الشيء المفيد الوحيد الذي أنجزه مجلس النواب في دورته الحالية أنه اتخذ في جلسته الأخيرة قراراً صحيحاً بخصوص دوائر المفتشين العموميين التي كانت ممّا ضرب أعناق الناس، لكنّه – القرار – في حاجة الى تأكيد وتفعيل. ما فهمناه أنه قد اتخذ في صيغة “من حيث المبدأ”، أي أنه قرار غير نهائي، وهذا ممّا يُحسب على مجلس النواب ورئاسته، وقد نصّ القرار على “إلغاء مكاتب المفتشين العموميين”، “وتفعيل دور الادعاء العام”.
لم يثبت المفتشون العموميون في أي يوم أنهم ودوائرهم على قدر المنفعة والفائدة اللتين توخاهما الناس.. كانوا نافعين ومفيدين أكثر للمحافظين وأعضاء مجالس المحافظات وسواهم من المسؤولين. ثمة العشرات من القصص التي يتصرّف فيها المفتش العام في نهاية المطاف، بل ربما منذ البداية،بوصفه موظفاً”ملتزماً” لدى المدير العام أو رئيس المؤسسة أو الوزير فيسعى الى إرضائه، فصارت هذه الدواوين جزءاً من منظومة الفساد، مثلما تحولت مجالس المحافظات ومثيلاتها الى بؤر رئيسة للفساد تمولت عن طريقها أحزاب فاسدة وتولى عن طريقها فاسدون مسؤوليات كبيرة في المحافظات.
مجالس المحافظات تحوّلت الى مراكز لممارسة الفساد الإداري والمالي أو التواطؤ مع الفاسدين.
هذه المجالس ،كما سائر المجالس التمثيلية، ليس العيب فيها بذاتها، إنما في مَن تتشكّل منهم.
القرار غير مكتمل، فلابد من تحديد موعد لإنهاء عمل هذه الدوائر وإيجاد بديل .
ديوان الرقابة المالية وبعض دوائر المفتشين عملت جيداً في السنوات الماضية. أصدرت تقارير معتبرة عن الوضع المالي والاقتصادي والإداري في البلاد ونجحت في رصد آلاف المخالفات الخطيرة مالياً واقتصادياً، لكنّ المشكلة إنّ تقارير الديوان لا يؤخذ بها .. تُهمَل كما النفايات البيتية أو المكتبية ، مع أن هذه التقارير وسائر أعمال الديوان تكلّف الموازنة العامة مبالغ كبيرة.
ربما احتجنا الى إعادة تشكيل الدوائر بعدد أقل من الموظفين الذين يتوجب أن تتحدد وظيفتهم ويلزمون بأدائها كاملة غير منقوصة بالتعاون مع هيئة النزاهة والأجهزة الرقابية الأخرى. المهم أن تكون هذه الدواوين كما هيئات النزاهة من موظفين محترفين مهنيين غير متحزّبين لضمان الشفافية والعدالة والتكافؤ.