بعد تحطيم سجن الدكتاتورية في عام 2003 انفتحت سماء الحرية امام المبدع العراقي الذي عانى من قيود الممنوعات القاسية فصارت الكتابة امرا ممكنا وغدى طرح الرأي امرا متاحا لايؤدي بصاحبه الى عفونة الزنازين او رعب منصات الاعدام .
ولأن بطن العراق تنجب النخيل والمبدعين منذ فحولة كلكامش فقد هبت طيور الافكار من معاقلها القسرية ، محلقة في افاق الكتابة الرحبة مغردة بكم هائل من الكلمات تراوح بين الشعر والنثر بكل تصنيفاته الابداعية .
ولست مبالغا أذا ادعيت بأن ماانتجه العقل العراقي خلال الاعوام العشرة الماضية من كتب في مجالات الادب والفن والفكر كان كبيرا الى الحد الذي جعله يعادل نتاج ازمنة الحروب والحصار الهزيلة كلها .
فالحرية التي حازها المثقف العراقي ، اضافة الى انتعاش احواله المعيشية ، دفعا به الى طباعة كتبه على نفقته الخاصة مستعينا بالوكلاء ودور النشر الوسيطة التي يتعامل معضمها مع المطابع الاهلية في سوريا ما جعل اغلب المطبوعات تصدر عن هذا البلد الشقيق .
لقد قلب هذا الكم الكبير من الكتب مقولة الامس الشهيرة ((مصر تكتب ولبنان تطبع والعراق يقرأ)) وحولها الى حقيقة ثقافية جديدة تؤكد على ان (( العراق يكتب وسوريا تطبع )) غير ان الطرف الاهم في هذا المعادلة واقصد به المتلقي لم يعد حاضرا بكل كثافته التي كانت موجودة في المقولة الاولى .
فثمة انحسار ملحوظ في اعداد القراء سببته ظروف سابقة وحالية ، لعل من بينها انشغال الفرد العراقي بهمومه المعيشية والسعي وراء الحصول على كفاف يومه على امتداد عشرين عاما والتحول شبه التام من الكلمة باتجاه الصورة والدخول في الزمن الانترنيتي الحديث الذي بدى ثريا بكل شيء ما جعل وقت العامة والكثير من النخب ممنوحا له بصورة تكاد تكون كاملة .
لقد صار الكتاب يعاني من هجران القاريء له وهذا الامر يشكل عامل احباط كبير اذا مااستمر كما هو حيث سيقود المبدع لاحقا الى الشعور بلاجدوى الكتابة عندما يجد ان افكاره لاتتجاوز في انتشارها حدود عالم النخبة الا بمسافة قصيرة جدا .
ان سبل الترويج للكتاب باعتقادي الخاص يجب ان تتولاها المؤسسات الرسمية ، وبالذات التربوية والتعليمية والثقافية كونها جزءا من مهماتها الاساسية ، اضافة الى قيام الفضائيات المتخصصة ودور النشر بدورها الذي اراه مهما جدا ومؤثرا الى حد كبير .