كانت والدتي اصغر بنات عائلتها المكونة من ٣ بنات، أكملت امي دراستها بمدرسة الاليانس ببغداد وتزوجت بعد أن تيتمت من والديها.
كانت والدتي مثل بقية اترابها من بنات تلك الحقبة مرحة تحب الحياة وصديقاتاتها يمثلون أغلب أطياف النسيج العراقي.
كما حرصت على تربيتنا اولا على محبة الإنسان كانسان، وثانيا تسليحنا باعلى الدرجات العلمية تؤهلنا خوض معترك الحياة العملية.
لم تغادر امي العراق قط على الرغم من دعوات والدي لها لمرافقته في رحلات عمله أو للسياحة. كانت ترفض أن تغيب عن اولادها الصغار حتى ولو تركتهم برعاية اخواتها.
لكن وللاسف تجري الرياح بما لا تشتهي السفن ودخلنا كما دخل العراق في نفق مظلم غابت فيه شمس العدالة وغلب عليه نقيع الغربان. تحملت فيه والدتي، بالإضافة لغياب رب الأسرة في غياهب معتقلات أجهزة القمع وانتهاك حقوق الانسان، مسؤولية الحفاظ على اسرتنا الصغيرة التي وجدت نفسها فجاءة بدون معيل!!
وبعد سنوات عجاف وصلنا والحمد لله لنهاية النفق
واستجاب الله سبحانه وتعالى لدعوات امي ودموعها التي كانت تترقرق على خديها في كل ليلة تنتظر فيها ابي، الذي لم نكن في اغلب مراحل اعتقاله نعلم ان كان من بين الأحياء او …..
وبعد أن حظينا بوالدي كهدية من خالق السموات والأرض قررنا بعدها انتهاز أول فرصة وغادرنا البلاد.
وجاء ذلك اليوم الذي أقلعت فيه بنا الطائرة من مطار بغداد، كانت تلك اول مرة تغادر فيها امي خارج العراق لكن العراق لم يغادرها لحظة واحدة خلال العقدين ونيف التي عاشتها، وإن عاشت حرة، بغصة ترك بغداد التي ولدت وترعرعت فيها وظلت امي تعيش والى اخر نفس بتوقيت بغداد.!
رحم الله امي واسكنها فسيح جنانه.