18 ديسمبر، 2024 10:04 م

العراق أسير الصراع السياسي

العراق أسير الصراع السياسي

شاء القدر يا عراق، أن يكون نظامك السياسي غير مستقر، كأن الآمر خُط بالقلم، لا يمر عليه عقدٌ جديد الا و حل به حدث عظيم، كلما تقرب من لحظة الإستقرار، أتته عواصف الزمن محاولة منها بعثرة اوراقه، لينشغل بها لفترة ما، لكي لا يلحق بركب الآخرين، وهذه العواصف تارةً تكون داخلية وأخرة خارجية.

عند تصفح التاريخ منذ بداية تأسيس الدولة العراقية في عام 1921، الذي كان شكل النظام فيه يومذاك ملكي، لم يدم النظام أكثر من ثلاثة عقود، رافقته أحداث كثيرة، كيفية اختيار الملك وآلية تشكيل وزاراته المتعددة خلال فترة الحكم الملكي، وسياسة حكومة الملك الأول تختلف عن الثانية، التي رافقتها انقلابات سياسية في حينها، والتذمر على سياسة الحكومات دون المساس بمكانة الملك وعائلته، لا يسع الوقت إلى ذكرها، إلى ان جاء أنقلاب 14 تموز 1958 الذي ازاح النظام الملكي واعلان الجمهوري بأنقلاب عسكري قادة مجموعة من ضباط البلاط الملكي ومن هنا بدأت الويلات العظمى، فتح بابها ولم يغلق بعد.
لم يمر عقد الا وحصل فيه انقلاب على النظام بشكل عام، ذهبَ ضحيته الكثيرون ما بين سجين وجريح وقتيل ومطارد.
من حكومة الزعيم عبدالكريم الى القومي عبدالسلام وعبدالرحمن الى حقبة البعث، التي لا نظير لها، في ما عاناه العراق من ويلات الحروب والحصار الاقتصادي وتصفية الخصوم والعزلة السياسية عن محيطه الإقليمي والدولي، اما ملف الاعمار وتأهيل البلاد لمواكبة العصر تُرِك جانباً مركوناً على الرف.

شهد العراق في تاريخه الحديث عدد من الحروب، وإسهامه فيها بشكل فاعل، سيما في القضايا العربية، في الحرب العربية – الإسرائيلية الأولى عام 1948، في عهد المرحوم الملك فيصل الثاني، وحرب عام1967 في عهد عبد الرحمن عارف، وحرب أكتوبر 1973 في عهد البكر، اما في عهد الرئيس المخلوع صدام حسين كانت ذات لون آخر، تمثلت بنزوات شخصية، اراد بها دخول التاريخ لا غير على حِساب العراق وشعبه، شهد العراق في مطلع الثمانينيات من القرن العشرين اندلاع الحرب العراقية الإيرانية أو ما اصطلح عليه بحرب الخليج الأولى التي دارت رحى الحرب فيها لثمان سنوات أستنزف فيها الرجال والمال.
الأسرة العراقية ما يخلوا منها والا تسمع صوت أنين الارامل واليتامى وحنين الى من فقدوهم وتم تهجيرهم قسراً، ما ان وضعت الحرب أوزارها لاحت في الأفق حربٌ أخرى متمثلةً بغزوه لدولة الكويت أو حرب الخليج الثانية، وما تبعها من جراء هذه الحرب الكثير من الألآم والهموم التي اهلك فيها الحرث والنسل، التي نتج عنها الحصار الاقتصادي، الذي فت عضد الشعب العراقي أقتصادياً وتربوياً وتعليمياً وصحياً، وأدى ذلك إلى هجرة اعداد كبيرة منه، ثم ختمها بحرب الحواسم عام 2003.

لم يستقر النظام السياسي في العراق قبل 2003 نزولاً الى عام 1921، رغم ذلك كانت جهة واحدة هي من تحكم، سواء كانت أسرة حاكمة او حزبٍ واحد، إذاً كيف ما بعد احداث 2003، الذي تعدد فيه الفرقاء السياسيين على اختلاف توجهاتهم السياسية والعقائدية؟
بلاد تترنح ما بين ازمات مفتعلة وصراعات من اجل المكاسب من قبِل تُجار السياسة.. قد ودع العراق الخمسة عشر عام من عمر العراق الجديد، ونظامه السياسي غير مستقر، المقامرون كل يغني على ليلاه، اتهم فيها الوطني بوطنيته وذي العقيدة بعقيدته والمُضحي بتضحياته، وشنت الحملات التسقيطية بشتى السبل وشككت بنواية من يحمل مشروع دولة المواطنة، ولم يقف إلى هذا الحد، انما سِهام الحقد والتهم المُعدة سلفاً توجهت إلى المرجعية الرشيدة، لأجل تشويه الساحة وأخلائها من الشرفاء، ليحافظ الراقصون على جِراح الوطن على مكتسباتهم الضيقة، لهذا لن يستقر النظام السياسي إذا بقي سائراً بهذا المنحى، وان لم تتم عملية تصحيح المسار من قِبل القوة المخلصة والشعب في أزاحة هذا الرُكام، وإلا سيبقى الوضع على ما هو عليه إلى عقود قادمة، تشوبه الصراعات بين الفرقاء، وينعكس هذا بالسلب على النظام برمته، عندها لن يلحق بركب الآخرين.