الجهد الوطني لتطوير هذا الحقل إلا انه “لم تتم الموافقة على هذا المقترح”؛ ومن الواضح ان هذا المقترح يشير الى تبني احد اشكال المشاركة اما في الانتاج او في العوائد الصافية!!
ان عقود جولتي التراخيص الاولى والثانية ستكمل او تدخل مراحل التطوير الاخيرة للحقول المعنية خلال فترة الاربع سنوات القادمة/ ولاية حكومة الجديدة؛ هذا يعني الوصول الى بداية مرحلة انتاج الذروة مما يعني تغطية (استرداد) النسبة الكبيرة للكلف الرأسمالية الاساسية لعملية تطوير الحقول وبالنتيجة فان اي تفاوض على هذه العقود او تغييرها انما يمثل مكافئة للشركات النفطية الدولية مما يعد مخالفة صارخة للدستور.
ان جميع دعوات اعادة النظر بتلك العقود لم تستند على قراءة جيدة شاملة لمضامين تلك العقود من جهة؛ وانها لا تميز بين العقد “كوثيقة قانونية” وبين “ادارة تنفيذ العقد” التي تتعلق بالأساس بالكفاءة التنفيذية والرقابية والتدقيقية لوزارة النفط وشركاتها المعنية من جهة ثانية والى “شخصنة” الموضوع لإعتبارات سياسية او حزبية او شخصية من جهة ثالثة او مجرد ترديد او تدوير الدعوة دون الالمام بماهية الموضوع من جهة رابعة.
على الضد من عقود الخدمة بعيدة المدى اصر وزير النفط السابق جبار لعيبي، في جولة التراخيص الخامسة الاخيرة، على اعتماد “عقود مشاركة في العوائد بعيدة المدى”؛ وهي من الناحية التحليلية والفعلية شكل “نقدي” لعقود المشاركة في الانتاج،.
بعد التقييم الشامل لعقود هذه الجولة من قبل نخبة من خبراء النفط العراقيين تم التوصل الى ان هذه العقود تخدم مصلحة الشركات النفطية على حساب المصلحة الوطنية اضافة الى تعارضها مع مبدأ تحقيق “أعلى منفعة للشعب العراقي” الذي اكده الدستور. وللأسباب اعلاه ولغاية تاريخه لم تصادق الحكومة الحالية على اي من هذه العقود. وعليه ارى:
ان لا تصادق الحكومة الحالية على اي من عقود الجولة المذكورة وأعادتها جميعا الى وزارة النفط؛
وبما ان معظم عقود هذه الجولة تتعلق بالحقول والرقع الاستكشافية الحدودية لذا يجب اعادة النظر بالموضوع في ضوء ما ذكر اعلاه بخصوص تطوير الحقول الحدودية باسلوب التوحيد.
معضلة حرق الغاز المصاحب
ان حجم واستمرارية واضرار هذه المعضلة تحتم التركيز على واعطاء الاولوية لإنهاء حرق الغاز المصاحب. وحسب اخر المعلومات الاحصائية المتوفرة في وزارة النفط تتعلق بشهر ايلول الماضي والتي يتضح منها ان نسبة حرق الغاز المصاحب في المحافظات الجنوبية (البصرة وميسان وذي قار) قد بلغ 64.2% من مجمل الغاز المصاحب المنتج في تلك المحافظات. اما النسبة على عموم العراق (بدون احتساب كردستان) فإنها تتجاوز 59% .
