خاص : كتبت – نشوى الحفني :
مع دخول الاحتجاجات السودانية شهرها الثالث؛ وفي خطوة نحو التهدئة لضمان استقرار البلاد، أعلن الرئيس السوداني، “عمر البشير”، الجمعة الماضي، في خطاب تاريخي، تعطيله نظر “البرلمان السوداني” تعديلات دستورية كانت ستسمح له بالترشح مرة أخرى لرئاسة البلاد، وهي القرارات التي قابلتها المعارضة بالرفض الشديد، واستمرت في الاحتجاجات؛ رغم إعلانه حالة الطواريء.
وبتلك الطريقة، أعلن “البشير” تركه حكم البلاد بعد عام من الآن، حيث تنتهي فترته الرئاسية بحلول عام 2020.
وكان “البشير” قد فاز بنسبة 94% بأصوات الناخبين في الانتخابات التي جرت، في نيسان/أبريل من عام 2015، وكانت هناك محاولات لتعديل الدستور من أجل ترشحه مجددًا في الانتخابات المقرر إجراؤها، في نيسان/أبريل 2020.
خطاب “البشير”؛ جاء بعد خروج تظاهرات في عدد من أحياء العاصمة، “الخرطوم”، منها “بري وشمبات والديم”.
تصريحات مدير المخابرات..
وجاءت تصريحات “البشير” مطابقة لما أعلنه مدير جهاز الأمن والمخابرات السوداني، “صلاح عبدالله صالح”، الملقب بـ”قوش”، إن الرئيس “عمر حسن البشير”، سيُعلن حالة الطواريء في “السودان” وسيحل الحكومتين، (المركزية والولايات)، كما سيوقف إجراءات تعديل الدستور، التي تسمح له بالترشح لفترة رئاسية جديدة.
وأشار “قوش”، في تصريح مقتضب لرؤساء تحرير الصحف اليومية السياسية، إنهم عازمون على محاربة الفساد، مؤكدًا على أن “البشير” سيكون رئيسًا لـ”جمهورية السودان” فيما سيبحث “المؤتمر الوطني” عن رئيسًا آخر.
وأجملت صحيفة (الأحداث) تنويه مدير المخابرات في عدة نقاط: “إعلان حالة الطواريء لمدة عام، حل حكومة الحوار الوطني، حل حكومات الولايات، الرئيس يتخلى عن رئاسة المؤتمر الوطني، تشكيل الحكومة بحاجة المشاورات مع الأحزاب”، مؤكدة على أن الترتيبات المعلنة تمت بالتشاور مع “نداء السودان” وأحزاب الحوار.
واستهل “البشير” خطابه؛ بقوله: “سنخرج إن شاء الله من تلك المرحلة، أكثر قوة ووحدة لبناء السودان قوية ومستقرة، الناهضة والمتطلعة للمستقبل”.
وتابع: “شهدت بعض أجزاء البلاد احتجاجات خرجت بمطالب مشروعة في البداية، للسعي نحو الحياة الكريمة ومعالجة الأوضاع الاقتصادية الصعبة، وتلك المطالب موضوعية كفلها الدستور مع الحفاظ على النظام العام والممتلكات”.
ومضى بقوله: “تابعنا تلك الاحتجاجات متابعة دقيقة، ونحن لا نمل من الحوار والسلامة، للجلوس تحت سقف الوطن”.
واستطرد: “نثق أن من ساهم في تشييد الصروح والمشروعات من أبناء الوطن، لن يكون معولًا لهدمها، وسنفتح الباب مشرعًا للشباب لتقدم تجاربها المتنوعة”.
وقال الرئيس السوداني إن الخيارات الصفرية والعدمية لن تحل مشاكل البلاد، وأن البلاد لن تتطور بالمناهج السابقة التي لا تبني الأوطان.
تأجيل نظر التعديلات الدستورية..
ودعا “البشير”، البرلمان، لتأجيل نظر التعديلات الدستورية المقترحة، والتي تسمح له بالترشح مرة أخرى لرئاسة البلاد.
كما قال إن “القوات المسلحة” ستظل حامية وضامنة للاستقرار في “السودان”.
ودعا كذلك الرئيس السوداني، القوى السياسية المعارضة، بالإنضمام إلى “وثيقة الحوار”، وكذلك حاملي السلاح إلى الإنضمام إلى العملية السياسية والحوار.
كما أعلن كذلك حل حكومة “الوفاق الوطني”، وجميع حكومات الولايات في “السودان”، وتشكيل حكومة كفاءات وطنية لإتخاذ تدابير اقتصادية جذرية.
