23 ديسمبر، 2024 6:08 م

دولة مقطوعة اللّسان !

دولة مقطوعة اللّسان !

لا أظنُّ أن أحداً قد وجد الأمر مقبولاً أو مبرّراً أو مفهوماً .. أعني بهذا ردّ فعل الدولة العراقية حيال الجريمة النكراء لتنظيم داعش الإرهابي المكشوف عنها للتوّ بعد إعلان قوات النخبة البريطانية عن عثورها في منطقة الباغوز السورية الحدودية في الأيام الأخيرة على خمسين رأساً مقطوعة لفتيات إيزيديات اختطفن واغتصبن إبان فترة الاجتياح الداعشي ثلث مساحة العراق وإقامة دولته الإرهابية المارقة عليه، بفضل سياسات حمقاء لحكومة كان يديرها نوري المالكي.
العراقيون العاديون، من أمثالي وأمثال باعة الفجل واللبلبي وسواهم، كانت لهم مواقف ضاجّة حيال الجريمة، بخلاف المواقف الباردة للدولة وكبار مسؤوليها، فقد بدا كما لو أن دولتنا مقطوعة اللسان !.. هذا يعكس البون الشاسع بين وطنية أصيلة وراسخة للعراقيين العاديين ووطنية غير قابلة للترجمة السليمة للممسكين بمقدّرات البلاد، مع أنهم جميعاً تقريباً ينسبون أنفسهم إلى الدين ويتمسكون بإظهار علامات الورع والتقوى والإيمان، من العمائم إلى اللحى إلى الجبهات المحروقة والمسابح والخواتم التي تتسابق في أعدادها مع أعداد أصابع أيديهم!
أقل ما كان يتوجّب ويتعيّن على الدولة ومسؤوليها فعله إعلان الحداد العام من أجل هؤلاء الضحايا وسائر ضحايا داعش، والسياسات الحكومية الخرقاء التي استقدمت داعش ، فالرؤوس الخمسون هي لمواطنات عراقيات وليست لمجموعة نعاج. وفضلاً عن كونهنّ نساء مدنيات فإنهنّ من مكوّن قومي وديني أصيل وعريق. انتهاك حقوقهنّ وكرامتهنّ وحياتهنّ انتهاك لحقوق وكرامة وحياة كلّ مواطن عراقي.
كان على الدولة أن تتحلّى بالحساسية الوطنية والإنسانية المناسبة حيال القضية وأن يكون ردّ فعلها صاخباً، أقلّه من أجل إثارة الرأي العام المحلي والعالمي ضد التنظيم الإرهابي الذي لم يزل يتهدّدنا ويتهدّد العالم كلّه ولم تنته الحرب معه بعد.
مجلس الوزراء لم ينبس بكلمة في الموضوع في اجتماعه الأخير. لماذا؟ .. مجلس النواب المشغولة رئاسته بالولائم والعزائم الداخلية والخارجية في العطلة التشريعية لم يشأ أن يعكّر مزاج رئاسته، في ما يبدو، للتنديد بالجريمة! لماذا أيضاً؟
هذا ليس فقط نقصاً، بل عيب كبير أيضاً..
في بلدان أخرى يموت عشرة أشخاص في حادث قطار أو طائرة فتعلن الدولة الحداد العام .
ما لدولتنا تبدو مقطوعة اللسان؟!
هل لدينا في الإساس دولة، يقف على رأسها رجال دولة؟