وبما ان حرق الغاز المصاحب يمثل هدرا صارخا للثروة البترولية وتبديدا لمورد اقتصادي هام اضافة الى الاضرار البيئية الهائلة في الوقت الذي يستورد العراق الغاز من ايران فلابد من اتخاذ ما يلي لمعالجة هذه المعضلة:
الزام الشركات النفطية الدولية المتعاقدة والمنفذة للحقول المشمولة بجولة التراخيص الثانية بتنفيذ الفقرات التعاقدية والمتعلقة حصرا بالاستفادة القصوى من الغاز المصاحب؛
عدم اعفاء اي من تلك الشركات من التزاماتها التعاقدية واحالة الموضوع على شركات اخرى خارج المجموعة التي تم التعاقد معها اصلا ( كما حصل مؤخرا في حقل الغراف)؛ يضاف الى ذلك ما يترتب عن هذا الاجراء من خسائر وكلف اضافية غير مبررة من الناحية القانونية/التعاقدية. كما انه يشكل مخالفة تعاقدية من قبل الجانب العراقي قد تقود الى تفعيل المواد التعاقدية المعنية بالتحكيم الدولي؛
التنفيذ التام لتعليمات الامانة العامة لمجلس الوزراء حول هذا الموضوع والمدونة في التوصية رقم 51 لسنة 2018 والمرتبطة بخطة العمل المعنية بمتطلبات قرض البنك الدولي في هذا المجال؛
تحديد نسبة التخفيض في حرق الغاز المصاحب وبما يتناسب مع ضرورة الاسراع في تنفيذ التزامات العراق تحت مبادرة البنك الدولي المعروفة بتحقيق “صفر للحرق الروتيني للغاز بحدود 2030″؛
التزام الحكومة وخاصة وزارتي النفط والكهرباء بتوفير الغاز المطلوب لتوليد الطاقة الكهربائية بكميات وتوقيتات زمنية محددة ولأهمية الموضوع يفضل ان تكون شهرية.
حث شركة غاز البصرة على التسريع في تطوير طاقتها الانتاجية للوصول الى مستوى الانتاج المحدد في العقد وبما يتناسب مع زيادة انتاج الغاز المصاحب للنفط من حقول الرميلة وغرب القرنة1 والزبير؛ وهذا بدوره سيساهم في تقليل كمية حرق الغاز المصاحب من جهة وزيادة عوائد تصدير الغاز المسال والمكثفات التي تنتجها الشركة؛ علما انها شركة مشتركة (مع شركتي شل ومتسوبيشي) تمتلك الحكومة العراقية بواسطة شركة غاز الجنوب 51% من اسهمها.
حتمية بناء المصافي الحديثة واستخدام التكنولوجيا المتقدمة
يعاني قطاع التصفية من مشاكل عديدة من ابرزها قدم المصافي وعدم موائمة انتاجها مع النمط المتزايد للطلب على مختلف المشتقات النفطية مما ساهم في خلق فجوه مزمنة وكبيرة تم معالجتها عن طريق الاستيرادات المكلفة كما تم ذكره وتفصيله اعلاه.
ولمعالجة هذا الخلل ارى القيام بما يلي:
قيام وزارة النفط بتوفير كافة المعلومات المتعلقة بالطاقات التصميمية والطاقات التشغيلية الفعلية لكل من المصافي العاملة حاليا وتبيان نوعية وكمية جميع المنتجات النفطية المنتجة فيها و الكشف عن كمية ونوعية وقيمة كافة المنتجات النفطية المصدرة والمستوردة؛
ألالتزام بإكمال انشاء مصفي كربلاء باسرع وقت على ان لا يتجاوز مدة ولاية الحكومة الحالية واعطائه الاولية لإنجازه وتوفير التمويل الطلوب ؛
تلتزم الحكومة بعدم احالة او قبول انشاء اي مصفى بطريقة الاستثمار لا تتوفر فيه-كحد ادنى- المواصفات الاوربية رقم 4/5؛
تمتنع الحكومة وبشكل مطلق عن شراء او المشاركة في شراء او بناء او المشاركة في بناء اي مصفى خارج العراق؛
تتعهد الحكومة بعدم السماح باي شكل من اشكال المنافسة بين وزارتي النفط والصناعة والمعادن في مجال الصناعات البتروكيماوية لان ذلك يسبب ضررا فادحا للاقتصاد العراقي وتبديدا للجهود والموارد المالية (كحالة مصفى الفاو الذي اقترح بدون دراسات FEED وتاثيره على مشروع نبراس للبتروكيماويات). ولابد من التنسيق والتكامل بين الوزارتين وذلك للترابط العضوي بينهما؛ فوزارة النفط معنية بقطاع التصفية ووزارة الصناعة والمعادن معنية بالصناعات البتروكيماوية؛
انهاء عقد مصفى ميسان الاستثماري الذي احيل قبل عدة سنوات وبطريقة مشبوهة الى شركة ستاريم المفلسة ماديا وغير مؤهلة تقنيا وغير متخصصة من حيث الخبرة والتي لم تنجز لغاية تاريخه اي شيء!!
