26 نوفمبر، 2024 9:43 م
Search
Close this search box.

مَا يُسكتُ فضولي ؟

مَا يُسكتُ فضولي ؟

تكتهلُ المُصادفة ُ، حيناً ، تُصابُ بالعقم والشيخوخة ، فتتعطّلُ إرادتُها أوتخبو . وحيناً تشقُّ دربها مُحمّلة ً اطنانَ الأطيان تُغرقُ الأخضر واليابس . أحياناً تعبرُنا مثلَ همسة واطئة ، ومرّات ٍ تجيء مُزمزة ً هادرة لا تُبقي ولا تذرُ . ونحنُ أبناؤها نُخفضُ لها رؤوسنا صاغرين . وقد يتصدّى لها واحدٌ منا حين يركبُه العنادُ ولا ينصاع لشكيمتها . لكنْ، ما الذي يوقفُ جريانها ويحدُّ من بطش شكسها . الإرادة ُ وحدّها ما يصدّها ويقطعُ طريقها . وهي العلمُ المعلومُ المُعلنُ لكلّ ذي بصيرة . وحين تُعلنُ المعرفة ُ عن حضورها تضيقُ على المصادفة دائرة ُ موتها . ومثلما نبتني ملاجيء للإتقاء من شرّ العواصف وموجات الزمهرير نستطيع قطع دابر المصادفات التي تخترقُ أمنَنا وراحتنا . قبلاً كنا مُعرّضين لكلّ مايهبُّ ويدبُّ من حولنا . لكنّنا الآنَ نتسلحُ بالعقل وننسلخُ من وطأة ما يُحاصرنا وهي تعنّ في غير أوان . نحنُ ابناء الزمن الموغل في لحم المستقبل تستقبلُنا آفاقٌ لا تطرق بابَ البال ، هي مخاضَ البحث والمثابرة . لأنّ السكونَ موتٌ يلازمُنا ويقطعنا . وحشيةُ الخطا تجيء من آن لآن ٍ، تتواصلُ نِعمها الشيطانية في إيقاعنا ولفّ مآربنا بأنسجة العتام والظلام . فلا نهلكُ ، لكنّنا على شقا غضبها وبين أضراسها . كنا وسنكون لقمتَها الآتية . ننتهي نحنُ ، وسيأتي غيرُنا ليأخذَ دورنا . بل نحنُ انفسُنا تتكررُ لُعبتُها معنا . أي، نُسحقُ مراراً . تمرّ فوق هياكلنا أعراسُ فؤوسها وأنيابها . هكذا ندورُ بين المخالب والأضراس ، نُطحَنُ ونُهضمُ ، ثمّ نعود . الموتُ الرحيمُ لا يُناسبنا ، بل بضعُ ميتات ، ففي كلّ ميتة ً أعذبة ٌ تسلقنا وتطبخنا وتأكلنا . اللعنة ُ ، اذاً ، على المصادفات التي لسنا قادرين على تجنبها . .. لكنّنا نمتلك عناداً فوضويّاً يتحدّى ،حيناً بعشوائية ، وحيناً عن سبق إصرار . ليس من ديدنا التخاذلُ والإنسياق مع سطوة المصائب . فلنا شيءٌ من الإرادة تنتفضُ أحياناً تمثّلُ ما تبقى فينا من شظايا غيّرة وعزة نفس . هذا النذرُ الباقي يُبقينا في شرفات اليقظة ، يُحصّننا من الإستسلام والمُهادنة والسقوط . كلُّ سقوط هوانٌ يبخسُ مقدارَ آدميتنا ، وحقّنا في النظر والإختيار . صفوفاً صفوفاً نستسلم ونتخاذل . وبعد حين ننتفضُ لئلا نتهافتُ . إن أخذتنا السقطة مرّة فالقيامُ يتعثّرُ ويتعذّرُ . لذلك تتمرأى ساحة ُ الحياة لناظرها صفحة خلل ٍ وغشاوة . بيدَ أنّ الوضعَ لا يمضي على نسق واحد ، بلْ ثمة َ انتفاضات تُبقينا على حواشي الأمان ، وتُبعدنا عن السقوط في الهاوية . والهاويات في كلّ مكان . في سوح اليقظة والمنام ، وفي سرابيل المُخيلة والشطط الناعم الناغم الذي يُدغدغنا ويلمسنا مُحمّلاً بمسّ ٍ من الأمل .المصادفاتُ تُبعدُنا غالباً عمّنْ نحبُّ ، بيدَ أنّ عقلنا المستتِر يجيءُ بهم الى تلافيف الأحلام . يظهرون ملءَ البشارة والبشاشة والعنفوان . ذا هو عائدٌ في حنية حلم طازجة في سيارة فارهة بيضاء ، ويحتضنني وأضمّه الى رحيق صداقتي فيّ .ويفتحُ الباب لزوجته واطفاله الثلاثة ، البنتُ الشابة والشابين الصغيرين . ليس لي بيتٌ ، ولستُ موجوداً في مكان خاص . اشرتُ الى مبنى خردلي الواجهة ذي شرفات صغيرة ونوافذ . قلتُ : اسكنُ هناك / لا أدري أكذبتُ عليه أم أني كنتُ صادقاً . وتذكرتُ المصادفة َ التي تكون في أوان قليلة شفّافة ً تُلبّي بعضَ أمانينا . ووجود صديقي في بؤرة الحلم بعضُ من هذا الكرم الذي نحظى به بين الحين البعيد والحين الأبعد . فجأةً انهمرتْ صورُ أيامنا الماضيات ، أضغاث حقيقة . تحدّثنا . استمعنا لبعض . ارحتُ سيارته في مكان آمِن ٍ . ومضينا الى بيتي المفترض . ثمّ انطفأ الحلم قبل أن نُكمل مشوارنا . ولأني محاصرٌ ثقافيّاً افتقرُ الى كتب وكتابات من العيار الثقيل الذي يُمدّ الواعية بما حُرمتْ منه فقد حظيتُ من أحدهم بصفحات من الأدب / قصة ً وشعراً ومُتوناً ابداعية أخرى / لكنّ بعضَ الصفحات كانت باهتة او يغشاها عتام خفيف . مع ذلك زلزلني الفرحُ وانغمستُ في القراءة . لكنّ هذا الأمر لم يكن بلا ثمن . كان عليّ أن اقلي لأحدهم شرائح من العجين ، وقمتُ بعملي على أحسن وجه . وتواصلتُ بين القراءة وقلي العجين وتناول اقراص ممّا قليتُ.
ألم أقلْ إنّ المّصادفة تتخلّى أحياناً عن جبروتها وصداميتها وعدوانيها ؟
 ورماني الحلم الى ضفّة اليقظة . ما بقي منه سوى وجهِ صديقي الذي ما زلتُ اختزنه في ذاكرتي . وبعضُ تلك الكتابات التي سأنقلها الى أوراقي بعد تعديل بسيط فيها . وإن اسعفتني همتي فقد احوّل ما تمرأى لي الى قصة أو أيّ مادة ابداعية . المصادفة ُ عدوانية الخط والمنهج ، عشوائية الإيقاع ، لكنّ ، لا انكرُ أن فيها ، أحياناً ، متنفساً فسيحًاً يُسعفني على انجاز عمل ادبيّ يُرضيني ويُسكتُ فضولي …..

أحدث المقالات