يبدو أن التأثير الإقليمي الواسع في الساحة السياسية العراقية أصبح واضحاً ، واتسعت دائرته وازداد عدد اللاعبين فيه وأصبح هناك تجاذب بأجندات تكاد تكون متنافرة في مصالحها مما ربما ينذر بحالة لبنانية جديدة بدأت تتشكل ملامحها، إذ لم يستطع أي لاعب إقليمي منفردا أن يوجه دفة العمل السياسي في البلاد ، وصياغة معادلة الحكم فيه ، ومع وجود القوات الأمريكية التي تقارب الثمانين ألفا مع سلاحها وتأثيرها السياسي ، تعتبر الأكثر قلقا على هذا الواقع ، حيث تعتبرها من أنجح التجارب المتعثرة لديها ، وبالتالي هي حريصة على أن لا تتعرض هذه التجربة لانتكاسة سياسية أو انغلاق لمخارجها بعدما انحسر عنها الخطر الأمني والإرهابي، لذلك فإن الزيارات المتكررة للقيادات الأمريكية للعراق تعكس هذا القلق في البيت الأبيض.
وعلى الرغم من كل محاولات الكتل السياسية العراقية لتشكيل الحكومة ، والجهود التي يقوم بها رئيس الوزراء عادل عبد المهدي عبر إنشاء محاور وتحالفات وتأثيرات إقليمية واجتماعات بين الكتل السياسية، عُقد بعضها في العواصم الإقليمية ، ودعوة البعض لإطراف خارجية للتدخل في تشكيل الحكومة ، بسبب وصول النقاشات إلى طريق مسدود، خصوصاً ما يتعلق بوزارتي الداخلية والدفاع والتي أصبحت العقدة والمشكلة في عدم اكتمال الحقيبة الوزارية لعبد المهدي ، الأمر الذي أثار الدول الإقليمية ما زاد الأوضاع تعقيداً ، لذلك زاد تأثيرها على الواقع السياسية عبر قنواتها في البلاد .
من خلال قراءة واقعية للأحداث ، وبعد عملية الشد والجذب التي تمارسها الكتل السياسية من جهة أو القوى الإقليمية والدولية من جهة أخرى لم تستطع القوى السياسية الخروج بمعادلة ناجحة لتقاسم السلطة في البلاد تحت مسمى حكومة الشراكة الوطنية، مع ضرورة وضع مفاهيم واقعية لمفهوم اللبنة الأساسية لصياغة مفهوم الشراكة، وتبقى الأزمة الوزارية قائمة وقد تتنامى في ظل تجاذبات الكتل السياسية والتي تنظر إلى مصالحها بمعزل عن المصلحة العامة مع وجود لاعبين إقليميين تستهويهم، بل وتستدعيهم هذه التجاذبات التي تمنحهم فرصة أكبر لتفعيل تأثيرها في الوضع العراقي، والشيء المؤكد أن الإحباط الأكبر والخسارة الكبرى ستكون المواطن الذي أدى ما عليه في الانتخابات واختيار ممثلين في البرلمان ويعول على من انتخبه أن يغير واقعا لم يكن سعيدا به، لأنه لم يوفر له كهرباء ولا بطاقة تموينية جيدة وخدمات بائسة لم تتطور بسبب محاصصات سلبية استقدمت عناصر حزبية غير ذات كفاءة، تسلقت لمراكز القرار في وزارات الدولة وأنتجت أداء هزيلا في الواقع الخدمي.