اضافة وحدات تكنولوجيا متقدمة الى المصافي الكبيرة (في البصرة والدورة مثلا) لمعالجة زيت الوقود لانتاج مشتقات نفطية وغازية عالية القيمة وخاصة تلك التي يتم تمويلها عن طريق القرض الياباني
الكف عن التكرار الممل في اعادة اعلان العديد من المصافي بطريقة الاستثمار والتي لم يتم اعداد دراسات FEED لها ( مثل مصافي واسط والديوانية والمثنى) دون نتيجة تذكر مما يدلل على عدم اهتمام المستثمرين الجديين بتلك المصافي.
وعليه على الحكومة الجديدة عدم الانتظار والتعهد ببدء تنفيذ على الاقل احد المصافي التي دفع العراق ملايين الدولارات للعديد من الشركات الاستشارية الدولية لإعداد دراسات الجدوى الاقتصادية و دراسات FEED لها؛ وقد يشكل مشروع الناصرية المتكامل ( تطوير الحقل والمصفى معا) من الاولويات خاصة لوجود اهتمام بهذا المشروع من قبل الشركات النفطية.
وبعكسه سيستمر العراق باستيراد المنتجات النفطية وبشكل متزايد وتتزايد معها كلف الاستيراد السنوية.
القسم الثالث: الاطر القانونية والمؤسسية والتنظيمية المطلوبة
اولا: ضرورة تبني سياسة نفطية متكاملة وواضحة
يشكل القطاع النفطي، في السنوات الاربع القادمة كما كانت عليه الحال في العقود السابقة، العمود الفقري للاقتصاد العراقي ومحددا لمعظم جوانب النشاط الاقتصادي من جهة؛ ومن جهة ثانية وكما اظهره التحليل اعلاه فان القطاع النفطي يواجه الكثير من المعضلات التي لابد من معالجتها؛ ومن جهة ثالثة توجد العديد من الامور المهمة الاخرى التي لابد من تنفيذها مثل مشاريع حقن الماء وطاقات الخزن والسياسة التسويقية وتعدد منافذ التصدير والنشاطات الاستكشافية وتعزيز الجهد الوطني ومعالجة الفجوات التقنية والمعرفية والمهاراتية وغير ذلك.
وهذا يحتم، او يلزم ، ان يكون للحكومة وثيقة محددة لسياسة نفطية متناسقة واضحة المعالم والاهداف والوسائل تخدم المصلحة الوطنية. في ضوء هذه السياسة النفطية يتم مراقبة الحكومة وتقييمها ومحاسبتها بشكل دوري ووفق مؤشرات كمية قابلة للقياس والمقارنة والتحقق.
ثانيا: قانون النفط والغاز الاتحادي
توجد على الاقل اربع مسودات لهذا القانون اصبحت جميعها قديمة غير ممكنة التنفيذ حيث تجاوزتها العديد من التطورات الاساسية والمهمة. ولذا امام الحكومة الحالية بديلين: اما عدم طرح القانون او تقديم مشروع قانون جديد يختلف كليا وجذريا عن اي من صيغ القانون القديم. وفي حالة اختيار البديل الثاني فان تجربة العشر سنوات مع الصيغ الاربع اعلاه تشير ان هذا الامر يتطلب جهود مكثفة ومعقدة ولمدة طويلة وقد لا تنجح في النهاية.
