18 ديسمبر، 2024 9:43 م

عبد الكاظم الياسري .. سنوات من العطاء والتضحيات

عبد الكاظم الياسري .. سنوات من العطاء والتضحيات

في آذار من عام 2013 تم تكليف الأستاذ الدكتور عبد الكاظم جعفر الياسري ليتولى مهام رئاسة هيئة التعليم التقني ، والياسري ليس غريبا على الكثير لأنه ابن التعليم العالي فقد ترعرع في هيئة التعليم التقني إذ تعين فيها بعد حصوله على شهادة البكالوريوس في الهندسة الكهربائية ثم حصل على شهادتي الماجستير والكهرباء ، فتدرج بالمواقع من م. مهندس إلى مرتبة الأستاذية في مسيرة طويلة تضمنت انجاز بحوث وبراءات الاختراع ، وشغل عدة مواقع بشكل متدرج حيث عمل مقررا لقسم ثم رئيس قسم ومعاون عميد ثم عميدا لكلية التقنيات الهندسية والكهربائية ومعاهد الشطرة والنجف ، ومنذ اليوم الأول لتوليه رئاسة الهيئة توجهت اهتماماته ليس في كيفية إدارة هذه المؤسسة العريقة التي تأسست في عام 1969 وتضم أكثر من 46 تشكيل بين كلية ومعهد تقني وتستوعب سنويا مالا يقل عن ثلث مدخلات التعليم العالي في عموم الجامعات الحكومية بالطريقة التقليدية ، وإنما البحث عن الجديد الذي يضيف لهذه ( الإمبراطورية ) بما يمهد لتحقيق التميز واحتلال مكانة عالية في الداخل والخارج ، وقد بدأت خطواته الأولى بلملمة البيت التقني من خلال إشاعة روح الألفة والمحبة بين القيادات العليا والوسطى وبين العاملين أنفسهم وبين العاملين وقياداتهم لكي تكون مسيرة الهيئة في الاتجاه الصحيح وضمن بوصلة التطور المطلوب وعلى وفق السياقات والمعايير المعتمدة في وزارة التعليم العالي والبحث العلمي ، واخذ يقلل من بيروقراطية الهيئة من خلال منح الصلاحيات الإدارية والمالية وغيرها لكي لا تكون رئاسة هيئة التعليم التقني أول من يتولى وأد المبادرات والإبداعات .
كما اهتم بموضوع المؤتمرات العلمية لتحويلها من محلية إلى عالمية بهدف الانفتاح على تجارب الشعوب وتبادل المنفعة معها ، وشجع على تنمية الموارد الذاتية للكليات والمعاهد التقنية ومعالجة الاختناقات أينما وجدت بسبب محدودية التخصيصات المالية ، وأنشأت علاقات ايجابية مع حقول العمل أنتجت العديد من العقود والاتفاقيات الثنائية التي تعزز توجهات الهيئة لتتحول إلى الجامعة المنتجة من شعار إلى حيز التطبيق وتم استثمار هذا الانفتاح لتدريب الطلبة وتعيين الموهوبين ، وفي ظل أداء متواصل كان يمتد لساعات طوال يوميا كان للياسري حلما يسعى إلى تحقيقه في يوم من الأيام ، ومن هذا الحلم كان يسعى إلى تحويل التعليم التقني إلى جامعات منتجة للإبداع وتهتم بطاقات الشباب بصروح علمية من حيث البنى التحتية والرؤى والاستراتيجيات والقيم الجوهرية والأهداف ، وكان يعتقد من يعلم بحلمه بأنه يبحث عن ضروب المستحيل في ظل ظروف العراق وحالة الإحباط في التطور التي أصابت البعض ، واستطاع من خلال إيمانه بأفكاره أن يجهر بجزء منها أثناء مقابلة تلفزيونية مع إحدى القنوات القضائية وعرضها تفصيليا عند لقائله بوزير التعليم العالي والبحث العلمي عند مناقشة مقترح الدولة لزيادة عدد المعاهد التقنية إلى 100 في عموم العراق فلم يجد منه الممانعة وإنما التطابق مع خطوطها العامة ، وقد استثمر ذلك لكي يبلور أفكارا أكثر تطبيقية ويشرع بوضع اللبنات الأولى للتغيير وبدا بطرح مشروعه على أخوانه من قيادات التعليم التقني والخبراء ممن لهم خبرات سابقة وحالية في التعليم التقني ، وفي مؤتمر تم عقده لهذا الغرض تم التصويت على المشروع بحضور ( 88 ) من تلك الشخصيات فأيده الجميع باستثناء صوتين امتنعا عن التصويت .
واعتقد الكثير إن ما تم طرحه بخصوص تحويل التعليم التقني إلى أربعة جامعات تقنية في بغداد والفرات الأوسط والجنوب والشمال سيستغرق أربع سنوات على الأقل وسيكلف الدولة مليارات من الأموال ، كما تصور البعض إن صياغة استرتيجية للتعليم المهني والتقني بالشراكة مع الاتحاد الأوروبي سيبقى طموحا مشروعا لكنه غير قابل للتطبيق لصعوبة إقناع الجهات المعنية بهذا الخصوص ، ولكن الياسري اتبع وسائل غير مطروقة في تحويل الحلم إلى حقيقة حيث قام وبإشراك المخلصين برسالة التعليم التقني بوضع الجداول والمخططات وإعداد الدراسات للتحول إلى الجامعات التقنية ، وقد عقدت العديد من المؤتمرات واللقاءات والورش للمناقشة المستفيضة لتحقيق