وأعلن أيضًا، “البشير”، فرض حالة الطواريء في كل أنحاء البلاد لمدة عام.
تعيين نائب ورئيس وزراء..
وبعد الخطاب أعلن “البشير”، السبت، تعيين الفريق أول، “عوض بن عوف”، نائبًا أول له ووزيرًا للدفاع، و”محمد طاهر إيلا”، رئيسًا للوزراء.
ويشهد “السودان” احتجاجات شبه يومية منذ 19 كانون أول/ديسمبر الماضي، تفجرت في باديء الأمر بسبب زيادات في الأسعار ونقص في السيولة، لكن سرعان ما تطورت إلى احتجاجات ضد حكم “البشير” القائم منذ ثلاثة عقود.
ويقول نشطاء؛ إن نحو 60 شخصًا قتلوا في الاحتجاجات، بينما تشير الأرقام الرسمية إلى مقتل 32 شخصًا، منهم ثلاثة من رجال الأمن.
ويشهد “السودان” صعوبات اقتصادية متزايدة مع بلوغ نسبة التضخم نحو 70%، وتراجع سعر الجنيه السوداني مقابل الدولار الأميركي وسائر العملات الأجنبية.
وسجل الجنيه السوداني، الخميس الماضي، تراجعًا قياسيًا أمام الدولار بالغًا 71 جنيهًا في التعاملات النقدية مقابل 90 جنيهًا للتعامل الآجل، (الشيك).
محاولات الإلتفاف على المطالب..
وأستبق “تجمّع المهنيين السودانيين”، أبرز الداعين للتظاهرات، خطاب “البشير”، مذكّرًا أن أيّة محاولة للإلتفاف على مطالب الشعب السوداني “لن تجد منا سوى المزيد من الفعل الثوري السلمي في الشوارع”.
وأضاف بيان “المهنيّين السودانيّين” أن: “مطالب هذه الثورة واضحة ولا يمكن القفز عليها، وعلى رأسها تنحي النظام ورئيسه وتفكيك مؤسساتهم القمعية وتسليم السلطة لحكومة قومية مدنية انتقالية، بحسب إعلان الحرية والتغيير”.
وبحسب ما نشرته حسابات سودانيّة على مواقع التواصل الاجتماعي، فإنّ التظاهرات استمرّت في “الخرطوم” ومناطق أخرى من “السودان” أثناء خطاب “البشير”.
رفض إعلان حالة الطواريء..
كما رفض “حزب الأمة”، أكبر أحزاب المعارضة في “السودان”، السبت، إعلان الرئيس “عمر البشير” حالة الطواريء، مؤكدًا على أن المتظاهرين سيواصلون تحركهم حتى إنتهاء الحكم المستمر منذ ثلاثة عقود.
وعلى إثره؛ شارك عشرات المواطنين في احتجاجات في “الخرطوم” رددوا خلالها هتافات تطالب بإسقاط النظام. وشهدت أحياء “برى وجبر والمنشية والموردة وشمبات والشعبية والمزاد” احتجاجات متفرقة تصدت لها الشرطة بالغاز المسيل للدموع.
وقال “حزب الأمة القومي”، في بيان، إن: “حل الحكومات … وفرض الطواريء هو تكرار للفشل الذي ظل حاضرًا خلال 30 عامًا”، مضيفًا أن: “الشارع الثائر لن يرضى إلا بتحقيق مطالبه برحيل النظام”.
ورمى “حزب الأمة”، بزعامة “الصادق المهدي”، الذي كان رئيسًا للحكومة عندما تولى “البشير” السلطة في انقلاب مدعوم من الإسلاميين، في 1989، بثقله خلف الاحتجاجات.
خطة لما بعد “البشير”..
ووقع الحزب على “وثيقة الحرية والتغيير”، التي وقعها أيضًا “الحزب الشيوعي” والعديد من المجموعات المتمردة في مختلف مناطق البلاد.
ويحدد نص الوثيقة خطة لما بعد حكم “البشير”، من بينها إعادة بناء السلطة القضائية ووقف التدهور الاقتصادي الذي يُعتبر السبب الرئيس للاحتجاجات.
ضرورية لتفادي الفوضى..
فيما اعتبر “حزب المؤتمر الوطني”، الحاكم في “السودان”، أن القرارات التي إتخذها الرئيس، “عمر البشير”، لا سيما فرض حالة الطواريء، “ضرورية لتفادي عدم إنزلاق البلاد إلى الفوضى”.
وقال نائب رئيس القطاع السياسي بالحزب، الدكتور “محمد المصطفى الضو”، السبت، إن: “قرارات البشير تاريخية وعميقة، وتمهد الطريق للتداول السلمي للسلطة، وكان ينبغي الإحتفاء بها من جميع المكونات السودانية بدلًا من رفضها من جانب المعارضة”.