ثالثا: قانون شركة النفط الوطنية العراقية
اثبتت دعوى الطعن بهذا القانون التي قدمت الى المحكمة الاتحادية العليا من قبل مواطنين عراقيين ان اللوائح المقدمة لهذه المحكمة من قبل كل من الوكلاء القانونيين لرئيس مجلس الوزراء ووزارة المالية تتوافق على عدم دستورية العديد من مواد هذا القانون مما قد يدفع المحكمة الاتحادية العليا الى قبول الطعن بالقانون.
وهنا امام الحكومة بديلين: اما صرف النظر كليا عن هذا القانون في الوقت الحاضر او تقديم مشروع قانون جديد يختلف جذريا وكليا عن القانون المطعون به. وتشير المعلومات المتوفرة الى احتمالية كلا البديلين. وهذا يحتم ابطال كل الاجراءات التنفيذية التي اتخذتها الحكومة السابقة بهذا الخصوص وكذلك تنفيذا لقرار مجلس النواب المتخذ بتاريخ 21 تشرين ثاني 2018 والقاضي بإيقاف العمل بجميع قرارات الحكومة السابقة التي اتخذت بعد الاول من تموز 2018. وهذا ما تم تبنيه من قبل مجلس الوزراء بجلسته في 11 كانون اول 2018 حيث سيتم مراجعة جميع تلك القرارات واتخاذ الموقف النهائي بشانها.
رابعا: العلاقة مع حكومة الاقليم
للعلاقة بين الحكومتين الاتحادية والاقليم تاريخ طويل ومعقد وصعب منذ عام 2003 ولحد الان. وفي ضوء الشواهد والمواقف المعروفة يتوقع ان تعمل الحكومة الجديدة على حل الإشكالات المتعلقة بالقضية النفطية مع حكومة الاقليم ولكن عليها ايضا الاصرار والمحافظة على المصلحة الوطنية العليا والتي اثيرت خلال السنوا ت الماضية ولازالت و يمكن ان تتلخص بما يلي:
عدم دستورية ومشروعية العقود التي وقعتها حكومة الاقليم مع مختلف الشركات النفطية الدولية (علما ان هذا الامر هو موضوع الدعوى المقدمة الى المحكمة الاتحادية العليا ضد حكومة الاقليم منذ عدة سنوات والتي تم تفعيلها مؤخرا ولازالت المرافعة قائمة لغاية تاريخه)؛ وقد سبق (لي ولغيري من المختصين) تناول هذا الموضوع بالتفصيل؛
حصر كافة الصادرات النفطية بشركة سومو واعتبار اي تصدير للنفط الخام خارج سومو تهريب وتجارة غير شرعية (وهذا ما صرحت به رسميا كل الحكومات الاتحادية ومنها القائمة حاليا) ؛
عدم تعامل سومو مع اي من شركات او ناقلات النفط التي تقوم بنقل وبيع النفط العراقي المهرب من خلال الاقليم ( وهذا ما نفذته سومو فعلا)؛
عدم السماح مطلقا بسيطرة سلطات الاقليم على اي من الحقول النفطية والغازية التابعة لشركتي نفط وغاز الشمال (وهذا ما تحقق فعلا بعد اندحار داعش واعادة سيطرة السلطة الاتحادية على كركوك في نهاية عام 2017) ؛
عدم السماح لسلطات الاقليم بالقيام (او الاتفاق مع الشركات الاجنبية) باي نشاط استكشافي او تطويري في المناطق المشتركة او المتنازع عليها(وهذا موقف معلن للحكومة الاتحادية)؛
عدم قيام وزارة النفط بالتعامل مع اية شركة نفط اجنبية تقوم حاليا او مستقبليا باي نشاط استكشافي او تطويري في الاقليم (لا زال هذا المنع ساري المفعول رغم قيام وزير النفط جبار لعيبي بمخالفته لصالح شركة اماراتية لأسباب لابد من التحقيق فيها رسميا)؛
