لم تزل الدول الغربية تتعامل مع الشعوب والدول الشرق الاوسطية”الاسلامية”وفق مصالحها الاقتصادية وليس وفق اسسها الفكريةالانسانية والليبرالية الديمقراطية ، ولا وفق منطلقاتها الايديولوجية الدينية التاريخية الصليبية كما يحلو للبعض ان يبرر وجودها في المنطقة ، كل شيء عندها خاضع للمصلحة المادية مهما كانت مغموسة بدماء الابرياء وليس للعاطفة والرحمة اي مكان في هذه المعادلة المادية ، كل شيء يتم وفق قاعدة المقايضة وعلى اساس العرض والطلب ، ومن اجل الاحتفاظ بتلك المصالح لابد من وجود قوة رادعة تحت الطلب للتدخل حين تتعرض تلك المصالح للخطر ، سواء كانت بالاصالة اوالوكالة ، اي من خلال قواتها الرادعة في المنطقة ومن خلال القواعد العسكرية او الغزو او الاتفاقية الثنائية المشتركة مع دولها ، او من خلال دعمها لميليشات دينية او قومية اوقوات شبه نظامية ، فالاولوية الاستراتيجية دائما وابدا للقوة وليس للديمقراطية التي تسوقها اعلاميا ، وهذه الحقيقة جهلها رئيس حزب الديمقراطي الكردستاني”مسعودبارزاني” عندما ظن ان الولايات المتحدة كحليف قوي لن تسمح للقوات العراقية وميليشياتها الطائفية بغزو مدينة كركوك والمناطق المتنازع عليها وستتدخل في آخر لحظة لصالح قواته عقب اعلانه الاستفتاء في سبتمبر عام 2017! ، ولكنه صدم لموقف امريكا المؤيد للغزو وكان عليه الا يصدم لانه جرب موقفا مماثلا لهذه الدولة الاستعمارية عام 1974 عندما تركت الثورة الكردية بقيادة والده مصطفى البرزاني لتواجه مصيرها السيء امام قوات حكومة صدام حسين!.
وهذه ديدن امريكا والدول الغربية بشكل عام مع الانظمة الدكتاتورية العربية الاشد قمعا ووحشية ضد شعوبها مثل نظام حسني مبارك والقذافي وزين العابدين والاسد في سوريا ، ولكن عندما اندلعت ثورات الربيع العربي سرعان ما تخلت عن هذه الانظمة بسهولة وباعتها في سوق النخاسة بثمن بخس لان مصالحها تقتضي ذلك!
وكما اخطأ رئيس الاقليم السابق”مسعود بارزاني” في تقديره لسياسة امريكا البرغماتية كذلك اخطأت المعارضة الكردية في تقديرها للاولوية الاستراتيجية الامريكية في المنطقة، وظنت ان الديمقراطية والنزوع الى الليبرالية وتطبيق مبادئها كفيلة بنيل رضا الدول الغربية ولكن نسيت ان الاولوية الغربية للقوة في المنطقة وليست للمفاهيم الديمقراطية!
وربما ادرك حزبي السلطة في الاقليم الديمقراطي والاتحاد الوطني الكردستانيين هذه الحقيقة وبدءا باستعمال وسائل القوة ضد المعارضة من احتكار السطة وفرض الاتفاقية الثنائية “الاستراتيجية!” التي كان لها اثار سيئة جدا على المجتمع الكردي وما ترتب عليها من توزيع لموارد الاقليم ومناصب البلاد بينهما بالتساوي”فيفتي فيفتي!” على مرأى ومسمع من امريكا والدول الغربية التي تغاضت عن هذه الاجراءات لان استراتيجيتها في المنطقة بشكل عام للقوة وليست للديمقراطية ومباديءحقوق الانسان!
ورغم ان الديمقراطية تعتبر من ارقى النظم السياسية والاجتماعية وهي نقطة النهاية في التطور الاجتماعي والثقافي للانسانية والشكل النهائي للحكومات بحسب فرانسيس فوكوياما ، ولكن في حال تطبيقها ، يجب النظر الى طبيعة المجتمعات الثقافية والسياسية والاجتماعية التي يراد غرس الديمقراطية فيها ، فمن غير الممكن ان تكون الديمقراطية في بلد مثل الصومال او العراق او اقليم كردستان نقطة النهاية للتاريخ او لاي شيء لانها غير مؤهلة اصلا للديمقراطية!
بل بالعكس تحولت الديمقراطية الى وسيلة لابتزاز الشعب وتكريس الهيمنة الطائفية والحزبية منذ 16 عاما ونفس الوجوه تحكم العراق والاقليم ولن تتغير مادامت الديمقراطية فصلت تماما على مقاسهم!