وأشار إلى أن خطاب “البشير” أورد مسائل عديدة، لافتًا إلى أنه مع صدور القرارات التفصيلية سيدرك الجميع أنها تتسع لكل مكونات البلاد دون إقصاء.
واعتبر المسؤول الحزبي، طلب “البشير” من البرلمان تأجيل تعديل الدستور، أنه يفتح الباب أمام الجميع للمشاركة بفاعلية في سن دستور دائم وخطوات انتخابية تمهد الطريق للتداول السلمي للسلطة.
وحول ردود الأفعال الغاضبة لقوى المعارضة السودانية على قرارات “البشير”، علق القيادي بالحزب الحاكم؛ قائلًا: إن “البلاد في مرحلة بالغة التعقيد، ولا تجدي عمليات التجاذب والإستقطاب، وينبغي الجلوس إلى مائدة الحوار التي أكد الرئيس البشير أنها ستظل مفتوحة أمام الجميع”.
تزيد التهاب الشارع..
تعليقًا على قرارات “البشير”، يرى المحلل السياسي، “أحمد حمد”، إن القرارات ستسهم في مزيد من التهاب الشارع، ولم تمتص غضبه كما قصد منها، لأنها لم تلامس مطالبه، في المقابل رفع عصًا جديدة في مواجهة المحتجين بفرض حالة طواريء هدفها إخماد المظاهرات.
مضيفًا أن الخطاب الرئاسي لم يحمل جديدًا؛ وهو نسخة مكررة من خطاب مماثل في عام 2014، عندما أعلن عن “وثيقة الحوار الوطني” التي كانت نتائجها الحتمية خروج المظاهرات منذ 19 كانون أول/ديسمبر الماضي.
وأوضح أن: “الثقة أصبحت مفقودة بين الحكومة والشعب والمكونات السياسية الأخرى، لذلك من المتوقع استمرار المقاومة والتصعيد في الشارع”، لافتًا إلى أن حديث الرئيس حول الدخول إلى خيارات “صفرية” فزاعة لا يدعمها الواقع، حيث أعدت قوى المظاهرات بديلًا يحفظ الاستقرار السياسي في البلاد.
تراجع في تسريبات مدير المخابرات..
ويرى المحلل السياسي، “ماهر أبوالجوخ”، أن حدوث تراجع بين الخطاب الذي أعلنه الرئيس “البشير” وما سربه مدير جهاز الأمن والمخابرات، “صلاح قوش”، للإعلاميين، حيث أكد “قوش” على أن الرئيس ألغى التعديلات الدستورية نهائيًا ولن يترشح في الانتخابات القادمة وسيستقيل عن رئاسة “المؤتمر الوطني”.
وأضاف “أبوالجوخ” أن: “البشير ذكر أنه سيكون على مسافة واحدة من الجميع دون إقصاء لأحد، وأعلن تأجيل تعديل الدستور ولم يقل إنه ألغى فكرة الترشح نهائيًا، وهو ما يعني تراجعًا واضحًا”.
لافتًا إلى أنه إذا كان الأصل، قبل التراجع غير مقنع لكونه لا يعالج الأزمات جذريًا؛ فمن المؤكد أن الخطاب بالتراجعات لما أعلن ليس محبطًا، ولكنه يصل لدرجة تتجاوز الإحباط لتجعله غير مقبول، ومن الواضح أنه سيقود الأزمة لمزيد من التصعيد.
وتابع: “التحولات التي حملها الخطاب أنه للمرة الأولى يٌقر البشير بمشروعية مطالب المتظاهرين ويترحم على الشهداء، ولكن رغم ذلك فإن مجمل الخطاب مفارق للمطالب التي ينادي بها الشارع وإيقاعه متأخر، ولذلك فإن التوقعات أنه سيقود المشهد لمزيد من التصعيد”.
انتخابات رئاسة بدون “البشير”..
من جانبه؛ يرى المحلل السياسي، “مصطفى الجميل”، أنه كان الأجدى للرئيس السوداني إعلان انتخابات رئاسية لا يشارك فيها مع تشكيل حكومة انتقالية من كافة الأطراف بدلاً من الإجراءات التي إتخذها ونظر إليها الكثيرون بريبة وحذر.
واعتبر “الجميل” أن الوضع الاقتصادي في “السودان” لا يحتمل المزايدات، والإحتقان بلغ ذروته والرأي العام يتابع أنه لا يوجد ملف فساد تم استرداد مال فيه ولا توجد محاكمات أو خطة واضحة في توفير الضروريات.