استمرار وزارة النفط بدعوى التحكيم الدولي التي قدمت الى غرفة التجارة الدولية باريس ضد الشركات والحكومة التركية لمخالفتيهما الاتفاقيات الدولية الموقعة بين البلدين وخاصة تلك المتعلقة بخط انبوب نفط كركوك-جيهان (والتي تقدر وزارة النفط العراقية انها ستكسب الدعوى وبتعويض مالي كبير) ؛
الزام حكومة الاقليم بتنفيذ المواد المذكورة في قوانين الموازنة الاتحادية منذ عام 2004 والمتعلقة بتسويات مستحقات تسليم عوائد تصدير النفط وغيرها من قبل حكومة الاقليم الى وزارة المالية الاتحادية (وهذا ما ذكر في قوانين الموازنة السنوية وتقرير تفصيلي لديوان الرقابة المالية الاتحادي)؛
ان مظاهرات المواطنين في البصرة والمحافظات الجنوبية المنتجة للنفط لن تسمح للحكومة الاتحادية بإعطاء الاقليم اكثر من استحقاقاته على اساس نسبة السكان وعلى اساس تسليم كافة النفط المنتج في الاقليم الى الحكومة الاتحادية وما يصدر منه يكون من خلال شركة سومو (ويجب الحذر من والاخذ بنظر الاعتبار ما تعنيه لافتة كتب عليها “نفط البصرة للبصرة”!)؛
واخيرا، لا يمكن ولا يجب ان يتحمل العراق كافة اعباء قرارات الاوبك عند تخفيض الانتاج حيث يفترض ان علاقة العراق مع الاوبك لها، او يجب ان يكون لها، اهمية ودور في السياسة النفطية للحكومة. ومن الجدير بالذكر ان اتفاق الاوبك الاخير قرر تخفيض انتاج الاوبك في عام 2019 بواقع 800 الف برميل يوميا على اساس انتاج شهر تشرين اول 2018.
ولكن في المقابل توجد العديد من العوامل والاعتبارات التي قد تقود الى الاعتقاد بعدم قيام الحكومة الجديدة بتنفيذ او النجاح في المهمة اعلاه ومنها:
دور ما يعرف “بالشخصيات الوازنة والمؤثرة” في الوضع السياسي الداخلي والقرارات وما لها من علاقات مع الحكومتين. فمثلا ان تسلُم عادل عبد المهدي رئاسة الحكومة ومواقفه (كصديق للشعب الكردي كما قال مسعود البرزاني) وطروحاته المعروفة تتناقض وتتعارض مع ما ذكر اعلاه؛
ان انتخاب رئيس جمهورية العراق قد عمق من شرخ الخلافات وتوتر العلاقات ضمن “البيت الكردي” وقد يدفع حكومة الاقليم (التي تسيطر عليها عائلة البرزاني) الى تصلب مواقفها مع الحكومة الاتحادية للحصول على تنازلات (كما اشارت اليه زيارة مسعود البرزاني الاخيرة الى بغداد )؛
لازالت مشكلة شفافية ومصير عوائد تصدير النفط تلاحق حكومة الاقليم رغم التقارير “الشكلية” التي تم توقيت اصدارها قبل الانتخابات الاخيرة في الاقليم؛
تراكم ديون حكومة الاقليم وممارسات “ارتهان” عوائد النفط المستقبلية التي اوقعت الاقليم في “مصيدة المديونية”؛
ان تحسن اسعار النفط الدولية قد تشعر حكومة الاقليم بانخفاض وطأة “الضغط المالي” عليها مما يقلل حاجتها لسرعة حسم المسائل المعلقة والمذكورة اعلاه مع الحكومة الاتحادية.