أعلى النتائج المضمونة وليس لإسقاط فرض ، وكان العائق الأكبر هو أيجاد الغطاء القانوني من خلال تعديل قانون وزارة التعليم العالي والبحث العلمي أولا من خلال مصادقة مجلس النواب ثم إقناع مجلس الوزراء بإصدار قرار باستحداث الجامعات التقنية بعد المصادقة على التعديل ، وهي مراحل صعبة بالفعل أسهم الإعلاميون المخلصون في تكوين رأي عام مساند ومجيب عن كل التساؤلات مطمئنا على التخوفات ، وبفضل الله أولا وتعاون الشرفاء وهمة المخلصين تم اختصار الزمن وأنشأت الجامعات التقنية الأربعة ( وباشرت بالقبول ابتداءا من العام الدراسي 2014 / 2015 ) ودون تكاليف وأموال تهدر بهذا الخصوص ، وللتاريخ نقول لو لم تنشأ تلك الجامعات بذلك التوقيت لما وجدت لها الفرصة بعد عشر سنوات قادمة على الأقل ، كما تحقق الأمل والنجاح في صياغة إستراتيجية التعليم المهني والتقني مع الاتحاد الأوروبي التي تمتد إلى عام 2023 حيث تم التوقيع عليها في عام 2015 بمباركة ورعاية مجلس الوزراء .
وحاول البعض التقليل من أهمية تلك الانجازات ، والبعض القليل راح يطلق أحكاما مستعجلة وهي حالات اعتيادية واقل من الحدود المعقولة في كل تغيير ، وكل من شكك في أمكانية نجاح الجامعات التقنية يشهد الأداء الذي تحققه الممتزج بالأمل على تحقيق المزيد ، وهذه الجامعات تنجز اليوم فعاليات ومبادرات في مجال التعليم وولوج مجالات إبداعية عديدة في خدمة البلاد ، ولا يزال هناك الكثير لتحقيقه لان هذه الجامعات بنيت على أسس صحيحة ومن ضمير حي اسمه وعنوانه الوفاء للعراق وأهله الطيبين ، وان بعض الاستثناءات التي تحاول التنكر لأصولها وتحاول أن تبني مجدا لها ستجد نفسها خارج جسد التعليم التقني ، لان هذا النمط من التعليم اوجد عقارا ذاتيا لعزل الأجسام الغريبة لكي يبقى ذلك الجسد معافى من التشوهات ، وإضافة إلى الجهود في إنشاء الجامعات التقنية واتفاقية TVETفان له وقفات وأفعال أخرى ، فقد أنقذ حياة المئات من طلبة الموصل أثناء الهجوم الداعشي المجرم كما وقف إلى جانب العديد من الحالات الإنسانية للمنتسبين والطلبة وعموم العراقيين ووقف إلى جانب القوات المسلحة والحشد الشعبي في المعارك والجهاد المقدس ضد أعداء العراق جميعا كما قدم العون والإسناد للمحافظات التي تعرضت للسيول والأمطار وأنتجت جامعته الطائرات المسيرة لصالح الجهات المعنية دفاعا عن العراق من هجمات الأعداء وقدم مقترحا متكاملا لمعالجة مشكلات إنتاج الكهرباء من خلال الخلايا الشمسية وباشر فريق عمل بمعيته بإنتاج العداد الذكي لترشيد استخدام الطاقة الكهربائية ، وقد انتشرت شعبيته ليكون مرشح الكثير من التقنيين والعاملين في قطاع التعليم العالي والبحث العلمي ليكون وزيرا للتعليم العالي من التكنوقراط ،
وإننا إذ نذكره اليوم لمناسبة مرور ستة سنوات على رئاسته هيئة التعليم التقني ( التي غادر رئاستها منذ سنتين )ليس بهدف الشخصنة والتمجيد ، لان عبادة الأصنام قد ولت والساحة العراقية مكشوفة للجميع والعراقيين بدرجة من الوعي والذكاء والقدرة على تشخيص المعادن الحقيقية عن المعادن الأخرى ، فتسليط الأضواء عليه كحالة انجاز من قبلنا أو غيرنا لا يضيف شيئا له فهو معروف الأصل والنسب وتنازل عن عرش هيئة التعليم التقني التي فيها 48 من هم بدرجة مدير عام ليكون رئيس جامعة برضا تام من باب الواجب والتكليف ، والغاية الحقيقية من عرض مثل هذه الحالات وتسليط الأضواء عليها هو الإثبات بوجود المخلصين والكفاءات على غراره فالعراق لا يشح منهم قط ولا داع لليأس حيث توجد إعدادا غير محددة من الأوفياء والمبدعين وهم بحاجة إلى فرص لإثبات جدارتهم وانتمائهم الوطني ، أما الغاية الثانية فهي توفير الحافز للشرفاء والخيرين لإطلاق المكنون من الطاقات الإبداعية لإظهارها للعراقيين جميعا ممن يمتلكون القدرات في القيادة والإبداع في هذا الزمن الذي يمر به بلدنا العزيز فهناك من يعزف عن تقديم نفسه والكشف عن إمكانياته بحجة عدم ملائمة الظرف الحالي للعطاء ، فمن يعمل خيرا يذكر بالخير ومن يلجا إلى الشر يلعن إلى ابد الآبدين في الدنيا والآخرة فالتاريخ يسجل وهو ينصف الخيرين كما انه لا يرحم السيئين ، وتحية لكل مخلص وشريف يترجم وطنيته ومعدنه ومعدن أهله من خلال تحقيق الخير والتقدم لخدمة العراق والعراقيين .