تأتي زيارة الرئيس الإيراني حسن روحاني ومسؤولين اخرين الى العراق في ظل الظروف المعقدة في الشرق الأوسط وفي مقدمتها الصراع الامريكي الإيراني وتأثير العقوبات الامريكية على ايران بشكل كبير وكذلك المشكلة السورية ومحاربة بقايا داعش . ومهما كانت طبيعة الأهداف المعلنة التي يتم تتداولها في أروقة الإعلام من هذه الزيارة فإن هناك أهداف رئيسية غير معلنة بشكل واضح أو صريح من وراء هذه الزيارة والتي لا يمكن التباحث حولها إلا على أعلى مستوى وبين قادة البلدين فقط وذلك لسريتها الفائقة من ناحية وعدم إشراك القيادات الأخرى في المباحثات السرية لضمان عدم تسربها بشكل مباشر أو غير مباشر من ناحية أخرى . فكل المعطيات تشير الى ان هناك حالة إستثنائية وعلى درجة كبيرة من الأهمية والخطورة تستدعي مثل هذه الزيارة وفي هذا التوقيت بالذات . فمحور المشكلة في الشرق الأوسط الآن من وجهة نظر الدول الكبرى مثل أمريكا ومعظم دول أوربا الفاعلة في السياسة الدولية هي إيران ودورها في زعزعة الأمن في المنطقة . فالهدف الرئيسي من زيارة الرئيس الإيراني للعراق هو بالأساس لمواجهة العقوبات التي فرضتها الإدارة الأمريكية والتي بدأت تأثيراتها الكبيرة على الحالة الإقتصادية للبلاد وعلى المستوى المعاشي للمواطنين عموماً ، وهو أمر يقلق النظام ووجوده .
وعلى الرغم من الإعلان الرسمي بأن الزيارة تستهدف توطيد وتعزيز العلاقات بين البلدين الجارين على مختلف الاصعدة الإقتصادية والإستثمارية والأمنية ومناقشة بعض الملفات المشتركة والتي ستضفي الى توقيع عدد من الإتفاقيات الشكلية إلا إن تحليل واقع الحال يشير الى احتمالية عقد صفقات سرية للغاية تستهدف على الأقل تخفيف أثر العقوبات الامريكية على إيران ومحاولة الالتفاف عليها بمساعدة الدول الحليفة لها وفي مقدمتها العراق باعتباره يشترك معها بحدود طويلة ومعقدة تتجاوز 1400 كم ، والأهم من كل ذلك وجود الترابط المذهبي الطائفي الوثيق الذي يجمع الساسة الإيرانيون بالعديد من الساسة والقادة العراقيين والشخوص والكيانات المؤثرة بالقرار العراقي ممن يولون ولائهم المطلق لإيران بشكل علني أو بشكل مستور . ولا يستبعد من قيام كبار المسؤولين من البلدين بعقد إتفاقات وتفاهمات سرية للغاية غير موثقة لكي لا تكتشف تتناول إمكانية توجيه بعض إمكانات العراق وقدراته المادية والبشرية والمؤسسية خدمة للمصالح الإيرانية وتقليل آثار العقوبات عليها . ويبدو في مقدمة القضايا ما يتعلق بالقيود المفروضة على تداول العملة الصعبة وخصوصاً الدولار وما يتعلق بتصدير النفط الإيراني وكذلك كيفية توفير بعض المواد والأجهزة التي تحتاجها إيران ويصعب عليها توفيرها أو جلبها بسبب القيود .
ويضاف الى ذلك محور مهم وهو ما يتعلق بالنشاط الأمني والعسكري . ويمكن أن نجمل أبعاد تلك الإتفاقات والتفاهمات السرية بالآتي :
أولاً : الإتفاق على السماح وتوجيه عدد غبر قليل من السماسرة والتجار والمهربين الموثوق بهم لتوفير وتجميع أكبر قدر من عملة الدولار بالإستعانة ببعض مكاتب الصيرفة الصورية وبعض البنوك والمؤسسات المالية ثم يتم تهريبها عبر الحدود الى إيران بحيث يصعب ، بل يستحيل ، على الرقابة الدولية أن تلاحظها وتضبطها . وهنا يأتي دور البنك المركزي العراقي بشكل غير مباشر وغير مكشوف وذلك من خلال عمليات مزاد العملة .
ثانياً : بالنسبة للقيود المفروضة على تصدير النفط الإيراني فمن المتوقع ان يتولى العراق تصدير جزء من نفطه لحساب إيران وتهرب مبالغه عبر الحدود. وهنا سيتم تشجيع تهريب النفط الإيراني بمختلف الوسائل خصوصاً عن طريق وسائط النقل الحوضية عن طريق العراق الى المصادر التي تطلبها سواء داخل العراق أم خارجه بإتجاه تركيا والأردن وسوريا . ومن الممكن أيضاً أن يتم الإتفاق على قيام الجانب العراقي بإستخراج أكبر كمية ممكنة من النفط من الحقول النفطية المشتركة خارج الإتفاقات الموقعة بين البلدين ويتم تسوية المبالغ في ضوئها وتهرب عبر الحدود .
ثالثاً : من المحتمل أيضاً ان يتولى العراق شراء المواد والأجهزة والأدوات الإحتياطية التي تحتاجها إيران ولا يسمح لها بإستيرادها ويتم تمريرها الى إيران عن طريق التهريب على ان يتم تسوية مبالغها لاحقاً عند انتهاء الأزمة .
رابعاً : الأهم من كل ماورد أعلاه من المحتمل جداً ان يتم الإتفاق وبسرية عالية على السماح والتغاضي عن بعض الفصائل المسلحة العراقية المرتبطة بإيران بالتحرك وفق توجيهات القيادات الأمنية والعسكرية الإيرانية لتستهدف عند الحاجة المصالح الأمريكية والقواعد العسكرية في العراق أو سوريا وعلى أساس ان الحكومة العراقية لا علم لها ولا دور في مثل هذه الأعمال خصوصاً إذا ما شرع مجلس النواب العراقي قانون إخراج القوات الأجنبية وبالأخص الأمريكية مما يضفي لمثل تلك الفصائل المسلحة حق المقاومة .
هذه هي أهم الأهداف الحقيقية التي نتوقعها من زيارة الرئيس الإيراني للعراق ومضامين الإتفاقات والتفاهمات التي من الممكن جداً أن يتم بحثها بسرية تامة وحجبها عن جميع الحلقات المؤسسية في كلا البلدين عدا الحلقة الأولى الرئاسية . ولابد من الإشارة بإن العراق سيكون أول الخاسرين إذا ما تم فعلاً مثل هذه الإتفاقات غير المعلنة .