خامسا: الالتزام بمعايير الشفافية في القطاع النفطي
شهد القطاع النفطي تراجعا خطيرا في شفافية ونشر المعلومات والاحصائيات والقرارات والمناقشات والمفاوضات وخاصة خلال فترة الوزير جبار لعيبي. ان التجربة الدولية تشير الى ان انعدام الشفافية وتفشي السرية انما تهدف الى اخفاء شيء مهم وتغطية ممارسات غير قانونية والتي تقع ضمن نشاطات الفساد.
ان اهم معايير الشفافية- من الناحية العملية القانونية- هي الافصاح (الكامل والصحيح والدقيق والدوري) والمسائلة (الاستجابة) والمحاسبة (تحمل المسؤولية). يشكل الافصاح الالتزام الاساسي الذي يقع على عاتق وزارة النفط في حين تكون مهام المسائلة والمحاسبة من مهام السلطات الاخرى التي عليها مراقبة وزارة النفط للتأكد من ايفائها بالتزامات الافصاح.
وعليه فان نشر المعلومات الدقيقة والكاملة وبأوقات زمنية محددة ودورية والتي تتعلق بنشاطات وانجازات وعقود ومفاوضات كافة الهيئات والدوائر والشركات التابعة لوزارة النفط والشركات الاجنبية المتعاقد معها وحسب المعايير الكمية والوصفية للشفافية المعمول بها دوليا في الصناعات الاستخراجية وفي بقية نشاطات الصناعة النفطية واعتبار كل ذلك التزام قانوني على وزارة النفط تنفيذه بشكل تام. وان تلتزم الوزارة بمتابعة ما يترتب على نشر تلك المعلومات من اراء ودراسات وتقارير.
سادسا: مشكلات الفساد في القطاع النفطي وتهريب النفط
ليس من جديد القول بان الفساد اصبح ظاهرة مستشرية ومُمَئسسة ومشرعنة في العراق؛ وفي وزارة النفط حيث يوجد عدد كبير من الاتهامات الصريحة او المبطنة وفي بعض الاحيان تذكر الاسماء بل وحتى المبالغ التي تشير الى تورط كبار المسؤولين في الوزارة وشركاتها. ولكن الغريب انه لم يقم اي مسؤول في الوزارة او شركاتها وممن وجهت لهم تهمة او شبهة الفساد باتخاذ اجراء قانوني ضد من وجه التهمة.
كذلك تكاثرت حالات التجاوز على خطوط انابيب النفط والمنتجات النفطية وبروز ظاهرة “تهريب النفط” وخاصة في محافظة البصرة واشير كذلك الى تورط مسؤولين رسميين في هذه الظاهرة.
وبسبب الآثار السلبية والكارثية لمختلف اشكال الفساد وتهريب النفط على هذا القطاع وعلى الاقتصاد الوطني فان على الحكومة الجديدة ان تتخذ موقفا حاسما وواضحا وشديدا لمكافحة والقضاء على هذه الظواهر السلبية وتشخيص الوسائل والمؤشرات التي ستستخدمها لإثبات انجاز تعهداتها.
ملاحظات ختامية
تجمع كل الدراسات الجدية المتخصصة على وجود خلل هيكلي مزمن يتمثل بأحادية الاقتصاد العراقي لاعتماده -الى حد كبير جدا- على صادرات النفط الخام؛ وقد قُدِمَت تحليلات وتفسيرات وطروحات مهمة في هذا المجال منها محددات الطاقة الاستيعابية، مؤشرات وتاثير المرض الهولندي، تبعات الريع الاقتصادي وسلوكيات الدولة الريعية، مؤثرات لعنة الموارد، الافتقار الى السياسة التنموية السليمة، استشراء الكلبتوكراسي (الفساد المُشَرعَن) في مرحلة الدمقرطة غير الناضجة (فترة ما بعد 2003).
