في العهد الملكي وتحديدا في احدى وزارات نوري السعيد كان في بغداد معلم غير منضبط يعاقر الخمرة كل ليل وياتي للدوام صباحا وهو مخمور ولم تنفع معه تنبيهات وعقوبات مدير المدرسة التي يدرس فيها وبعد ان يأس المدير من اصلاحه شكاه لمدير التربية فاستحصل مدير التربية امرا بنقله الى لواء العمارة في الجنوب ولما حط رحاله في العمارة وجد الحصول على بنت الحان سهلا ميسورا فاشتكاه مدير المدرسة بعد نصح وتم نقله الى ناحية العدل ولما استقر بها وجد هناك نادي الموظفين مشرعة ابوابه ليلا للشاربين فكان ياتي المدرسة صباحا يمشي الهوينا او مترنحا ولم تنتهي مشاكله مع مديره الجديد الا بنقله لمنطقة ريفية نائية تسمى (الاعيوج ) لم تطأها اقدام الجغرافييون ولم يمر في دروبها شخص اسمه ( صليوه ) او جرجيس ) ولا حتى (ميخا ) ومدرستها مبنية من القصب والطين ولايعرف طلابها اختراعا اسمه ( حمام ) او (تواليت ) او حتى (مرافق صحية ) ويقضون حاجتهم في الخلاء ولم يشم هو في دروبها رائحة الخمرة طيلة ايام الاسبوع فتعود الذهاب كل يوم خميس بعد الدوام الى المدينة والعودة مساء الجمعة الى الاعيوج حيث البؤس والظلام لكنه كان يبدد هذا الظلام بما كان يجلبه معه من المدينة على شكل (سفري ) وبعد مضي قرابة الشهر لازمته الكآبة والملل ولم يطق العيش في هذا المكان فكتب لوزير المعارف انذاك بيت شعر وارسله في البريد المسجل وكان البيت يقول :
( وفي العدل المحبب ما استقمنا ….فكيف وفي الاعيوج نستقيم )
ولما قرأ وزير المعارف الرسالة وطرافتها قرر الذهاب بها الى رئيس الوزراء وجلس بحضرته واخبره بقصة هذا المعلم فطلب الباشا الاطلاع على الرسالة فقرأها وضحك ملء شدقيه ثم تناول قلمه وكتب عليها بخطه : ( ينقل الى بغداد ويعين معاون في احدى المدارس فيها )وسلمها لوزير المعارف فأكمل الوزير اجراءات النقل والتعين ,يقال بعدها ترك هذا المعلم معاقرة الخمرة وخلال فترة وجيزة تحول الى مربي فاضل . لقد كان نوري السعيد حصيفا في تعينه معاونا لكي لايحتك بالطلاب بشكل مباشر وكان وزير المعارف ذكيا يوم ذهب بالطلب لرئيس الوزراء لان الامر يحتاج الى صلاحية وتفهم لذا كانت مسيرة التعليم حتى بعد فترة من زمن الانقلابات العسكرية في العراق هي بخير مادامت السلطة تتفهم وضع المعلم وتوفر له الاسباب الضرورية للنجاح في عمله وعلى الحكومة ان تسير على هذا النهج ان ارادت النجاح للعملية التربوية لا ان تعرض المعلم للعوز حتى يضطر لبيع السجائر لطلابه مثلما حصل في تسعينات القرن الماضي .