يكمن العلاج الوحيد لهذا الخلل الهيكلي المزمن بتحقيق التنويع الهيكلي بشكليه الافقي (على كافة قطاعات الاقتصاد الانتاجي الحقيقي) والعمودي (في سلسلة القيم لكل قطاع انتاجي بعيدا عن انتاج المواد الخام الى المنتجات المرتفعة القيمة). الا ان هذا التنويع الهيكلي يكون عادة تدريجيا وتراكميا ويتطلب وجود سياسة تنموية مستدامة صائبة ملزمة التنفيذ. وفي ضوء كل المؤشرات المتوفرة ليس هناك ما يشير الى قدرة واهتمام واستعداد والتزام القوى المسيطرة على القرار في العراق على تحقيق التنويع الهيكلي الحقيقي على مستوى الاقتصاد الكلي في المستقبل المنظور .
ولكن يشكل التنويع الهيكلي العمودي في القطاع النفطي الفرصة المهمة والمجدية والممكنة التحقيق والتي تتلخص في: (1) بناء- داخل العراق فقط- المصافي الحديثة التكنولوجية (تصدير المنتجات النفطية بدلا من تصدير النفط الخام)؛ (2) تصنيع واستخدام كل الغاز المصاحب (تصدير-مثلا- الطاقة الكهربائية بدلا من تصدير الغاز الخام)؛
(3) التوسع بصناعة البتروكيماويات (تصنيع وتصدير مختلف المنتجات البتروكيماوية بدلا من تصدير النفط والغاز الخام).
وهذا ما يجب ان يتم التركيز عليه واعطائه الاولوية والأفضلية خلال العشرة سنوات القادمة بدلا عن توسيع طاقة انتاج النفط الخام؛ ويكون للدولة الدور الرائد في استحداث هذا التغيير الهيكلي العمودي القطاعي الضروري .
—————————–
ملاحظة بشأن مصادر البحث. اعتمدتْ هذه الدراسة على العديد من دراساتي السابقة والمصادر المذكورة فيها. ويمكن الاطلاع على تلك الدراسات باللغتين العربية والانكليزية من خلال الروابط التالية:
http://www.akhbaar.org/home/search/?sq=Ahmed%20Mousa%20jiyad
+
-ttp://www.iraq-businessnews.com/category/oil-gas/ahmed-mousa-jiyad/
ملحق
المؤشرات الكمية لموازنات القطاع النفطي
ملاحظات الملحق: مبي= مليون برميل يوميا، 1- معدل ثمانية اشهر؛ 2- استثناء صادرات شركة نفط الشمال (نفط كركوك) لأغراض المقارنة ويصبح المعدل اليومي 1.913 مبي عند شمول صادرات نفط كركوك؛ 3- معدل عشرة اشهر لعام 2018 واستثناء نفط كركوك لعدم وجود صادرات؛ 4-معدل ثمانية اشهر؛ أب= الف برميل للنصف الاول من العام؛ # كيروسين (النفط الابيض) بضمنه وقود الطائرات؛ 5- معدل ثمانية اشهر؛ ن1- النصف الاول من السنة المعنية.
مصادر الملحق: تجميع وتقديرات المؤلف- قاعدة معلومات المؤلف؛ الاحصائيات الاساسية الشهرية من وزارة النفط فيما يتعلق بانتاج النفط والغاز وتجهيزات النفط لمحطات الطاقة الكهربائية؛ سومو فيما يتعلق بتصدير النفط وJODI فيما يتعلق بتجهيز النفط للمصافي وانتاج المصافي والطلب على المنتجات النفطية.
اعدت هذه الدراسة وقدمت بتاريخ 15 كانون اول 2018 تلبية لطلب مسبق من الاخ المرحوم د. باسم سيفي لتنشر في العدد 7/2019 للمجلة الدورية “قضايا ستراتيجية”.
Ahmed Mousa Jiyad,
Iraq/ Development Consultancy & Research,
Norway.
Email: mou-jiya(at)online.no
Skype ID; ahmed.mousa.jiyad
Tel: (+47) 5659 5699 (Landline); Mobil: (+47) 970 763 64